Sunday 2nd May, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الأحد 15 محرم


القاص عبدالله حسين
البطل في القصة دور يفوق حضور الأحداث

الشخصية هي الهيكل الذي يقوم عليه معمار القصة والرواية، ويتعذر وجود نص سردي دونما شخصية,, فالشخصية هي التي تجري الحوار سوى كان منولوجا او ايدلوجا، وهي التي يحتشد بها المكان وتشيع في ارجائه الحركة، وتبث في سمائه انفاسها، كما تحدد علامات الزمان وتمنحه ملامحه، والحدث لا يتطور وينمو الا بتطورها ونموها.
قد تسهم بعض العناصر الفنية الاخرى في انجاز بعض المهام، ولكن يبقى الدور الاساسي والامثل للشخصية، فكل ما يبدر منها سيبقى فنيا بغض النظر كان مقنعا ام غير مقنع.
هذه القناعة تحدد علاقتي بالشخصية، وأهميتها في بناء القصة او الرواية، قد تعد هذه النظرة من قبل البعض تقليدية, ولا اختلف معهم إذا رسمت الشخصية بالطريقة الكلاسيكية ذات التفاصيل الفوتوجرافية المتمثلة في تقديم قوائم من الصفات والافعال، او جمّعت هذه الشخصية واستعيرت اطرافها وملامحها من عدة شخصيات، او قدمت بطريقة رومانسية إما سلبية وإما ايجابية.
نلتقي أحيانا بشخصية قوية مؤهلة للنهوض بأعباء القصة دون انتظار طويل، ولا بذل جهد كبير في البحث عنها في دروب الحياة, لقاء مثل هذه الشخصية، يغمرني بالسعادة، سعادة من تسقط بين يديه ثمرة ناضجة مغرية بتقديمها، لا تحتاج إلا إلى ان نجلي عنها الغبار ونضعها في طبق أنيق للتقديم,, الواقع ليس كريما دائما بتقديم الشخصيات الممقنعة ولا أقول النمطية التي يمكن تكرارها في أمكنة وأزمنة مختلفة، خاصة إذا كان هذا الواقع منغلقا وساكنا، عندها تكون الفرص بالالتقاء بشخصية تحرض على الكتابة في المجتمعات المنفتحة والتي تمر بتحولات والمفعمة بالحركة أوفر.
عندما يحالف الحظ الكاتب فيلتقي بمثل تلك الشخصية تبقى المهمة الاساسية دراسة جوانبها ووضع اللمسات الفنية بغية رسمها بطريقة قادرة على الاقناع,, أحيانا تكون المهمة أكثر تعقيدا وصعوبة من انشاء شخصية من العدم، فرسم شخصية قوية تعيش بيننا لا يتأتى إلا عن طريق امتلاكها، وامتلاكها لا يتم الا بالانتقال من دور المأسور الى دور الآسر.
استبعد ان يكون هناك كاتب يواجه شخصية قوية مؤهلة للنهوض بأعباء القصة ويرتكب حماقة رفضها او تجريدها لمجرد الاستجابة لدعوات التمرد على الشخصية وإلغائها او عصيانها، تلك الدعوة الضالة التي اطلقها كثير من الكتاب والنقاد المنبهرين ببريق الحداثة,, الدعوة التي عجزت عن اقناع من يتعامل مع هذا النمط من الإبداع، وعجزت عن انزال الشخصية من فوق المنصة التي لعبت عليها دورها, هذه الدعوة لم تنل من الشخصية ولم تستطع حتى استلاب بعض المهام الفنية التي تراكمت عبر مسيرتها التاريخية الطويلة بغية إناطتها الى عناصر فنية هي في الاصل مسخرة لخدمة اغراض الشخصية.
يصادف احيانا وليس دائما ان تكون الشخصية بمثابة استجابة او صدى لفكرة او هاجس او قناعة مسبقة، ونية مبيتة فأقتنع بها وبمقدرتها على تمثيل تلك الفكرة وتجسيد ما يختلج في الذات ربما هذا ما قد عنيته بالقناعة المسبقة.
في كلا الحالتين فإن الشخصية سواء كانت رئيسية او مساعدة هي التي تعين الراوي في التواري خلفها وتنقذه من اخطر المنزلقات الفنية التي تهدد عمله الفني ، المتمثلة في التدخلات السافرة والتقريرية الفجة.
رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
المتابعة
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
تحقيقات
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved