Sunday 2nd May, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الأحد 15 محرم


القلم الأبيض
علمانية السياسة في لبنان وتحديد التوجهات
عبد العزيز المهنا

لبنان - البلد العربي الذي يحتضن الآلام الحديثة والقديمة منذ استقلاله وحتى عتبات سلم الزمن على مشارف القرن الواحد والعشرين والالف الثالثة، يعيش كل ساكن فيه على امل ان لا عودة الى الموت لكن عقود الزمن تختلف معه وتؤكد له ان لبنان لا يستطيع الحياة بدون مؤثرات من الداخل أو الخارج تجعل من لعبة السلاح رياضة محببة لدى الجميع, فالطفل اللبناني الذي لا يتجاوز عمره عشر سنوات يمكنه استخدام عدة انواع من السلاح وهكذا كلما كبر سنه تكبر معه فنون الحرب والقتال وتتكاثر انواع السلاح وتتأصل في قلبه وجسده الاحقاد ضد من يختلف معه في الدين والمذهب والعرق.
المئات - بل الآلاف من الشباب اللبناني ممن تزيد اعمارهم عن 35 عاماً لا يحملون تخصصات علمية وإنما يحملون تخصصات في استعمال انواع متعددة من السلاح, يتساءل هؤلاء الشباب: المسلم منهم او المسيحي عن الفوائد الذاتية التي كان يجنيها اثناء الحرب فيقول عنها في النهاية انها كذب, ثم يقوم بتعميم هذه الصفة الى سائر التصرفات للقياديين والافراد على مستوى سائر الطوائف اللبنانية.
الحرب اللبنانية - كذبة كبرى - يتحملها الشعب اللبناني بنتائجها السلبية ويستفيد منها تجار الحرب من زعماء الطوائف وغيرهم من داخل لبنان وخارجه, شباب في سن المروءة والقوة طحنتهم الحرب دون تقديم البدائل سوى بضع كلمات من زعيم هذه الطائفة او تلك لذوي القتلى على انهم شهداء الواجب وانهم قدموا دماءهم الطاهرة الزكية فداء لابناء جلدتهم ايا كانت ديانتهم او مذهبهم او عرقيتهم.
المجتمع اللبناني الذي قيل عنه انه المجتمع العربي الوحيد الذي تعتبر نسبة التعليم فيه قد وصلت الى مائة بالمائة وان تعريف الأمية فيه قد تجاوز مفهومها المتعارف عليه في تعلم الابجدية في التعليم وتجاوز هذا المفهوم الى تعريف يصل الى ان الامية اصبحت صفة لكل لبناني لا يتحدث سوى لغة واحدة.
لكن الحرب قتلت هذا المفهوم الحديث واعادت الأمية الى موقعها الطبيعي حيث يوجد لبنانيون ولبنانيات يحتاجون الى تعلم الابجدية العربية.
لبنان الذي تم تصنيفه عبر الدستور لان يكون دولة عربية تحت سيادة القانون وعلمانية السياسة تحول الى بلد يتعارف افراده بالديانة والمذهبية والطائفية.
مؤسسات تجارية لبنانية سواء في محيط الاعلام او التجارة العامة او الصناعة لا تزال تعيش ذلك التلون الديني والمذهبي فقلّما تجد في لبنان مؤسسة تجارية مزدوجة الانتماء بين العاملين فيها - واقول انك قلّما تجد ولا اقول من النادر لان النادر لا حكم له -.
الكثير من اللبنانيين يأملون ان تتسارع الاحداث لتجعل المسلم اللبناني يسكن في بناية متعددة الادوار الى جانب اخوته اللبنانيين من جميع الطوائف - لكن احياء بيروت ومناطق لبنان لا تزال تغلب عليها سمة الطائفية والكثير من اللبنانيين يأملون ان يغيب السلاح عن المنازل ويجد طريقه الى مخازن الذخيرة التابعة للجيش اللبناني - لكن بعضاً منهم لا يزال غير واثق بالزمن، فهو يبيع السلاح ويتعامل به ويتابع حركة تطور تصنيعه ليحصل على الجديد من السلاح اذا دعت الضرورة.
المدارس في لبنان هي في الاغلب مدارس تابعة لمؤسسات دينية، لذا فاللبنانيون الارثوذوكس لهم مدارسهم الخاصة وكذا الموارنة والبروتستانت والكاثوليك، لكل طائفة مدارسها الخاصة, والمسلمون بطوائفهم الشيعية والسنية والدروز لكل طائفة مدارسها الخاصة بها.
في لبنان بلد ال18 طائفة وبلد ال18 توجها وبلد ال18 رأيا لا يزال يأمل ان يعيش على نية الغرب التي تجعل من لبنان بلداً لكل اللبنانيين.
جميلة تلك الاماني والآمال، وما اسهل ان تتحقق في ظل الاصرار على البناء وإلغاء معاول الهدم من الحياة السياسية وإتاحة المجال امام الوطن ليصبح بيتاً للبنانيين دون تعريف للطائفة او المذهب.
ان اول خطوة في هذا الميدان هي اعلان الدولة سيطرتها على التعليم، فكلمة الدولة هي الكلمة الاولى والاخيرة من روضات الاطفال وحتى نهاية التعليم الالزامي,, وفي الوقت الذي لا تستطيع الدولة فيه فتح مدارس تابعة لها في جميع انحاء لبنان يمكن ان تلزم المدارس التابعة للقطاع الخاص بتدريس المناهج الرسمية وعدم الاعتراف بأي منهج يتعارض مع مبادىء بناء الديمقراطية في المجتمع اللبناني، وان يخضع نظام التعليم لرقابة صارمة ومستمرة.
وضع التعليم القائم في لبنان مرآة للطائفية وإلغاء لكل مفاهيم المساكنة الذي يجعل لبنان لكل اللبنانيين بل ان وضع التعليم سيجعل من لبنان ميدان منافسة وخصومة مستمرة بين كل الطوائف.
الحرب اللبنانية القادمة سوف تكون اكثر دموية لأن القساوسة والرهبان والمبشرين والدعاة والمعلمين والوعاظ والشيوخ الطائفيين لا يزالون يعملون وبكل قوة على تجسيد المذهبية والطائفية, وكل طائفة في لبنان ترى نفسها من خلال المرايا السياسية العاكسة وتؤكد انه سيكون لها دور متميز في المستقبل في توجيه السياسة اللبنانية, كلهم يريد والدولة تريد والآمال تريد فأي الارادات اقوى واقدر على الظهور؟!
كل هذه الارادات ضعيفة اذ لا تستطيع واحدة منها ان تكبح جماح الارادات الاخرى لذلك سيكون لبنان بلداً لكل الارادات الضعيفة اذا لم يأخذ بزمام امره نحو تحقيق مبادىء اتفاق الطائف الذي يلغي الطائفية تدريجياً من المجتمع اللبناني.
لقد تم للبنان الامن والسلام من خلال اتفاق الطائف ويمكن للبنان ان يعيش حياةديمقراطية غير خاضعة للتميز المذهبي او العرقي,, وكل عربي يريد ان يرى لبنان، لكل العرب بل لكل العالم، آمناً في انظمته وقوانينه,, آمنا في حياته المالية والتجارية,, آمناً في تطلعاته وآماله وأمانيه.
رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
المتابعة
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
تحقيقات
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved