تصر اسرائيل على تنفيذ قرارها القاضي باغلاق بيت الشرق في القدس على الرغم من معارضة اسحاق مردخاي المرشح القوي المنافس لبنيامين نتنياهو على رئاسة الوزارة الاسرائيلية بانتخاب شعبي عام في منتصف الشهر القادم مايو 1999م.
الموقفان المتناقضان بين المرشحين لرئاسة الوزراء أقام الحجة على اللعب السياسي ببيت الشرق في القدس ليكون احدى أدوات البرنامجين السياسيين بين الرجلين رجل منهما بنيامين نتنياهو يتعاطف مع المتشددين اليهود ليكسب اصواتهم الانتخابية،ورجل آخر يتعاطف مع المعتدلين ليكسب اصواتهم الانتخابية.
بطلان هذه الحجة يستند الى حقائق ثابتة في العمل السياسي الاسرائيلي الذي يقوم على تبادل المواقع في داخل العمل السياسي الاسرائيلي ليس فقط بين المعارضة في البرلمانالكنيست وبين الحكومة التي تتمتع بالسلطة، وانما ايضا بين رموز في داخل الحكومة تتصارع فيما بينها على قيادة السلطة التنفيذية.
الخلاف الحاد الذي دار بين الرئيس الاسرائيلي عزرا وايزمان وبين رئيس الوزارة بنيامين نتنياهو الذي تصادم في داخل وزارته مع وزير الخارجية ديفيد ليفي ومع وزير الدفاع اسحاق مردخاي يؤكد ان هذه الأدوار لم تأت عبثا وبالصدفة وانما جاءت بتخطيط محكم تنفيذا لسياسة المواقع المتناقضة التي تستهدف خدمة الوطن القومي اليهودي فوق أرض الميعاد.
كان من أولى نتائج هذا التناقض في المواقف تحت مظلة المصلحة المشتركة لكافة الأطراف المتصارعة تخدير المشاعر الوطنية الفلسطينية الذي وصل الى منتهاه باعلان قبول ترشيح فلسطيني عربي لرئاسة الوزارة الاسرائيلية، وهو إفك قصد به تأجيل مطالب السلطة الوطنية الفلسطينية في الارض واقامة الدولة للتفاوض عليهما مع الفلسطيني القادم الى قمة السلطة في اسرائيل.
صدق الفلسطينيون هذا الأفك تحت تأثير المخدر السياسي دون أدنى تفكير في التناقض الحاد بين ما يقولون عن اعطاء رئاسة الوزارة لرجل فلسطيني وبين طبيعة التركيب العضوي المرتكز على التفرقة العرقية والدينية التي تجعل من المستحيل وصول غير اليهود الأغيار الى قمة السلطة في اسرائيل.
السماح الدستوري للعرب الفلسطينيين بالتمثيل النيابي في داخل البرلمان الكنيست بتل أبيب يماثل السماح في الدستور المغربي للحزب الشيوعي وغيره من أحزاب يسارية بالتمثيل النيابي في البرلمان بالرباط، لأن كلا السماحين الدستوريين يستهدفان تحجيم الأدوار المناقضة للسلطة عند حدود متدنية تكشف الغطاء عنها لتمارس أدوارها السياسية في وضح النهار بصورة علنية وتحرمها من عملها الموسع تحت جنح الظلام بصورة خفية من تحت الأرض.
يؤكد هذه الحقيقة ان اليسار المغربي يتمتع بمقعدين في البرلمان شلت حركته السياسية الموسعة ضد السلطة السياسية القائمة في الرباط، وان العرب الفلسطينيين لهم مجتمعين خمسة مقاعد في داخل الكنيست شلت النضال الشعبي للفلسطينيين الذين يتمتعون بالجنسية الاسرائيلية ضد السلطة السياسية القائمة في تل أبيب.
لا ننكر ذكاء فقهاء القانون الدستوري في البلدين المغرب واسرائيل، ولكننا لا نعرف من كان له السبق بالتجربة ومن نقل تجربة الآخر وطبيعتها في داخل بلاده,, وأيا كان السبق أو النقل بالنسبة لاسرائيل فان نتائج التطبيق لها قد جعل المقاومة الفلسطينية الشعبية تستورد من خارج اسرائيل بتطوير منظمة حماس وبتوظيف مقاومة حزب الله لتمارسا أدوارهما ضد التسلط الاسرائيلي على الانسان وحقوقه في المواطنة وعلى الأرض التي تكسبه هذه المواطنة بعد تخليصها من الاحتلال واعادتها الى الهوية العربية واقامة الدولة الفلسطينية عليها.
ملامح استغلال القدس في اللعبة السياسية الانتخابية من خلال المواقف المتناقضة يدعمها ما حدث في الانتخابات السابقة عام 1996م بعدوان شيمون بيريز على مدينة قانا اللبنانية بقنابل عناقيد الغضب التي سميناها في أكثر من مناسبة باسم عناقيد الحقد واتجهت الانظار العربية الى المرشح الجديد بنيامين نتنياهو لانقاذ قضية السلام من التلاعب الذي يمارسه شيمون بيريز، غير انه اصبح بعد وصوله الى السلطة العن من رئيس الوزراة السابق في عرقلة معطيات السلام بالنكران تارة والتفسير تارة أخرى للاتفاقيات المبرمة بين الاسرائيليين والفلسطينيين في واشنطن وأوسلو تحت مظلة مرجعية مدريد.
ويؤكد ملامح استغلال القدس في الانتخابات الاسرائيلية القادمة التي أخذت تدق بشدة على أبواب الشارع الاسرائيلي مع اقتراب ساعة الصفر في مايو 1999م وسبق بدايتها بأيام معدودة عدوان بنيامين نتنياهو على قرية ارنون اللبنانية بالاجتياح العسكري لها وادخالها في زمرة الاراضي اللبنانية المحتلة مما جعل العرب يتعاطفون مع اسحاق مردخاي لانقاذ قضية السلام دون ان يستفيدوا من الدرس السابق الذي تعلموه من الانتخابات السابقة والتي اثبتت بأن الوصول الى السلطة في تل أبيب يغير مواقف الرجال من التمسكن الى التسلط .
وقفت أمريكا في الانتخابات الماضية مع شيمون بيريز ضد بنيامين نتنياهو الذي يتفق معه اليوم ضد اسحاق مردخاي، وعلمها فشلها السابق من تحقيق ارادتها الى تبديل موقفها من التأييد الى الدعم لمن تتعاطف معه من المرشحين.
يتضح هذا الدعم الأمريكي لبنيامين نتنياهو من البيان الصادر عن البيت الأبيض والذي يتحدث بلسان الرئيس الأمريكي بل كلينتون عن مبادرة أمريكية جديدة تطالب بفترة سماح قبل الاعلان عن الدولة الفلسطينية تصل الى سنة كاملة يتم خلالها التفاهم الاسرائيلي الفلسطيني من خلال المفاوضات ليصلا معا الى سلام حقيقي مقبول من الطرفين تحت مظلة اتفاقية واي بلانتيشن بمرجعية مدريد العلنية وأوسلو السرية ووعد بأن واشنطن ستواصل دورها في الوساطة بعد الانتخابات الاسرائيلية.
هذه المبادرة الأمريكية تؤيد تهديد بنيامين نتنياهو لياسر عرفات بواسطة مستشاره اسحاق تولخو الذي قال له: في حالة اعلان قيام الدولة الفلسطينية من جانب واحد ستقوم اسرائيل بضم الأراضي الفلسطينية التي لا تزال تحت سيطرتها، الى الوطن القومي اليهودي استنادا الى بطلان اتفاقيات أوسلو بسبب عدم التزام السلطة الوطنية بها والخروج عليها.
تهديد رئيس الوزارة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو لرئيس السلطة الوطنية الفلسطينية ياسر عرفات جاء متزامناً مع استلامه لرسالة من الرئيس الأمريكي بيل كلينتون تتضمن وعدا صريحا للفلسطينيين بوقوف واشنطن معهم لدعم موقفهم في تحديد مستقبلهم كشعب حر فوق أرضهم المحررة.
المجلس التشريعي الفلسطيني الذي انعقد في مدينة رام الله لم يستطع اتخاذ قرار قاطع من قضية اعلان قيام الدولة الفلسطينية في الرابع من مايو القادم 1999م بالتأييد أو التأجيل لصدوره في موعده المحدد وانما اكتفى باصدار توصية الى السلطة الوطنية الفلسطينية تقول بكلمات مرنة المضي قدما في اتجاه اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة بالقدس عاصمة لها واتخاذ كافة الاجراءات والخطوات اللازمة لتحقيق ذلك .
غير ان المجلس التشريعي الفلسطيني مع موقفه المرن بعامل الخوف من تنفيذ اسرائيل لوعيدها تجاه الأراضي الفلسطينية الباقية تحت سيادتها وبدافع عدم الثقة في الموقف الأمريكي لأن واشنطن لم تمارس دورها الحقيقي في رعاية عملية السلام بتغافلها عن ردع اسرئيل لما تمارسه من عدوان على الأرض بالتوسع في اقامة المستوطنات اليهودية عليها وتهويدها للقدس بكل ما استلزمه ذلك من عقوبات جماعية ضد الشعب الفلسطيني مما عثر خطواته في تقرير مصيره واقامة دولته المستقلة.
هذا الواقع الفلسطيني الضعيف في مواجهة التهديد الاسرائيلي والاضطرار إلى التعامل مع الوعود الأمريكية الكاذبة اللذان أديا الى قيام مبادرة بيل كلينتون الجديدة التي قد تعيد الوضع التفاوضي على السلام من أول وجديد بعد الانتخابات الاسرائيلية,, يجعلنا نقرر بثقة تامة أن اغلاق بيت الشرق في القدس بجانب كونه أداة من أدوات اللعبة السياسية في انتخابات رئاسة الوزارة الاسرائيلية القادمة، فإنه يعكس ايضا رغبة اسرائيل في تفريغ القدس من سكانها العرب حتى يسهل تحويلها في ظل غياب الوجود العربي بها الى عاصمة أبدية لاسرائيل قبل نهاية العام الحالي 1999م بمباركة واشنطن التي أعلنت منذ سنوات ماضية عن نقل سفارتها في اسرائيل من تل أبيب الى القدس خلال نفس هذا العام 1999م اعترافا منها بأن القدس عاصمة اسرائيل.
لا نستطيع ان نفصل بين عملية تفريغ القدس من سكانها العرب المسلمين عن عملية تفريغ اقليم كوسوفا من سكانه الألبان المسلمين لأن الصرب والصهيونية يهدفان الى اقامة الاستعمار الاستيطاني استناداً الى العنصرية العرقية والدينية، وأمريكا تدعم الاتجاهين بضرب اقليم كوسوفا بواسطة طيران ملف الناتو، وبالوعود الصادرة من البيت الأبيض باسم الرئيس بيل كلينتون بدعم حرية الانسان والأرض الفلسطينيين في الوقت الذي تضرب فيه الخارجية الأمريكية الانسان والأرض الفلسطينيين بالدعس على حريتهما بنقل السفارة الأمريكية الى القدس التي بها اجزاء من الأراضي الفلسطينية المحتلة المقرر تحريرها لتكون عاصمة للدولة الفلسطينية.
خطورة هذا الموقف تتصاعد بصورة مقلقة بعد ان أعلن من المقر الرئيسي لحلف شمال الأطلنطي في بروكسل قيام قوات الناتو بفرض الاستراتيجية الدولية في كل الأقاليم المختلفة لأن طبيعة المرحلة الحالية تتطلب التناغم الاستراتيجي بين كافة الأقاليم حتى لا يؤدي الخلل الاقليمي الى افساد العمل الدولي العام في مجالاته المختلفة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية.
ولما كانت اسرائيل حليفاً استراتيجياً لأمريكا ومرتبطة بحلف عسكري مع تركيا في داخل اقليم الشرق الأوسط فإن حلف الناتو بحكم روابطه التحالفية مع واشنطن وأنقرة سيقف إلى جانب تل أبيب داخل هذا الإقليم ليحقق لها كل طموحاتها على حساب الدول العربية التي تُحتل أراضيهم (مرتفعات الجولان العربية والأراضي الجنوبية من لبنان وأجزاء واسعة من أراضي الضفة الغربية الفلسطينية).
لا يوجد ما يمنع تحت مظلة الضعف العربي من تحقيق أحلام اسرائيل في زعامة هذا الاقليم تحت مظلة حلف الناتو.
دعوني أدلكم على المخرج العربي من هذه الأزمة الاستراتيجية التي يواجهها اقليم الشرق الأوسط بعد ان أوضحت فرنسا معالم الطريق من موقعها فوق كرسي عضوية حلف الناتو في اثناء احتفالات الحلف بواشنطن على انشائه وسيطر على جو الاحتفال الحرب الدائرة في منطقة البلقان.
تقول فرنسا: قبل ان نتفق على ارسال سلاح المشاة التابع لحلف الناتو علينا ان نحصل على اذن من مجلس الأمن باعتباره أعلى سلطة أمنية دولية في العالم، فبدون التمتع بمظلة الأمم المتحدة يصبح تحرك جنود الناتو فوق أرض البلقان فاقداً للشرعية الدولية بصورة تجعل من قوات الحلف عسكراً تابعين لدول استعمارية تفرض بالقوة ارادتها في ظل غياب كامل للقانون الدولي العام.
صحيح ان الأمم المتحدة ضعيفة واهنة، والتصويت في مجلس الأمن متعثر بحق الاعتراض الفيتو ولكن ذلك لا يمنع من دعم العرب لهذا الاتجاه الفرنسي حفاظا على استقلال اقليمهم واعطاء أنفسهم فرصة أوسع للتفكير في الخلاص من هذا العدوان المتربص بهم والرامي الى خدمة اسرائيل على حساب العرب.
|