Sunday 2nd May, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الأحد 15 محرم


دور القطاع الخاص في دعم المكتبات الوقفية
د/ عبدالرحمن بن عبدالله المشيقح *

للمكتبات مكانة عظيمة في حياة الشعوب، وتطور الحضارات، فالمكتبات هي المكان الذي يحوي الكتب، والمخطوطات، والوثائق، وما أنتجه العقل البشري عبر العصور المتعاقبة في مختلف الميادين.
لقد كانت المكتبات في الماضي تنشأ من قبل بعض الخلفاء مثل مكتبة بيت الحكمة ببغداد التي أنشأها الخليفة المأمون (813 - 833م) والمكتبة المستنصرية بقرطبة التي أنشأها الخليفة المستنصر (961 - 976م)، ودار الحكمة بمصر التي أسسها الخليفة الحاكم عام 1005م، ومكتبات الحرمين الشريفين، بالإضافة إلى عدد من المكتبات التي أقامتها الأسر التي اشتهرت بحب العلم والمعرفة عبر التاريخ، فقد حرصوا على تزويد مكتباتهم بالعديد من الكتب لما يعرفه هؤلاء من أهمية للكتب، فقد وقفوها لخدمة المسلمين، ونشر العلم، والتعليم.
وفي ظل التطور الذي يعيشه مجتمعنا مثل التنمية الشاملة، والتطور المعرفي ظهرت الحاجة إلى مضاعفة الجهد المبذول لبناء مزيد من المكتبات، وهنا يأتي عمل الموسرين من رجال الأعمال وغيرهم للمشاركة النافعة، وتقديم العون الخيري للمنشآت الوقفية كالمكتبات ودور العلم.
لقد كان للمحسنين جهود عظيمة في إقامة المنشآت الخيرية أثناء حياتهم وما يوصون به لتنفيذه بعد مماتهم حيث يحبسون جزءاً من أموالهم يوجهونه في عمل الخير كإنشاء المكتبات، ودور العلم، والمساجد وغير ذلك طلباً للثواب في الآخرة كما قام البعض من المسلمين الذين اشتهروا بالحرص على نشر العلم بإنشاء مكتبات اشتهرت في حياتهم، واستمر الأبناء ثم الأحفاد، يحافظون عليها ويحرصون على تزويدها بكل جديد ومفيد لما يعرفه هؤلاء من مكانة سامية للعلم الذي حث عليه الدين الإسلامي الحنيف، وعملاً بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له , حديث صحيح رواه مسلم.
ومن هنا نجد أن المكتبات الوقفية التي يؤسسها البعض، ويحرصون على أن تحوي الكتب، والمخطوطات المفيدة، لأنها تمثل صدقة جارية، وعلماً ينتفع به، فرواد المكتبات ينهلون من هذه الكتب، ويتعلمون من محتوياتها، وموادها، ويكون ثوابها للواقف عند ربه بإذن الله.
فالمكتبة تمثل مجموعة الكتب والمخطوطات في مختلف مجالات العلم الدينية والدنيوية فكما أن هناك الكتب الدينية الخاصة بكتب الحديث، والتفسير، والفقه، وعلوم الدين، والسير فهناك الكتب النافعة، مثل كتب الآداب، والعلوم، والهندسة، والطب، والزراعة، والعلوم الاجتماعية، وغيرها.
ونظراً لتعدد أنواع الكتب نجد نوعين من المكتبات: أولهما المكتبات الشاملة الحاوية على معظم هذه الأنواع من الكتب، أما الأخرى فهي المكتبات المتخصصة في حقول معينة كالعلوم الشرعية، أو الطب، والهندسة، والزراعة، وغير ذلك.
لذا فإن وجود المكتبات أمر مهم جداً، فالكتب هي الأوعية الحاوية للعلم، والمترجمة عن الأحياء، والناطقة عن الأموات، فالكتاب ما زال حجر الأساس في بناء الحضارات، وتدوين أفكار الإنسان كما أنها مستودع الأسرار، وخزائن العلوم، وينبوع الحكم نجد فيها أيضاً أخبار الأولين، ودليل الآخرين وقد قيل: خير جليس في الزمان كتاب .
فقراءة الكتب النافعة تجلو العقول، وتشحذ الأذهان، فالكتب الدينية تجلو القلوب، وتنير الأذهان، وتؤنس الوحشة، وكتب الآداب تبسط اللسان، وتجود البيان، وتفخم الألفاظ، والكتب العلمية هي المرشد إلى كل مهمة وصنعة، والرفيق المطيع، والمعلم الناصح في تعلم الكثير من المجالات التي تهم المسلمين، لهذا حرص البعض من الأغنياء على إقامة مكتبات وقفية، كي يستفيد منها المسلمون في القراءة والبحوث وكل ما يهم المجتمع المسلم لمعرفة دينهم الحنيف من عقيدة، وعبادات وأمور فقهية، وأحاديث نبوية يسيرون على هديها كي تكون عوناً لهم في دنياهم، وأخراهم.
وبالنظر إلى المكتبات الوقفية نجد أن هناك بعضاً من المكتبات القديمة التي تضم العديد من الكتب والمخطوطات الهامة، وهذه قد تكون في أمس الحاجة إلى العناية، فربما تكون هذه المكتبات قد أهملت بسبب ندرة الموارد التي تصرف عليها لترميم المنشآت، وإصلاح الأرفف، وحفظ الكتب من التلف، وكذا تزويد هذه المكتبات بالكتب الحديثة التي تهم أمر المسلمين، ومن هنا يظهر عمل القطاع الخاص في تحسين أوضاع تلك المكتبات الوقفية التي تكون في حاجة إلى دعم ومشاركة ومساهمة من رجال الأعمال، كي تتمكن من أداء رسالتها، وتستمر في وظيفتها المنشودة، ومن ناحية أخرى فإن رجال الأعمال، خاصة الأغنياء منهم، يمكنهم إنشاء مكتبات وقفية جديدة، وهذه المكتبات قد يقوم بها شخص بمفرده حسب استطاعته، أو قد يشترك فيها مجموعة من رجال الأعمال حسب نوعية هذه المكتبات المراد إنشاؤها، ومدى جدواها في خدمة المجتمع، فقد تكون هذه المكتبات شاملة: أي مكتبات عامة كبيرة في إحدى المدن أو القرى، وقد تكون صغيرة بسيطة كالتي تقام في المساجد، أو المدارس وما شابه ذلك.
فهذه المكتبات مهما اختلفت أماكنها، فأهدافها واحدة، وهي نشر العلم والمعرفة، وحفظ تراث المسلمين، فهذه فرصة للموسرين من الأهالي لإقامة المكتبات العامة بجانب ما تقوم به حكومة المملكة العربية السعودية من جهود عظيمة في هذا الجانب، لقد تعود كثير من أبناء المجتمعات الإسلامية على أن الوقف يكون بعد الممات إلا أنه قد عرف التاريخ الإسلامي أن الوقف قد يكون ناجزاً، أي في حياة المسلم، وهذه ميزة تهم أمر الواقف كي يتأكد بنفسه من كيفية إنفاق أموال الوقف ويرى ثمرتها أثناء حياته، فالوقف في مجال العلم، والمعرفة قد حث عليه الدين الإسلامي عملاً بقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علم علمه، ونشره، وولداً صالحاً تركه، أو مصحفاً، ورثه أو مسجداً بناه، أو بيتاً لابن السبيل بناه، أو نهراً أجراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته يلحقه من بعد موته حديث رواه ابن ماجه.
وكما نعلم أن الوقف صدقة تكون خيراً إذا أخرجها المسلم المقتدر من ماله في حياته، ولا يشترط أن تكون الصدقة خاصة بالأثرياء والأغنياء، كي يقيم بنفسه مكتبة وقفية، ولكن مساهمة عدد من الناس ومشاركتهم في مثل هذه الأعمال الخيرية تعتبر من الأعمال العظيمة التي يرجى أن تعود على الواقفين بالنفع والثواب، فآيات الذكر الحكيم الحاثة على الإنفاق في عمل الخير كثيرة منها على سبيل المثال قول الله عز وجل في سورة المنافقون: (وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين) وقوله تعالى في سورة المزمل: (وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيراً وأعظم أجراً) فاحرص - يا أخي المسلم - على الانفاق في عمل الخير، كدعم المكتبات الوقفية، وغيرها من المجالات التي تبذل فيها الصدقات، فيكفي أنها تختص بخدمة المجتمع المسلم في نشر العلم، والتعليم، والاستزادة مما في الكتب الموجودة في المكتبات الوقفية التي يرتادها طلاب العلم.
من هنا نجد أن القطاع الخاص ينبغي أن يكون له جهد عظيم في دعم هذه المكتبات الوقفية، ولا يندهش البعض، أو يستغرب من الحث على مشاركة رجال الأعمال والموسرين في إقامة منشآت جديدة، مثل المكتبات الوقفية، وتزويدها بالكتب، والمخطوطات التي تعود على الإسلام والمسلمين بالنفع والفائدة.
أسأل الله العلي القدير أن أكون قد وفقت في توضيح أهمية مشاركة القطاع الخاص في دعم المكتبات الوقفية، وأن تكون هذه وسيلة لحث الناس على ذلك، فنحن الآن أكثر حاجة لإنشاء المكتبات من ذي قبل، فدعم، أو إنشاء المكتبات الوقفية أمر يحتاجه المسلمون في العصور الحديثة، لكي تكون عوناً للهداية، ونشر المعرفة، والسير في طريق النمو، والتقدم، والازدهار، والتغلب على التحديات الراهنة.
* رئيس الغرفة التجارية الصناعية بالقصيم

رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
المتابعة
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
تحقيقات
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved