Thursday 29th April, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الخميس 13 محرم


ليس إلا
العالم يعود رومانسيا

بعد كم جيل من اليوم
سيعاد تمثيل مشهدنا السامق هذا،
في بلاد لم تولد وبألسنة لم تعرف بعد!
هذا ما قاله ويليام شكسبير على لسان احدى شخصياته في مسرحيته "يوليوس قيصر"، وقد كانت تلك العبارات نوعا من المفارقة irony لأن الشخص الذي يشاهد المسرحية يعرف تماما ان هذا مجرد تمثيل في الوقت الذي لا تستطيع فيه الشخصية ادراك انها مجرد شخصية تؤدي دورا في مسرحية اخترعها خيال شكسبير.
لكن المفارقة الكبيرة والتي لم تكن تدور في خلد شكسبير هي ان تتعدى هذه المفارقة احدى شخصياته لتشمله هو شخصيا ويعاد سرد حكايته هو وليس شخصياته "بعد كم جيل من اليوم"، أي ان العبارة السابقة تصلح ان تكون على لسان شكسبير نفسه وليس احدى شخصياته، وبذلك تكون المفارقة من النوع المعقد الذي يصعب على القارئ متابعته.
التفسير الجديد لعبارات شكسبير السابقة، كما يراه كاتب هذا المقال، جاء بحكم ان شكسبير نفسه اصبح شخصية رئيسية في عمل ادبي جاء بعد كم جيل من أيامه هو، ويعاد تمثيله يوميا في صالات السينما العالمية، وفي بلاد لم يكن لشكسبير نفسه، وليس شخصياته، ليعلم بها، كما ان قصته يعاد سردها يوميا بألسن لم يكن يعرفها! "شكسبير عاشقا"هو عنوان العمل الادبي الذي يعتبر وبشهادة النقاد الافضل هذا العام كما انه حصل على سبع جوائز اوسكارية، كان من ضمنها جائزة كتابة القصة والتي ابدع في تأليفها كل من توم ستوبارد ومارك نورمان.
تدور قصة هذا الفيلم حول معاناة الكاتب المسرحي شكسبير في شبابه وعجزه عن الكتابة ولكنه يستطيع بعد ذلك كتابة مسرحيته المعروفة روميو وجولييت بعد ان ألهمته تجربة عاطفية عاشها.
وإذا كانت ثمة شكوك تدور حول ما كتبه شكسبير وان فرانسيس بيكون او كروستوفر مارلو او غيرهما هم من كتب تلك الاعمال الخالدة، فإن نفس اللعنة قد حلت بهذا العمل الذي يتعلق بشكسبير, نفس تلك الشكوك والاتهامات تدور حول هذا الفيلم بأنه سرقة ادبية لرواية كوميدية نشرت في عام 1941م، ويستند البعض في ذلك الى التشابه الكبير بين العملين إذ كلاهما يتحدثان عن تنافس بين شركتين مسرحيتين، كما ان البطلة في العملين اسمها فيولا!
بغض النظر عن ذلك كله فإن الظاهرة التي تستحق التأمل هي اقبال الجمهور في العالم أجمع بشكل لم يسبق له مثيل على مشاهدةالاعمال الرومانسية التي لايتميز بها عصرنا الحالي الذي طغت عليه الحياة المادية بكل اشكالها.
لم أستدل بهذا الاقبال على "شكسبير عاشقا"فقط والذي يعتبر كوميديا بالاضافة الى كونه رومانسيا، وإنما تعزز لدي هذا الانطباع في كون ان افضل فيلم في التاريخ، على اعتبار ان الانسان لم يعرف السينما إلا في القرن العشرين، هو فيلم تيتانك"، وقد حقق الفيلم هذا الانجاز لانه الوحيد الذي سجل رقما قياسيا بعدد المشاهدين وعدد الاوسكارات التي حصل عليها, هذا الفيلم يحكي قصة رومانسية حدثت في الوقت الذي غرقت فيه السفينة العملاقة تيتانك.
يبدو أن العالم سئم الحياة المادية التي يتميز بها هذا العصر وأراد ان يتراجع الى الخلف ليعيش شيئا من الماضي, يجدر بالذكر هنا ان القصتين السابقتين تتحدثان عن مرحلتين سابقتين وهو ما يعزز نفس النتيجة التي يهدف اليها هذا المقال.
وهي ان الانسان بدا بالخوف مما يمكن ان تؤول اليه معطيات هذه الحقبة الحديثة وحاول الهرب منها الى العصور السابقة، ولكن هذا الهروب خيالي لانه يتم عبر القصة والخيال!
إذن، هل سيعود العالم رومانسيا، ام ان الامر مجرد مصادفة فقط؟
هذا سؤال سيظل بلا اجابة لان ذلك لا يتعلق بالقصة والخيال فقط, الامر اكبر من ذلك بكثير، إنه الواقع فقط، ليس إلا!
خالد العوض

رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
فنون تشكيلية
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
القرية الالكترونية
المتابعة
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved