كثيراً ما نسمع عن مؤسسات اقتصادية في أماكن كثيرة من العالم توقف نشاطها نهائيا, وهذا يحدث غالبا عندما يتبين للقائمين على تلك المؤسسات ان استمرار نشاطها لا يحقق اي مردود اقتصادي ايجابي وقرار اغلاق المؤسسة الاقتصادية هنا لا يحكمه عادة اي التزام اخلاقي من المؤسسة تجاه زبائنها او تجاه المجتمع المحيط بها, فاستمرار نشاط المؤسسة او توقفه هو امر تقرره نتائج حساباتها للربح والخسارة المادية فقط.
في المقابل هناك فئة من المؤسسات الاجتماعية لايمكن ان توقف نشاطها مهما كانت الظروف التي تمر بها، فهي تظل شامخة في نفس الموقع عبر السنين الطويلة، تحمل نفس الاسم وتخدم نفس المجتمع تلك هي المدرسة, نحن لم نسمع يوما ان مدرسة في مكان ما من العالم قد اقفلت أبوابها بسبب نقص الامكانات المادية, وعلى الرغم ان المدرسة لايمكنها ان تقدم تعليما راقيا في نوعيته دون ان تحظى بالتجهيزات والمصادر التعليمية المناسبة إلا ان حساباتها للربح والخسارة تتم بأسلوب مختلف, فإذا كانت المؤسسات الاقتصادية ترى ان الربح المادي فقط )Bottom line( هو مبرر استمرار نشاطها، فإن الربح في حسابات المدرسة يتحدد في مستوى ونوعية ما يحققه الطالب من تعلم )Student Learning(, وطالما ان الربح في حسابات المدرسة يتحدد في نوعية ما يكتسبه الطالب من معرفة ومهارات واتجاهات، فإن المنطق يقتضي ان تعرف المدرسة بالتحديد نوع وعمق وغرض المعرفة والمهارات المطلوب اكسابها للطلاب ومن ثم تقدمها لهم في قوالب جذابة، وعلى المدرسة ايضا ان تعرف المستويات التي يجب ان يرقى إليها تعلم الطالب وتدفع به إلى تلك المستويات، وفوق ذلك عليها ان تعرف كيف تقيس بدقة ما تعلمه واكتسبه الطالب وتقارن ذلك بما يحققه طلاب المجتمعات المتقدمة تعليميا, وما لم يحدث ذلك فسوف تختلط لدى المدرسة حسابات الربح والخسارة، وعندما يحدث ذلك فسوف تخسر المدرسة فعلا، لكنها لن توقف نشاطها، بل سوف يستمر نشاطها ولكن عند مستويات متهالكة لا يشعر به كثير من الناس, وفي هذا الشأن تثار دائما الاسئلة التالية: هل استطعنا ان نحدد المعارف والمهارات التي يجب ان يتعلمها طلابنا اخذين في الاعتبار المتغيرات والتحولات التي ظهرت في السنوات الاخيرة على المستويين العالمي والمحلي؟ ثم هل طورنا الآليات التي تمكننا من الوصول إلى مؤشرات دقيقة تكشف لنا عن حقيقة مستوى ما اكتسبه طلابنا من معرفة ومهارات؟