Sunday 2nd May, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الأحد 15 محرم


ترشيد المياه هو خيارنا الوحيد
رفع كفاءة استخدام المياه المتاحة لايقل أهمية عن البحث عن موارد مائية جديدة
أ,د, عبدالعزيز بن حامد أبوزنادة

لقد تعودنا على اعتبار توفر المياه أمراً مفروغا منه ومسلما به فما علينا إلا أن نفتح الصنبور ليتدفق منه الماء باردا عذبا يطفئ الظمأ ويبرد حرارة الجسم, وقد افترضنا، على غير أساس، أن هذا الوضع سيدوم ولذلك فقد أسرفنا في استخدام المياه اسرافا غير مبرر دون أن يكلف أحدنا نفسه بأن يفكر ولو للحظة إلى متى يمكن أن يدوم هذا الحال.
ولكننا نحمد الله على أن هيأ لنا من يفكر ويضع مصلحة الوطن الغالي والمواطن نصب عينيه آناء الليل واطراف النهار,, فهذا هو الساعد الأمين لخادم الحرمين الشريفين صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد الأمين يخرج علينا كعادته بما يسر الخاطر ويهدئ النفس ويزيل الحيرة هاهو سموه الكريم يدشن الحملة الوطنية لترشيد استخدام المياه التي هي أهم الموارد الطبيعية وعصب الحياة حيث جعل الخالق سبحانه وتعالى منها كل شيء حي.
ولعل أهم نعمة أنعم الله سبحانه وتعالى بها علينا بعد نعمة الإسلام هي أن قيض لهذا البلد الطيب قادة كراما بررة يهتمون بأمره ويديرون شأنه بما يعودعليه وعلى المواطنين بالخير والنماء والرفاه فهنيئا لك ياوطني وهنيئا لنا جميعا وحق علينا أن نستجيب لهذه الدعوة الكريمة المباركة وأن نتعاون معاً لنرى كيف يمكن أن نضعها موضع التنفيذ وأن يستشعر كل منا مسئوليته الشخصية تجاهها بما يكفل تحقيقها لصالحه وصالح المجتمع بأسره أجياله الحالية واللاحقة على السواء.
ولأن المياة تسقط مجانا من السماء شأنها في ذلك شأن الكلأ الذي ينبت بقدرة الله من الأرض والأشجار التي تخرج بقدرة الله لتمنحنا الظل والغذاء والمأوى وكل الموارد الطبيعية الأخرى التي يجود بها علينا كوكب الأرض فقد اعتقدنا واهمين انها ستظل على وفرتها وأنها لا يمكن أن تُستنفذ وانها تستعصي على كل نشاط ينال منها فأسرفنا في استخدامها واستنزفناها وهدمنا نظمها البيئية الطبيعية ولوثنا البيئة وكنا نحن أول الضحايا لأفعالنا غير الواعية, واصبح التحدي الذي نواجهه حاليا هو كيف نسخر كل امكاناتنا وابداعنا وفكرنا لكي نتعلم كيف نستطيع أن نتعايش في سلام واتزان مع الموارد الطبيعية ومع البيئة بشكل عام ومع كوكب الأرض الذي جعل الخالق سبحانه وتعالى موارده الطبيعية متاعا لنا ولأنعامنا وأمرنا بأن نحسن إدارته والتصرف فيه وألانسرف والا نعثوا في الأرض الفساد.
يزعم الاقتصاديون بأن رفع مستوى معيشة الإنسان مرهون بزيادة التقدم الاقتصادي الذي يتطلب لذلك نموا متزايدا عاما تلو عام دون حدود يقف عندها، وبالضرورة فإن هذا النمو الاقتصادي المتزايد يستدعي زيادة مقابلة في استهلاك موارد المياه، وغيرها من الموارد الطبيعية، في جوانب التنمية الاقتصادية المختلفة زراعية وصناعية وحضرية، كما أن ارتفاع مستوى معيشة الإنسان يتطلب بالضرورة زيادة استهلاكه للمياه بشكل مبالغ فيه, ولا إخالها فكرة غائبة تلك المتعلقة برفع كفاءة استخذام هذه الموارد بالشكل الذي يحقق أقصى استفادة منها دون إهدار- وهو المهم-.
والحق أن نمط الحياة الذي نعيشه حاليا في المملكة العربية السعودية، بل وفي الجزيرة العربية بوجه عام، قد خلق لدينا وهما بالشعور بوفرة المياه وأنه مهما زاد استهلاكنا لها فالحكومة كفيلة بأن تجد من الموارد الإضافية ما يقابل زيادة الاستهلاك، الترفيهي في جزء كبير منه، وإلى جانب المفقود من المياه بالإهدار والتسرب.
ومما يثير الأسى أن هذه النظرة القاصرة جعلت البعض منا ينظز إلى الماء كمجرد مورد طبيعي متاح جاهز للاستخدام وأننا يمكننا أن نحجز جميع مياه الأمطار الساقطة لصالح استخداماتنا البشرية الضرورية وغير الضرورية، والحقيقة أن الماء جزء من نظام بيئي طبيعي له دوره الأساسي في كفاءة عمل الأنظمة البيئية الداعمة للحياة، فالخالق سبحانه وتعالى لم يخلق الدورة الهيدرولوجية عبثا وهو يسوق الماء فيشكل سحباً تهطل أمطارا بمقدار فتنبت الزرع وتدر الضرع وتنساح إلى البحر لتجعل الحياة تدب في نظمه البيئية المنتجة بأنواع الأسماك والروبيان وغيرها, ولولا هذه المياه العذبة التي تصل إلى البحر لتوقفت هذه النظم البيئية عن انتاجيتها وماتت والشواهد على ذلك كثيرة من ندرة الروبيان والسردين وغيرها من الأنواع مما لامجال للاستفاضة فيه في هذه العجالة.
ويتضح من ذلك أن هناك ضرورة ماسة لتحقيق التوازن والانسجام بين سد الاحتياجات البشرية من المياه وبين المحافظة على النظم البيئية الطبيعية المنتجة, هذه الضرورة تقتضي العمل على إيجاد طرق سليمة لاستخدمات المياه وإدارة الموارد المائية إدارة فعالة وعمل التعديلات اللازمة في أنماط الإنتاج والاستهلاك بحيث تظل هذه الأنماط داخل الحدود البيئية السليمة ولا شك في ذلك فإن الأمن المائي هو جزء لا يتجزأ من الأمن البيئي.
إن ندرة الماء تشكل أحد أوجه التحدى الحقيقي الذي نواجهه والذي يجب أن نستعد له بتبنى سلوكيات تتفق مع شريعتنا الإسلامية الغراء، وتنبع منها، لترشد علاقتنا مع الأنظمة البيئية الداعمة للحياة، ومع بعضنا بعضا، ومع شركائنا في الحياة على كوكب الأرض من أنواع الكائنات الحية الأخرى التي يشكل وجودها وأداؤها لوظائفها ضرورة لاستمرار الحياة واستقرارها، وهي السبيل الأساسي لتحقيق التنمية المستدامة خلال الألفية الثالثة بإذن الله.
هذه السلوكيات أو الأخلاقيات الجديدة النابعة من تعاليم شريعتنا الحنيفية السمحاء تدعونا إلى التوجه بسرعة، مستجيبين للدعوة الكريمة التي اطلقها سمو ولي العهد الأمين، ومؤيدين للحملة الوطنية التي شنتها وزارة الزراعة والمياه، لأن نحاول جاهدين إلى تحقيق استخدام اكثر كفاءة لموارد المياه المتاحة حاليا للمملكة.
ولنضع أمام أعيننا حقيقة أن كل لتر نحافظ عليه من الماء يمكن أن يساهم في سد احتياجات جديدة خاصة في ضوء الزيادة الرهيبة في أعداد السكان المتوقع لها أن تتضاعف خلال عقدين فقط من الزمان مما يلقي عبئا شديداً ويشكل صعوبات مستحيلة أمام أولي الأمر لمقابلة الاحتياجات المائية لهذا العدد من السكان لو استمر الإسراف والإهدار الممارس حاليا دون ضوابط أو تقدير للمسئولية الشخصية تجاه مثل هذه المشكلة الوطنية.
ولعلنا إن قمنا بتحقيق أقصى استخدام اقتصادي للماء ألّا نحتاج إلى إقامة سدود جديدة او إنضاب مزيد من المياه الجوفية الأحفورية التي لا تتجدد عمليا, كما أن الاستثمار في المحافظة على الماء وتحسين كفاءة استخدامه وتدويره وترشيد هذا الاستخدام ومنع الإهدار سيوفر المزيد من الماء الصالح للاستخدام مقابل كل ريال تنفقه المملكة في هذا الاتجاه كما سيؤدى، بإذن الله، إلى تحقيق الأمن المائى على المدى القريب والبعيد على السواء.
ويؤكد الحاجة الماسة إلى سرعة تحقيق الاستخدام الأقصى كفاءة لموارد المياه مانراه حاليا من أن العيون والأراضي الرطبة، على قلة أعدادها، آخذه في النضوب والاضمحلال، وأن مستويات المياه الجوفية في الآبار آخذة في التدني، وسيظل هذا الوضع قائما، بل وسيزداد حدة، طالما ظلت المياه تستخدم دون ضوابط في غسيل السيارات، وملء المسابح الخاصة ذات الأبعاد الأوليمبية وتشغيل النوافير وإلافراط في الاستهلاك المنزلي للمياه في مزارعهم المنتجة وغير المنتجة على السواء، فكفاءة الري في الزراعة تقدر حاليا على مستوى العالم بما يقل عن 40% بمعنى أن أكثر من ثلاثة أخماس المياه المستخدمة في الري تضيع هباء دون أن تستفيد منها المحاصيل الزراعية, وفي بلادنا، مع التربة الرملية الخشنة ودرجات الحرارة الملتهبة وطرق الري غير الاقتصادية يرتفع معدل إهدار المياه المستخدمة في الري عن هذا المعدل العالمي بشكل ملحوظ.
ومما يضاعف المشكلة ارتفاع مستوى المعيشة الحالي في المدن وما ينجم عنه من زيادة في الاحتياجات الاستهلاكية مما يؤدي إلى استخدام المياه بشكل كبير واضحى هناك تنافس شديد في الحصول على المياه من أجل توفير المتطلبات الحضرية اليومية في جانب وحاجة الزراعة للري في جانب آخر.
وقد يرى البعض أن الحل يكمن في زيادة موارد المياه عن طريق محاولة تأمين موارد جديدة مثل زيادة إنشاء السدود الضخمة لحجز مياه الأمطار وزيادة كميات المياه المحلاة من البحر عن طريق إنشاء محطات تحلية جديدة, وعلى الرغم من أن تحلية مياه البحر ربما تعتبر أكثر الحلول المثالية لزيادة موارد المياه العذبة إلا أن هناك التكلفة الاقتصادية العالية وارتفاع معدلات استهلاك الطاقة والملوثات الناتجة عنها إلى جانب التأثيرات السلبية على النظم البيئية البحرية التي تعتبر أعلى النظم البيئية الطبيعية انتاجية واهمها دورا في المحافظة على استقرار الحياة بصورها المختلفة واستمرارها على كوكب الأرض.
والحق الذي ينبغي الرجوع إليه ولا يمكن أن نحيد عنه هو أفضل حل ممكن أن يكمن في إعادة النظر بصورة شاملة في الطريقة التي نتعامل بها مع المياه والتي، للأسف الشديد، عودنا عليها أولادنا وشباب الأجيال الحاضرة من مواطنينا في استهلاك المياه والنظر إليها على أنها مورد طبيعي متاح غير معرض لأن يُستنفذ في يوم ما, وهناك الكثير من التقنيات المتاحة اليوم يمكن أن تساهم في خفض استهلاك الزراعة من المياه بنسبة تتراوح بين 30 إلى 50% وخفض الاستهلاك في الصناعة بنسبة تتراوح بين 40 إلى 90% وخفض حاجة الاستخدام الحضاري اليومي بنسبة الثلث على الأقل دون أدنى تأثير سلبي ملموس على مستوى الإنتاج الاقتصادي أو مستوى المعيشة.
وإنني أدعو علماءنا المتخصصين في هذه المجالات، وهم كُثر والحمد لله، إلى أن يعطوا هذه القضية الأساسية حقها من الدراسة والبحث ليخرجوا لنا بالطرق التي تناسب ظروفنا البيئية والاجتماعية ولا تتناقض مع أعرافنا وتقاليدنا المتوارثة وتكفل لنا رفع كفاءة أداء استخدام المياه، وانا على يقين في أنهم سيجدون الحلول المنشودة في سرعة ويسر حيث أن الكثير منها معروف ومطبق حاليا في عدد غير قليل من بلدان العالم المتقدم والنامي على السواء.
ونحمد الله تعالى أن وفق حكومتنا الرشيدة الى إعادة النظر في معدلات إنتاج القمح بالنظر إلى استهلاك المياه الجوفية الثمينة ومع ذلك فلا زلنا نعتمد على هذه المياه في سد جزء كبير من اجتياجاتنا المائية بشكل يفوق احتياجاتنا الفعلية بعدة أضعاف، وهو اسلوب ينبغي إعادة النظر فيه وحسمه بشكل سريع.
وحيث أن الاحصاءات العلمية تقول بأن الزراعة تستهلك نحو ثلثي المياه فإن تحسين كفاءة نظام الري تأتي على رأس قائمة الأولويات العاجلة التي يمكن عن طريقها توفير كميات كبيرة من المياه المستهلكة في الري, فالري بالغمر أو الري السطحي لا يؤدي فقط إلى إهدار كمية كبيرة من الماء الذي يفقد معظمه بالتبخير من سطح التربة, وعلى الرغم من أن جزءا منه يعود إلى التربة لتغذية مصادر المياه الجوفية السطحية، إلا أن هذا الجزء يعود محملا بالأملاح وملوثا بالمخصبات الكيماوية الزراعية ومبيدات الأعشاب والآفات مما يسبب تلويث المياه الجوفية ويجعل تأثيره أكثر ضررا.
كما أن طريقة الري المحوري التي تستخدم أسلوب الرش عاليا في الهواء هو أحد الأساليب التي تؤدي إلى إهدار كبير في المياه نتيجة التبخر السريع مما يسبب استنزاف المياه الجوفية بشكل غير مبرر خاصة في مثل مناطقنا الحارة الجافة التي تساعد على سرعة التبخير, وإذا ماتم تحويله إلى نظام الرش الدقيق منخفض الضغط الذي يوصل مياه الرش إلى أقرب نقطة ممكنة من المحاصيل المنزرعة عن طريق أنابيب مدلاة عموديا من ذراع الرشاش فإن ذلك يرفع من كفاءة استخدام الميه في الري بشكل كبير خاصة لو تم إلى انب ذلك استخدام الطرق الحساسة الرخيصة لتقدير رطوبة التربة وتحديد مواعيد الري المطلوبة مثل طريقة مكعبات الجبس المدفونة فإن ذلك لايؤدي فقط إلى رفع كفاءة استخدام المياه في الري بل يزيد انتاجية المحصول في نفس الوقت لضمن حدوث الري في الوقت المناسب بالكمية المطلوبة فقط.
وفي نفس الوقت فإن التوسع في نظام الري بالتنقيط مطلوب مهما كانت تكلفة تنفيذه مرتفعة إذ أنها سيتم استرجاعها في صورة توفير مياه الري خلال زمن قصير, ويجب ألا يقتصر الري بالتنقيط على أشجال الفاكهة والخضروات عالية القيمة الاقتصادية بل يجب أن يشمل أيضاً المحاصيل المنزرعة لفائدته المحققة في توفير مياه الري والمخصبات الزراعية وزيادة انتاجية الأرض والمحافظة على خواص التربة وتقليل احتمالية التلوث, وللمملكة الأردنية الهاشمية تجربة ناجحة في ذلك تم تنفيذها في أحد الوديان الكبيرة خلال ربع القرن الأخير أدى فيها استخدام طرق الري بالتنقيط إلى استخدام نفس كمية المياه المتاحة في ري مساحة تزيد عشرة أضعاف عن المساحة الأصلية التي كانت تروي بالغمر وارتفعت انتاجية الأرض في نفس الوقت مابين ثلاث إلى خمس مرات.
كما يجب التفكير في إعادة إحياء الطرق التقليدية القديمة لجمع مياه الأمطار وتحسين كفاءة استخدامها مثل طرق بناء العقوم الترابية والحصوية لتوجيه مسار المياه وإبطاء معدل جرياتها حتى تتشربها التربة فتزيد من رطوبتها وتساعد في انتاج المحاصيل المزروعة على الأمطار فضلا عن المحافظة على التربة الخصبة من الانجراف مع السيول, إلى جانب ذلك يجب تعميم زراعة السلالات الزراعية التي تتحمل الجفاف وتقاوم الملوحة وتصلح للزراعة في الأراضي الجافة مثل أراضينا في المملكة العربية السعودية.
أما في الصناعة فيجب تدوير المياه المستخدمة فيها بحيث يتم إعادة استخدامها لأكبر عدد ممكن من المرات كما يجب حساب قيمة المياه المستخدمة وتقنيات إعادة تدويرها ضمن التكلفة الانشائية للمصانع واعتبارها جزءاً منها وتقويم الأثر البيئي لإنشاء المصنع وعدم السماح بإنشائه إلا إذا قام على مبدأ تدوير المياه بشكل كامل حيث أن ذلك لن يرفع فقط من كفاءة استخدام موارد المياه بل سيحد أيضا من تلوث البيئة وتدهورها بشكل ملحوظ.
وقد يكون من المفيد أن يعاد النظر في السياسة المائية بشكل عام بحيث تتقاضى الدولة رسوما مقابل استخدام موارد المياه من قبل الشركات الصناعية والزراعية الكبرى التي تستهلك كميات كبيرة من هذا المورد المحدود وتحقق أرباحا ضخمة للمساهمين فيها مع استخدام هذه الرسوم لتنفيذ وسائل رفع كفاءة استخدام المياه في الاستعمالات المنزلية للمواطنين، وهذا أمر تعمل به كثير من دول العالم وليس شيئا مبتدعا, ولا شك في أن تقاضي ثمن مرتفع للمياه المتاحة للشركات الصاعية والزراعية الكبرى سيجعلها تنتهج سياسة الاستخدام الأمثل للمياه المتاحة مما يوفر في الاستهلاك وهو الأمر المطلوب تحقيقه.
كما يجب عمل التركيبات المنزلية اللازمة لتحقيق تدوير المياه المستخدمة في الغسل والوضوء والنظافة بشكل عام والاستخدامات المنزلية في غير دورات المياه وفصلها عن مواسير الصرف الصحي حيث يمكن استخدامها مباشرة في ري الحدائق المنزلية والعامة كما يمكن استخدامها لتنظيف دورات المياه في الصرف الصحي.
كما يجب التوسع في معالجة مياه الصرف الصحي واستخدامها في ري المزروعات التي لا تؤكل طازجة, وهناك حاجة إلى العودة إلى نظم المعالجة الطبيعية لمياه الصرف الصحي حيث أن هذه الطرق وإن احتاجت إلى توفير مساحات متسعة من الأرض لأحواض المعالجة الطبيعية إلا أن تكلفتها الاقتصادية قليلة جداً بالمقارنة مع طرق المعالجة التقليدية، كما يمكن النظر في تخزين مياه الصرف الصحي المعالجة في خزانات خاصة يتم إنشاؤها تحت الأرض بشكل يمنع تسربها إلى المياه الجوفيه ويتيح استخدامها في الزراعة عند اللزوم خاصة أوقات الجفاف التي لايمكن التنبؤ بحدوثها، وبذلك يمكن المحافظة عليها من الفقد بالتسرب في التربة أو بالبخر, وتقل الخطورة التي يمكن أن تنجم عن استخدام مياه الصرف الصحي في الري إذا ما تم استخدامها بطريقة الري بالتنقيط تحت السطحى, ويجب ملاحظة منع اختلاط مياه الصرف الصحي بمياه الصرف الصناعي الغنية بالمعادن الثقيلة السامة حتى لا تتلوث مياه الصرف الصحي بهذه المعادن مما يمنع امكانية استخدامها بأمان في ري المزروعات.
ويهمني أن اشير هنا إلى أن بعض مدن العالم قد طورت طرقا لمعالجة مياه الصرف الصحي المنزلية إلى مستوى المياه الصالحة للشرب, وكانت مدينة وندهوك في ناميبيا هي أولى المدن التي أضافت مياه الصرف الصحي المعالجة جيداً إلى امدادات مياهها العامة وذلك منذ نحو ربع قرن, كما أن هناك بعض مدن في الولايات المتحدة الأمريكية مثل مدينة الباسو في ولاية تكساس تحقن مياه الصرف الصحي المعالجة معالجة عالية إلى المياه الجوفية بحيث تسير في التربة مسافة حوالي ثلاثة كيلو مترات خلال فترة زمنية تتراوح من سنتين إلى أربع سنوت قبل أن يتم استرجاعها للاستخدام العام من آبار امدادات مياه المدينة, وربما لا تصلح مثل هذه الطرق للتطبيق في مجتمعاتنا الإسلامية نظرا لعدم صلاحيتها للوضوء والغسل وإن كان الأمر يحتاج إلى رأي علماء الدين للقطع فيه فضلا عن ارتفاع الكلفة الاقتصادية لمثل هذه المعالجات العالية لمياه الصرف الصحي.
وهناك حاجة إلى الكشف الدوري عن وجود التسربات في شبكات المياه وخزانات الطرد للصرف الصحي في المنازل ومنع هذه التسربات التي تسبب إهدار كميات كبيرة من المياه إلى جانب فرض غرامات رادعة لمن يتهاون في إصلاح هذه التسربات لما يحدثه من أضرار كبيرة على الأمن المائي الوطني.
وقد يكون من المفيد استبدال خزانات الطرد المستخدمة في تنظيف دورات المياه من الخزانات الكبيرة ذات سعة ستة عشر لترا إلى الخزانات الاقتصادية ذات سعة الستة لترات حيث أنها تفي بالغرض وتوفر كثيرا من استهلاك المياه في هذا الغرض، إلى جانب استخدام صنابير المياه التي يتوقف انسياب الماء منها تلقائيا عند عدم استخدامه وكذلك استخدام مرشات أو أدشاش للاستحمام قليلة التدفق, ولا شك في في أن الزام أصحاب المباني الجديدة بعمل هذه التركيبات الاقتصادية للمياه أمر مهم جدا في رفع كفاءة استخدام المياه المنزلية فضلا عن تخفيف الضغط على نظم المجاري والصرف الصحي بتقليل كميات المياه الهائلة التي تنصرف فيها يوميا.
أضف إلى ذلك تطبيق مالجأت إليه كثير من المدن في الولايات المتحدة الأمريكية بتشجيع زراعة الحدائق المنزلية والعامة بما يسمى بالحدائق الجافة وذلك باستخدام أصناف نباتات متحملة للجفاف قليلة الاحتياج للمياه في هذه الحدائق, وقد أدى استخدام هذه الأنواع محل الأنواع الشرهة للمياه خاصة النجيل الذي يحتاج إلى الري بشكل مستمر إلى تخفيض كمية المياه المستخدمة في ري هذه الحدائق بنسبة من 30 إلى 80% مع تخفيض كمية المخصبات الكيماوية ومبيدات الأعشاب المستخدمة تخفيضا كبيرا تراوح من 22 إلى 61% وقد انتشر نظام زراعة الحدائق الجافة في مدن الولايات المتحدة الأمريكية خلال العقدين الماضيين كما تم تطبيقه في كل من استراليا وكندا والمكسيك.
وأخيرا نحن في حاجة ماسة إلى تطوير وتوجية السلوكيات فيما يتعلق باستخدام الموارد الطبيعية لا سيما موارد المياه والطاقة والغطاء النباتي والأحياء الفطرية, الأمر الذي يستدعي إعادة ترتيب الأهداف والأولويات الاقتصادية, ومع استمرار ندرة المياه فإن تطبيق نظام التنمية المستدامة يتطلب كفاءة استخدام الموارد المائية المتاحة في المقام الأول ولا يمكن فصل الأمن المائي عن الأمن الغذائي أو الأمن البيئي بأي حال من الأحوال.
وحيثما يتطلب الأمر التوسع في امدادات المياه فإن المشروعات ذات النطاق المحدود، مثل إقامة خزانات صغيرة لتجميع مياه الأمطار، يبدو أنها تتمتع بإمكانات كامنة عالية لزيادة كفاءة استخدام المياه المتاحة بأسعار زهيدة ومخاطر بيئية محدودة جدا, وتظهر أهمية مثل هذه المشروعات في امكانية تمويلها من قبل القطاع الخاص والأهالي المحليين المستفيدين أنفسهم لاستخداماتهم في الشرب والري وذلك متى ما اتيحت لهم التقينات المناسبة، وسوف يرفع هذا بعض الضغط الواقع على الخزانة العامة للدولة.
واخيرا فإن للإعلام والتوعية دورها الهام في رفع وعي المواطنين وإدراكهم تجاه حقيقة العلاقة التي يجب أن تسود بينهم وبين الموارد الطبيعية المحدودة لاسيما موارد المياه والطاقة والأحياء الفطرية، ويجب ألا ننسى نهي الرسول الكريم رصلى الله عليه وسلم عن الإسراف في استخدام الماء حتى في الوضوء من حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول اللهصلى الله عليه وسلم مر بسعدٍ وهو يتوضأ فقال ما هذا السرف؟ فقال سعد أفي الوضوء إسراف، قال نعم وإن كنت على نهر جارٍ.
وهناك القاعدة الفقهية المعروفة التي تقول إن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح وهناك نهي عن استخدام أي شيء خلقة الله إلا بحقه وعدم إهداره مما يجعل عبئا كبيرا يقع على عاتق علمائنا ورجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في إبلاغ رسالة الإسالم فيما يخص التصرف السليم للمسلم تجاه الموارد الطبيعية من مياه وطاقة وغيرها لاستخدامها الاستخدام الأمثل دون استنزاف أو إهدار أو إفراط أو إسراف، والناس في بلدنا والحمد لله متدينون بفطرتهم ولديهم الوازع الديني الكافي الذي إذا ما أحسن استثارته أتى بالنتيجة المرجوة بإذن الله, وفق الله الجميع وأعاننا على أن نقوم بأداء حق الله وحق الموارد الطبيعية التي أنعم بها علينا وحق الوطن الغالي في ظل قيادتنا الرشيدة يحفظها الله.
رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
المتابعة
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
تحقيقات
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved