Sunday 2nd May, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الأحد 15 محرم


اقصوصة
(الخضوع)

(شايب وعايب) كلمتان تلفظت بهما زوجته كعادتها عندما تضيق به ذرعا، وهو الذي لم يحاول يوما ان يتحدى عنفها وجبروتها,,, طوى بين جوانحه قهرا تنوء بحمله الجبال,, ماذا يملك غير الصبر وهو في هذه السن المتقدمة من العمر,؟ بعد ان شق أولاده الثلاثة طريقهم في الحياة,, تزوجوا ورحلوا، وبقي مع زوجته التي دفعتها الشيخوخة الى ان تصب جام غضبها على زوجها,, انتقاما وتشفيا من غدر الزمن الذي اوصلها الى هذه السن، وهي لا تعترف بعمرها رغم الشيب الذي وخط شعرها واحاله الى لون فضي لا يسر الناظرين,, والتجاعيد التي عاثت بوجهها فسادا، وتركت فيه من العلامات ما ينفي صلته بالجمال في يوم من الايام,.
إنه دائم الخضوع لثورات زوجته، وفي الوقت نفسه، دائم الشكوى لرفاقه من طغيانها,, ليس بسبب سلاطة لسانها فقط، بل لأنها تتمتع بجثة هائلة تخيفه,, لقد اكتنزت لحما وشحما على مر السنين، حتى عافتها نفسه، وهذا من أسباب سخطها الدائم عليه، وضيقها المستمر به,,, واتهامها المتواصل له بأنه (شايب وعايب).
رفاقه الذين يلتقي بهم في المشراق,, في الصباحات الباكرة,, يتقون غائلة البرد بأشعة الشمس الدافئة,, لاحظوا كثرة شكواه من سوء معاملة زوجته,, نصحوه ان يتعامل معها بالشدة، وأكد أحدهم ان هذه وصفة مضمونة النتائج خاصة مع النساء الشرسات,, حيث لا يفل الحديد الا الحديد، لكن الخوف ليس من سلاطة لسانها، فهذا الهذيان لا يلبث ان يذهب أدراج الرياح,, بل الخوف من قوتها الهائلة التي تبعث في نفسه الرعب,, ماذا لو امسكت به ورمت بجسمه الضئيل بعيدا,؟
ستتحطم عظامه قبل ان يلتقط أنفاسه ليقاوم هذا الاعصار المدمر, دخل منزله متذرعا بالشجاعة,, أصر على ان يجرب حظه مع البطولة,, قابل تذمرها بعبوس مفتعل,, تحرش بها مترددا، وهو يدرك حجم الخسارة التي سيمنى بها في معركة غير متكافئة,, ولما أسمعته عبارتها المفضلة (أنت شايب وعايب),, هب في وجهها صارخا بأعلى صوته:
- يا عجوز ابليس,, ايتها المرأة المخرفة,, متى تلزمين حدودك,, لن اقبل منك بعد الآن اية إهانة,, ان لم يعجبك الحياة معي، فاذهبي الى الشيطان وسوء المصير,, اختاري احد اولادك لتعيشي تحت رحمة زوجته.
شعر بأن هذا الصوت ليس صوته,, وان المتكلم شخص آخر تلبّسه في لحظة غضب,.
كادت انفاسه تنقطع من الانفعال، فارتمى على اقرب مقعد وهو يلهث,.
هبت كالاعصار المدمر,.
أدرك اية حماقة ارتكبها,,
ايقن انها ستنقض عليه كما ينقض النسر على العصفور,.
أراد ان ينسحب من المعركة، وكم كانت دهشته كبيرة، وهو يرى علامات الانكسار تطفو على وجهها,, ارتمت تحت قدميه في مسكنة وخضوع، فشعر برجولته كما لم يشعر بها من قبل.
رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
المتابعة
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
تحقيقات
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved