Sunday 2nd May, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الأحد 15 محرم


مسرح ومردح
حمد المبتلى في رحلته إلى ديار الجن والإنس وما بينهما!

المقام الأول
قال الحاكي وهو من حال زمانه ضاحك باكي:
وهد حمد التعب من السراء ,, فغلبه سلطان الكرى، ونام فوق جمله وما درى,, كانت الصحراء تمتد يكسوها الليل الذي لا ينفذ منه ضوء النجوم,, ليل ينام قمره على رياش الغيوم,, وخطوات الجمل البطيئة ايقاع صحراوي يغوص به عميقا مثل احزان الصبر,, لم تنفع بهذا الصمت اراجيزه، وتألم من التمايل ظهره,, كلما فتح عينيه من حلم الذاهل بدت له أمه وأبوه لحظة الوداع,, لم يقولا له شيئا؛ لكن دمعتين طفرتا من عيني الأم التي خافت ألا تراه ثانية,,.
والحقيقة انها رأته ثانية بعد سنين طويلة وبعد ان يئست تماما من عودته,, اما هو الآن على جمله (الساجي في السرى) فقد بدا له ربما في احلامه نصف اليقظة أنه يميز الأرض التي يسير عليها الجمل تحت نصف قمر,,أحيانا يحسب الارض رملية,, وأحيانا اخرى يحسبها صخرية,, أكثر من ذلك كانت عيناه المغمضتان تريان نجما أليفا قيل له أن يتبعه في سفره والحقيقة انه انحرف عنه كثيرا حتى صار النجم خلفه تماما,, اما ما يكون من امر حمد الآن في الحقيقة فهو ليس الا رجل نائم على جمل رأته كل هوام ووحوش الصحراء وعلمت انه تائه في عالم بلا اتجاه تقود جمله أقدامه الى عالم لا نهاية له.
***
وقف الجمل الذي تبع أنفه طيلة الليل عند غدير الماء,, غلس الفجر الشحيح الذي ينضحه أفق لا زال يعاني نعاس العتمة,, فتح عينيه قبل ان تفتح الشمس عينها,, كان غدير من الماء يتوهج بالنور الكابي الشحيح,, غمس الجمل فمه بعد ان فرد ساقيه الأماميين وشرع يعب الماء,, بعيدا وعلى مسافة من الغدير المتوهج حيوان يراوغ مع ما يشبه العصا الملتوية بطول قامة ولد يافع نحيل, لكنه نحيل الى الدرجة التي لا تفرقه عن عصى رقيق أو حبل لجلب دلاء الماء من البئر,, منظر العتمة لم يكن الا ذئب وثعبان اعد بندقيته وانزلق الى الارض من فوق ظهر الجمل صوب البندقية نحو الحيوان المتوحش وأطلق النار,, قفز الحيوان تلوى ثم سكن,, هل اصابه بهذه السهولة,, بدا له ان المكان يضيء اكثر تلوى الشيء الطويل وتشكل بصورة لهب ومازال يتراقص حتى تشكل انساناً من نار,, اقبل ووهجه الذاتي يضيء ما حوله,, تكلم بصوت بشري: لا تخف يا اخي لقد انقذت حياتي.
حمد مازال يمسك بندقيته مصوبة نحو مكان ما حسبه افعى تقف على ذيلها لكن اصبعه الذي يمسك الزناد كان مجمدا لا يتحرك علم فيما بعد انه تجمد بفعل فاعل, اقترب الشيخ الناري بعمامته البيضاء,, لم يكن اكثر من شبح مضيء لكنه يستطيع تمييز تفاصيله هو الآن لهب شديد التوهج أرجواني ازرق نار تتقد في فضاء ساكن الهواء.
قال الشيخ: ,, ايها الرجل التائه هل تعرف انك انقذت حياتي,, لقد قتلت الذئب الذي كاد يأكلني.
عندما لم يجب حمد الذي عقد لسانه الخوف قال الشيخ: نعم انا شيخ افاعي الجوار اسمي شيخ الألف,, كنت أتنزه للتفكير في بعض اموري مع قومي وابتعدت قليلا عن مدخلي السفلي للاعماق فحال الذئب بيني وبين الدخول,, لقد كاد يقتلني.
لم يرد حمد,, فهو في شبه حلم يتمنى الصحو منه وهو خائف متجلد,, كان الجمل قد عب الماء,, وعلى حمد ان يملأ قربته من الغدير,, كان النور يسمح له الآن بان يرى الماء اكثر,, قال الشيخ: ,, نعم ايها الشاب,, انا شيخ الالف في وادي الافاعي السفلي,, لي الف تابع لكل تابع الف تابع ولكل واحد منهم قبيلة لا تعد.
بدأ الخوف يتسلل الى حمد وارتعدت فرائصه ,, يستطيع الآن ان يميز الشيخ الناري كان بعين يسرى واحدة ,, لجلده لون اللهيب رأسه كالصندوق مربع الوجه مربع العنق بنحافة هيكلية تشك ان اجزاء جسمه المهتز تحمل بعضها,, عينه ترى من خلال حمرة نارية صافية تحدث الشيخ بلهجة الكبار: اسمع ايها الشاب الآن هتف لي اعواني انك الابن الوحيد لأبيك بهيج وامك ساريه,, وانك تتجه للشام,, على كل حال انت في الخيار ان تأخذ مني جزاءك الآن او ان تقدم لي خدمة جليلة تضاعف مكافأتك وتجعلك في حمايتي وقبيلتي وابنائي ما حييت, بدا ان حمد المبتلى اقل خوفا: ايها العود (الشيخ) انا لا افهم مما قلت شيئا فانا لا أطلب منك جزاء,, ولكني لا امانع في خدمتك اذا قدرت عليها,, قال الشيخ: معك حق انت لا تصدق ما انت فيه وما امامك من اهوال وعلي الآن ان آخذ زمام الامر بنفسي وعليك ان تطيع فأنت الآن في حماي ستسير خلف دليلي وستصل الى مدينة عامرة اقم فيها يوما,, ثم اذهب الى المقابر في جنوبها ادخل المقبرة بخطو ثابت,, امش في الممرات كما يمشي زائر القبور سترى عدداً من الكلاب تتفحص المكان من اطرافه ناد عدة مرات:,, ياحنحون,, يا حنحون,, اذا نظرت اليك الكلاب انصرف ولا تلوي على شيء حتى تخرج من المقبرة فاذا خرجت اتجه للخلاء لا الى طريق المدينة واشعل هذه الشعرات,, من عود ثقاب سيتبعك كلب اسود جثل لا تكلمه حتى يسألك: ماذا تريد,,؟
اقترب منه وقل له انا رسول ابيك,, وهو يريدك حالا لانه في ضنك وأذى من ابناء عمه,, وستنال ما لم تحلم به من ثروة وجاه,, واذا ما التزمت بوصاياي ووصايا دليلي فسنعيدك الى بلدك سالما غانما وسنعيد لشعر رأسك ولحيتك السواد بعد ان بيضهما الخوف.
تشجع حمد ورأى انه أكثر أمانا وسأل الشيخ: لمَ لا تتركني في طريقي ايها الشيخ وترسل الدليل,, فانا من الانس,, والجن أقدر في امورهم ,, قال الشيخ:
ليس لدي وقت يا حمد فالشمس توشك على الاشراق ولكن دليلي لا يستطيع دخول المدينة لأسباب حدود العالم السفلي بيننا وبين جن تلك البلاد,, ولولا معروفك وفضلك بانقاذ حياتي لتلبسك دليلي وجعلك تفعل ما تريد الا تعلم أن جني ليس فقط قادرين على تلبس الحيوان بل انهم يتلبسون اخوانهم الجن فان خالفوهم أودوهم في المهالك,,
ولكن ثق أني حرستك من كل الجن ما عدا جن بلاد الصين والهند وأحلافهم وجن البحار الباردة فلا سلطان لنا عليهم وعليك الحذر منهم.
حمد المبتلى المقام الثاني
في الاسبوع القادم.
محمد العثيم

رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
المتابعة
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
تحقيقات
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved