Sunday 2nd May, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الأحد 15 محرم


في الريادة النقدية (4-4)
عبدالفتاح أبومدين ناقداً
د, محمد صالح الشنطي

ويقف الناقد محققا فيتحدث عن شجون لا تنتهي ذاكرا مآثره ومقدمته ومحتوياته ومنها رسالته الى محمد عمر توفيق,, وكلمة انور زغلول ويناقش المقدمة بعد ان يستعرضها ويسجل ملاحظاته عليها، ويعلق على ما يسوقه في كلمته من اشعار، ويتوقف عند كلمة مختار الوكيل عن الشاعر حمزة شحاتة منكرا عليه تغييره لعنوان قصيدة غادة بولاق متحدثا عن الامانة العلمية، ويتوقف عند القصيدة في حلقة صحافية كما يسميها ويرى انها ليست دراسة لأن الدراسة تستلزم العمق، وهي لا تتصف بذلك، ولا يخرج في وقفته تلك عن الاستعراض والشرح ومناقشة الرؤى.
ويتساءل عن سبب بدئه بدراسة نثر الشاعر قبل شعره، ودراسة كتاب عزيز ضياء عنه معللا احتفاله بهذا الكتيب بعدم وجود ترجمة كافية لهذا الشاعر ثم يخلص الى الديوان فيناقش مسألة الاشراف على الديوان وينتقد كلمة المشرفين، ويرى انهما قصرا في واجبهما، ويتوقف عند النقص في الديوان ويحملهما المسؤولية ويبدو حازما حادا في وقفته مع الدكتور فكري شيخ امين الذي تولى الاشراف على الديوان، ويرى انه اخطأ في المعاني متتبعا ذلك، ويرى انه كان ينبغي ان توكل تلك المهمة الى استاذ جامعي قريب من البيئة يفهم لغتها ويدرك دقائقها ويرى ان حق ديوان حمزة شحاته ان يعامل كما عومل ديوان المتنبي وان يكون نصيبه من شرح االمعاني كما كان نصيب ذلك الديوان من فعل البرقوقي والعكبري، ويشير الى ما فعله عبدالعزيز الربيع - رحمه الله - مع ديوان محمد حسن فقي قدر ورجل وما فعله الدكتور الغذامي في مقدمته لديوان الشاعر حسين عرب، وكذلك ما فعله الطاهر بن عاشور مع ديوان بشار بن برد، ويصف مقدمة الدكتور بأنها سطحية، ومما ينبئ عن حميمية الناقد وصدقه ذكره للعلاقات الانسانية التي تربطه بكاتب المقدمة معلنا ان تلك العلاقات الوطيدة لن تحول بينه وبين نقده ومؤاخذته بل والقسوة عليه وخصوصا عندما وصف بعض تعبيراته بالركاكة والضعف، ويأخذ عليه تجاهله لشرح الكلمات، ويقف بحسم,, متهما إياه بالتقصير معددا جوانب ذلك التقصير ويعرض الناقد لقصائد الديوان قصيدة قصيدة، ويقف عند بعض شروح الدكتور بكري امين لمفرداتها ويعقبه بالنقد والتصحيح، ويشير الى انه كان ينبغي مراجعة الديوان بعد طباعته سواء من المشرفين الأولين او المشرف على الطباعة والتصحيح والاخراج، وأرى ان الناقد قد احتفل كثيرا بما فعله شارح الديوان، وربما كان محمولا على ذلك قسرا لأنه يستفز بشروحات للالفاظ تخالف فهمه ورؤيته، او يرى اغفالا لما كان ينبغي الا يغفل عنه الشارح، ولكن ما انفقه الناقد في تتبع ذلك التقصير كما يراه كثير اذ ربما صرفه عما هو أهم, ومهما يكن من امر فإن ثقافة الناقد ومحفوظه الواسع يعينانه على استدعاء النصوص للاستشهاد خصوصا اذا تعلق الأمر بمعنى كلمة كما فعل عندما استدعى بيت احمد شوقي:
اختلاف النهار والليل ينسي
اذكرا لي الصبا وايام انسي
وبيت أبي العلاء:
إني وإن كنت الأخير زمانه
لآت بما لم تستطعه الاوائل
وربما قاده ذلك الى الاستطراد لمناقشة بعض القضايا كما فعل تعليقا على بيت شوقي إذ قال (وبمناسبة هذا البيت لأحمد شوقي، رأيت أن بعض البنيويين يعبثون بالأدب، يسيئون إليه بفهم سقيم، وكأنهم يخترعون مركبة فضائية),, وقد مضى يناقش البنيويين على مدى صفحتين أو اكثر، ثم عاد الى دراسة قصائد الديوان ويتوقف عند الايقاع تارة وعند الدلالة تارة اخرى وعند التراكيب تارة ثالثة وفق ما يقتضيه الموقف، وربما يتجاوز الناقد عن التعليق على بعض الأبيات ويذكرها مشيرا الى انها تستكمل معنى، وربما توقف عند ظاهرة بديعية او لقصة او مقابلة معنوية، وهو في اثناء ذلك يستحضر ما يحفظ من نصوص الاقدمين والمعاصرين.
وكثيرا ما يتوقف عند بعض المسائل النقدية كالبنيوية ويتخذ منها موقفا مباشرا وحاسما.
* وقد تناول قصيدة حمزة شحاتة (جدة) بدراسة خاصة منفصلة عن الديوان، وتحدث حديثا طويلا عن جدة المدينة، ووصفها بأنها من عيون الشعر العربي الابتداعي، ولم يختلف منهجه في معالجتها عن منهجه في معالجة بقية القصائد، ولكنه يبرز في دراسته بعض الملامح الفنية الكلية، اذ يتحدث عن النبرة الحوارية ويتوقف عند هذا الملمح في أبيات من القصيدة قائلا: حوار موَّار فيه ما يشبه العتب تتالى فيه الصور الحيرة,,الخ , كما يتحدث عن الرؤية الفلسفية ويصفها بأنها غائمة في القصيدة، وهذا المنحى في نقد ابي مدين لجدة يجعلنا نلتفت الى وجود منزع شمولي لا تستأثر الجزئيات بهمه النقدي الاساسي.
وقد سبق أن اشرنا الى احدى الخصائص الرئيسة في نقد أبي مدين ممثلة في نزوعه الى اجراء الموازنات، وهو هنا يستدعي قصيدة مكة مشيرا الى ما عقده حولهما في كتابه الصخر والاظافر .
وحقيقة الأمر تكمن في ان عبدالفتاح ابومدين يمثل مدرسة نقدية لها مبادؤها وثوابتها.
واذا كنا نتوسع في مفهوم النقد قليلا ليشمل ذلك التوثيق التاريخي للفكر النقدي والفلسفة الثقافية بعامة فإن ذلك مرده الى ان مثل هذا الصنيع يكشف عن توجه يميط اللثام عن موقف نقدي يتجاوز التفصيلات الى الرؤية الكلية، وفيما كتبه عبدالفتاح ابومدين عن زيارة الدكتور طه حسين للحجاز عام 1955م ما يكشف عن رؤى شمولية المنحى فضلا عما تومئ اليه من حس تاريخي يقظ يسهم في تدوين مراحل الثقافة العربية وسياقها، فهو يتحدث عن الطور الذي ظهرت فيه مجلة الرسالة التي كان يرأسها طه حسين، وعن اعجابه بأدبه، وعن المهمة الثقافية المنوطة به في رحلته تلك (أعني طه حسين)، فقد كان رئيسا للجنة الثقافية لجامعة الدول العربية، وعن رؤيته للثقافة العربية وهي رؤية ذات بعد استراتيجي، وعن مواقف عدد من اعلام النقد والثقافة من اقرانه في تلك المرحلة وابان الزيارة التي قام بها العميد، فهو يصف محمد حسن عواد بأنه عقادي (نسبة إلى العقاد) ومع ذلك لم يخف إعجابه بالعميد فحياه بقصيدة، ويشير الى الاتجاهات الأدبية التي كانت سائدة في عصره في المملكة العربية السعودية فيقول:
** وفي بلادي كما في غيرها من الادباء من ينتصر لطه حسين، ومنهم من يتبع عباس العقاد، ومنهم رافعيون، واتباع الادب المهجري (1) ويومئ الى موقف الأديب الراحل محمد حسين زيدان، ويصفه بأنه رافعي، ويتحدث عما كتبه عبدالوهاب آشي عن طه حسين معبرا عن اعجابه به، وكذلك عبدالعزيز الرفاعي وإبراهيم فودة، ويبرز موقف أحمد عبدالغفور عطار، وهو عقادي عتيد، وكيف وجه كلامه الى طه حسين منكرا قوله عن انتقال الادب من مصر الى لبنان وهكذا، فإنه من خلال النصوص التي أثبتها يلخص الموقف الثقافي برمته ويفتح الباب أمام الطامحين الى كتابة تاريخ الثقافة في بلادنا.
* وفي اطار هذا التوجه تأتي مقالته السفافيد تنقلب الى صاحبها (2) فهو يتحدث عن حقبة من تاريخ النقد العربي تنطوي على دلالات عديدة مستعرضا مواقف للرافعي تدخل في اطار التفاصيل المتعلقة بسيرة ذلك الأديب ، ولكنها تكشف عن جوانب من رؤيته مشيرا الى علاقة الرافعي بمي زيادة، والى علاقته بأدباء عصره (كأحمد زكي الذي نحله تقريظا لكتابه تاريخ آداب العرب .
وقد ميز أبومدين بين مساجلات الرافعي التي هي أدخل في باب المعارك الأدبية منها في باب النقد بمفهومه العلمي، ووصفه بالبعد عن الأدب الحديث، وان سفافيده التي كتبها في العقاد لا تخرج عن خبرات الناقد العربي القديم مفهوما وشكلاً وتحدث عما فعله عام 1905م حين كتب مقالا غفلا من التوقيع حدد فيه طبقات الشعراء وجعل نفسه في الطبقة الاولى مع الكاظمي والبارودي وحافظ.
** ويكشف عن الشللية الثقافية التي كانت تتسم بها الحياة الادبية في تلك المرحلة حيث تبنى اسماعيل مظهر سفافيد الرافعي ونشرها في صحيفته نكاية في العقاد.
ويتخذ ابومدين موقفا من هذه الكتابات فيصفها بالهراء والسخف وعبث الصغار، وينتصر للعقاد موجها كلامه منسجما مع نزعته الاخلاقية في النقد، ويتوقف عند نقده لأبيات من شعر العقاد ويحاوره، ويصف وقفاته الاخرى المتعددة بأنها متشابهة وانه انما يرمي الى الانتقاص من قدر العقاد ووصفه باللص المقلد، ولكن وقفته تطول عند نقدات الرافعي للعقاد ومناقشاته اللغوية ويتخذ منها موقفا مصححا للمغالطات ومسددا للانحرافات، ومنتصرا للعقاد واصفا إياه بالفحل في أدبه وتفكيره
وفي هذا السياق تأتي مقالته عن ادب الصحافة (3) اذ يقرر ان الصحافة في الجيل الماضي كانت صحافة أدبية، وبعد ان يستعرض طرفا من تاريخ الصحافة في الحجاز يعمد الى الحديث عن مصادر الأدب الصحفي، ثم يقارن بين أدب الصحافة في الماضي ونظيره في الحاضر، فعلى الرغم من قلة المنابر فإن ظاهرة الاتقان أوضح، ثم يناقش ما جاء في ندوة عقدت في مجلة المنهل تحت عنوان هل استفدنا من الأدب .
* وهو في مقالته هذه يبرز في إهاب المؤرخ الذي هو جزء مهم من المرحلة التي يؤرخ لها، فهو شاهد على عصر ينقله بنبض الأديب الناقد، وليس بحيادية االمؤرخ العالم، إذ يقول وانا اهدف بهذه الوقفات القصار على أدب الصحافة بالأمس لأرى وأنقل اليكم الصورة الأدبية في حقيقتها وقوتها ثم يقف على أهم الكتب والمصادر لأدب تلك الفترة ككتاب وحي الصحراء ، كما يستعرض بعض صحافة الافراد كمجلة الفجر الجديد وجريدة اخبار الظهران وجريدة الخليج ومجلة الاذاعة السعودية، ومجلة الاشعاع وجريدة حواء والاضواء الى آخر السلسلة التي بلغت سبع عشرة صحيفة.
ويقرر في النهاية حقيقة مهمة - كما يرى - وهي ان الوقت لم يعد يسعف القارئ الجيد والكاتب المجيد, كما يعرج على موضوعات الصحافة الادبية كالقصة والرواية,.
انه يتحدث بحس المؤرخ، وهذا جانب مهم من شخصية عبدالفتاح ابومدين الأدبية، وهي ترفد بلا شك البعد النقدي لديه فهو يرصد العديد من جوانب الحياة الأدبية كشاهد حي وهذا ما يعطي كتاباته أهميتها التوثيقية التاريخية.
الهوامش
1- عبدالفتاح ابومدين، العميد في الحجاز - صفحات مجهولة من ايام طه حسين، علامات في النقد الأدبي، شعبان 1412 مارس 1992م ص 1223.
2- نشر هذا المقال في علامات، نادي جدة الثقافي ، ذو الحجة 1412ه يونيو 1992م، ج 4 م1.
3- نشر هذا المقال تحت عنوان أدب الصحافة,, بين الماضي والحاضر) في علامات، الجزء الرابع والعشرين، المجلد السابع، ذو القعدة 1418ه.
(*) المحرر:
ويواصل الناقد الدكتور محمد صالح الشنطي قراءته لملامح الصوت النقدي في أدب الرواد حيث سننشر في ملحق الاسبوع القادم بعضا من جوانب الاهتمام النقدي في أدب الراحل عزيز ضياء، التي خص بها الدكتور الشنطي ملحق (الجزيرة الثقافي) في اطار سلسلة متواصلة في هذا الشأن.
رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
المتابعة
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
تحقيقات
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved