ليس من مصلحتنا الدخول في حروب طاحنة مع الآخرين ومخاصمتهم لدرجة القطيعة، بالذات حينما تكون معهم وبينهم ولا نستطيع ان نكون بعيدين عنهم نظرا لظروفنا الصعبة التي تجبرنا على الجلوس معهم لان هذا هو قدرنا.
ولأن قدرنا هو ان تكون بينهم على الاقل في الفترة الراهنة الى وقت محدد ريثما تتحسن ظروفنا، لذا، فمن الحكمة ان نكسب ودهم ويكون الجو صافيا بيننا وبينهم على الاقل فترة جلوسنا معهم واحتكاكنا بهم والا نقف لهم في كل صغيرة وكبيرة او ندخل معهم في مناقشات حادة مثيرة للجدل والسخط او نفسر ما يتفوهون به على انه تلميحات مقصودة بحقنا, فالحياة لا تصبح حياة بهذه الطريقة.
المسألة ليست مسألة تصيد اخطاء او توجيه تهم وانتقادات في كل وقت بمناسبة وبدون مناسبة كما ان المسألة ليست فيمن اخطأ في حق من,, كما ان المسألة ايضا ليست في التفكير في كيفية الرد بالمثل مهما كان هذا المثل قاسيا او مخجلا ولا في كيفية الانتقام او الوصول لقرار المقاطعة,, ابدا فالمسألة اكبر من ذلك بكثير فنحن اكبر من ان نفكر بهذه الطريقة غير الحضارية التي تسيء الينا واكبر من ان نضيع وقتنا في خلافات شخصية يمكن ان تحل عن طريق التنازل قليلا عن كبريائنا والنظر لتلك الخلافات الشخصية او الاسرية من زاوية اوسع وارحب.
كل منا يتعرض للمضايقات بشكل او بآخر حتى من اقرب الناس اليه لدرجة قد تفقده الثقة بنفسه احيانا، لدرجة تجعله يكره الحياة والعياذ بالله ، لدرجة قد يتمنى من خلالها ان يكون بعيدا عن الناس او قد يتمنى لو لم يكن لديه احساس اصلا كيلا يحس بتلك الطعنات الموجهة اليه وبوخزاتها المؤلمة تنهش فيه، ولكن مصلحتنا الشخصية الصحية والنفسية تقتضي ان نرأف بأنفسنا قليلا والا نعاقب انفسنا بسبب غيرنا ممن لا يكترثون بنا ولا يقيمون لنا وزنا ولا يهمهم امرنا رغم ما بيننا وبينهم من وشائج او صلات رحم احيانا او ما يربطنا بهم من علاقات كانت قوية ومتينة في يوم من الايام.
فالملاحظ اننا نتضايق جدا وتسود الدنيا في وجوهنا وتسوء حالتنا النفسية لمجرد شعورنا بأن معاملة الآخرين تغيرت للاسوأ تجاهنا خصوصا اولئك الذين لم نكن نتوقع منهم في يوم من الايام مثل هذه المعاملة السيئة بحقنا,, قد نسمع منهم مثلا كلمات جارحة بحقنا او مسيئة لنا وامامنا نحن او قد نشعر بنوع من الفتور الفجائي في مشاعرهم نحونا مما قد يشعرنا ان هناك شيئاً ما خطأ فينا خصوصا حينما تتكرر هذه المعاملة من اكثر من شخص حتى بعد تنبيهنا لهم بذلك.
ومثل هذا الشعور الشخصي حينما يتمكن منا يتعبنا جدا وربما يجعلنا نفكر اننا مرضى بحاجة لعلاج نفسي كي نعود لحالة السواء ولكن السؤال هل ما نفكر فيه صحيح؟ هل نحن على خطأ دوما؟ وهل نحن في حاجة لان نغير بعض الاشياء بداخلنا كي يرضى عنا الآخرون؟ وهل سيكتفي هؤلاء الآخرون بما احدثناه بداخلنا من تغيير ليرضوا عنا؟
والسؤال الذي ربما هو اهم من ذلك هو: ومن هم هؤلاء الآخرون؟ وما مدى قيمتهم ومكانتهم واهميتهم لدينا؟ وهل يستحقون ما نقوم به من تضحيات من اجلهم,؟
يجب ان نضع نصب أعيننا ان سوء معاملة الآخرين لنا وتغيرهم تجاهنا وتحاملهم علينا لا يعني دائما اننا اشخاص سيئون خصوصا اذا كنا واثقين من انفسنا ولا يعني ايضا انهم على حق في كل شيء ولا يعني انه - حينما نتضايق من تصرفاتهم منا - ان هناك خطأ ما في شخصيتنا او تكويننا,, ابدا,, لماذا لا يكون الخطأ فيهم هم خصوصا اذا كنا نعرف حقيقة تصرفاتهم حتى مع غيرنا وغيرهم واذا كنا نعرف مدى حقدهم الدفين علينا وغيرتهم الشديدة منا؟
اننا حينما ننظر بهذه الصورة ومن هذه الزاوية فسوف يهدأ بالنا وترتاح نفسيتنا ونعود لسابق عهدنا من التفاعل الطبيعي مع من هم حولنا وقديما قالوا - ان لم تخني الذاكرة:
كن كالنخيل عن الاحقاد مرتفعا يُرمى بحجر فيؤتي أطيب الثمر |
قد تقول في نفسك - وهذا من حقك طبعا - قد تقول انني لم اسع للقطيعة ولكن هم من سعوا اليها واجبروني عليها بتصرفاتهم السيئة معي وتجاهلهم المتعمد وهذا يحدث كثيرا ولا نستطيع ان ننكره ولكن القطيعة لا تعني ابدا الا اتصل بهم من وقت لآخر خصوصا في مناسبات وظروف معينة ولا تعني القطيعة ان احمل في قلبي الكره والحقد لهم فقط لانهم يحملونه لي,, اذن ما الفرق بيني وبينهم؟! صحيح انني مطالب احيانا ان اتجاهلهم كي اشعرهم بقيمة نفسي وبأنني لست اقل شأنا منهم، ولكني يجب ان اكون افضل منهم في جوانب اخرى حث عليها الاسلام ونادى بها ومنها الزيارات بخاصة مع الاقارب الذين تربطني بهم صلة رحم مثلا.
كما لا تعني القطيعة ان اتحدث عنهم بسوء مع كل شخص وفي كل مناسبة فقط لانني لا احبهم واتحامل عليهم فحينئذ أكون كمن يشتري الاثم لنفسه! فكرهي لهم لا يعني انني لا اعرف معنى للحب ولا يعني حقدي عليهم أن ابيع واتخلى عن كل شيء فقط لانهم لا يستحقون مني شيئاً .
ان هناك عينة من البشر حينما تكره فإنها تكره بالفعل ولا يمكن لها ان تسامح ابدا او تعطي لنفسها الفرصة لتغيير موقفها او رأيها حتى مع صغائر الامور التي يمكن ان تغتفر! تحس من خلال رؤيتك لها من بعيد انها تحمل في قلبها حقد العالم كله تجاهك وتجاه كل من تكرهه,, تشعر من خلال نظراتها وحديثها لك من بعيد بأنك نكرة لا تساوي شيئا في نظرهم!
ومشكلة مثل هذه الفئة - التي لا تسمح لنفسها ان تسامح غيرها على اخطائها معها - أنها هي نفسها تمارس ما لا تجيزه لغيرها من سلوكيات خاطئة او سيئة ولكنها لا تشعر بذلك,.
وفئة كهذه طبعا تجبرك على ان تخاصمها وتقاطعها وتتخذ منها موقفا سلبيا لا تنساه لها ولكن يبقى ان يكون لك انت دور المبادرة في المصالحة مع أول فرصة تحين لك.
ولكن ينبغي ان نتذكر ان بعضاً من تلك الفئات حينما تكره فكرة مثلا فليس لأن الكره صفة فيها او انها تريد ان يكون جزءاً منها ولكن اعتزازها بنفسها وقوة الصدمة الموجهة اليها تمنعها من ان تسامح من اساء اليها واخطأ في حقها ولذلك فبدلاً من ان نلومها على قسوتها في ردة فعلها علينا ان نتفهم وضعها وان نراعي ان هناك فئة من هذه النوعية بحاجة لمعاملة خاصة تراعي مشاعرها واحاسيسها قبل ان نسيء اليها ونخسرها,, والناس بطبيعة الامر يختلفون في تقبلهم للاساءة ونظرتهم اليها وردة فعلهم تجاهها وحينما اكون متسامحا فهذه قد تكون ميزة ولكنها من جانب آخر قد تكون ضعفاً ايضا فالتسامح له حدود ينبغي ان تراعى.
والغريب ايضا ان هناك فئة اخرى هي من تخطىء في حق الآخرين وتسيء اليهم بشكل او بآخر ومع ذلك تلوم الآخرين لعدم اعتذارهم لها!, وكأنهم هم المسيئون اليها ويزيد كبرياؤها اكثر حينما لا تقبل الاعتذار من الآخرين رغم انها المخطئة في حقهم! أليس هذا نوعاً من الغرور او اعتداءاً زائداً بالنفس او ليس هو الخطأ بعينه؟!,.
وبالطبع فأنا وانت لابد ان نقع تحت واحدة من تلك الفئات واتمنى ان تكون الفئة المتسامحة التي لا تحمل في قلبها سوى الود والصفاء,, ولنا ان نتخيل تلك الحياة التي نعيشها حينما نكون متسامحين يقدر بعضنا بعضاً,, لاشك انها ستكون حياة سعيدة ورائعة باذن الله,.
انها مجرد ملاحظات يومية فهلا تنبهنا لها؟! انها لا تحتاج سوى لشيء من التريث.