Sunday 2nd May, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الأحد 15 محرم


تلويحة
كيف يصبح الكذب؟
عبدالعزيز مشري

وفي مناسبة هادئة، سأل عمرو زيدا:
هل سمعت أو قرأت في كتب التراث، عن الرواية التي حكاها عبدالله بن قحنون عن أبيه عن جده,, أنه قال:
اختلف العرب في زبن المأكل والمشرب,, فمنهم من قال الثريد المديد بعده يشرب أحد الأسودين الماء، التمر ومنهم من قال: بل العصيد المقدود بالقديد، يشرب قبله صاعٌ من اللبن الحامض.
ومنهم، ومنهم,, غير ان واحداً كان قد امتنع عن المشاركة بالقول,, لكزه بعضهم بالسؤال؛ فأجاب:
لا تكن قرِماً الى اللحم كالسباع، ولا نهِماً الى الماء كبطون الإبل في الصحاري، ولا ملبناً كالبقر,, فهو حين يظمأ يعود لمائه حليبه فيشربه، حيث من عادة حالبيه ان يجمعوا بواقي حامض اللبن لمدة في إناء، ثم يقدمونه له.
أقول: ان الجوع أبخص,, يقصد أن الجوع وقتها سيكون ذاهبا باتجاه أكل أي شيء يقابله من طعام دون شروط!
***
انفعل زيد ضاحكا مستحسنا، قائلا:
- نعم,,نعم، لقد قرأتها كما رويتها، وأظنها من طرائف الجاحظ في كتابه الطريف: البخلاء .
رد عمرو متعجبا متسائلا:
- قرأتها في كتاب البخلاء، أأنت متأكد؟!
أجاب زيد :
- بلى، ولعلك قد نسيت أنه قال أعدس وأبصل وأقحط وأبسس البسباس الحار الذي يلهب الفم .
قال عمرو :
- لكنني لم أقرأها في الكتاب المذكور، وانما سمعت جدتي -غفر الله لها- مرارا تقول؛ وقت إذ يكون الموسم مقحطا ويلتفت الناس الى أي شيء ليأكلوه سدا للرمق، واسكات جوع البطون.
فقال زيد معقبا مبررا:
- هذا يعني ان المغفور لها؛ قد قرأتها في الكتاب ذاته!.
أجاب عمرو باندهاش:
- ولكن,, يا أخي زيد,, ماتت جدتي، ومن قبلها جدي,, ثم أبي، وكل من كان معهم، وهم لا يحسنون قراءة الفاتحة، فكيف يكونون قد قرأوا الجاحظ أو شاعر النيل حافظ ؟!
***
صمت زيد لوقت,, خلّل فيه لحيته، ثم قال على عجل:
- غريبة هذه الحادثة,, لكنني لا أخالط بين مزاودي المعرفية,, فكيف تقول انها لم ترد في البخلاء للجاحظ!.
قال عمرو مؤكدا:
- أما أنا,, فلك مني الأمانة، بأنني لم أقرأها قط في حياتي، ولم تكن قد وردت,, لافي مؤلفات الجاحظ ولا ابوحيان التوحيدي ، قلت لك: إنها جملة مسموعة ركّبت عليها لفظ القول والخبرة، ولو أنك قلت,, انها جاءت في كتاب مثل الأغاني للأصفهاني لربما أغويتني بالشك في لفظ ومعنى الجملة الآنفة، مع علمي بأن الراوي عبدالله بن قحنون لم اسمع به من قريب أو من بعيد، وإنما هو اسم ورد صدفة على اللسان!!
أرأيت يا أخي زيد تضيف اليها القوطة والبسباس وتؤكد أنك قرأتها في كتاب البخلاء- للجاحظ؟! .
قعد زيد مقعياً على أطراف أصابع قدميه,, ناظرا الى بساط الأرض العاري أمامه,, ثم أخذ يبصق مرددا:
- أعوذ بالله من الشيطان الرجيم,.
والله لو أنني قلت لأحد آخر مثلما أجبت به على زيد لاقتنع ومضى,.
أيوالله!
لا حول ولا قوة إلا بالله.
رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
المتابعة
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
تحقيقات
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved