Monday 3rd May, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الأثنين 17 محرم


في خضم النقاش حول ما لها وما عليها من حقوق
أين هي المرأة السعودية,,؟؟
حماد بن حامد السالمي

,,يأتي حديث صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله بن عبد العزيز عن المرأة السعودية في قمة المسؤولية الملقاة على عاتق القيادة الحكيمة في هذه البلاد، في الوقت الذي تشهد فيه كافة المجتمعات ومنها الاسلامية على وجه الخصوص، جملة متغيرات مهمة تصب جميعها في خانة الاستثمار الصحيح للقوى البشرية الوطنية في ظل احترام التعاليم الدينية والأعراف الاجتماعية، ولكن بروح منفتحة على الحقائق الانسانية والعلمية والحضارية التي تتعامل مع الانسان ككل وليس مع رجل وامرأة، وتنظر الى المساهمة في الانتاج والابداع على انه نتاج عقلي انساني بحت بغض النظر عن جهة المجيء من رجل او امرأة وكانت هذه من القضايا التي شغلت الشعوب ردحاًمن الزمن باسم المساواة بين الرجل والمرأة مع الفارق الديني والثقافي في النظرة الى هذه المسألة بين أمة واخرى وشعب وآخر.
,,كانت كلمات الأمير عبد الله بن عبد العزيز في هذه المسألة دقيقة الى ابعد الحدود، وشفافية وواضحة الى درجة كبيرة فهي تترجم حقيقة الشعور الذي يخامر قيادة المملكة تجاه مواطنيها، وتعكس الاحساس بالمسؤولية الاخلاقية والوطنية تجاه كل فرد في هذه البلاد رجلاً كان او امرأة وهي تدل على الاتجاه العام في الدولة نحو اشراك مواطنيها ومواطناتها في المسؤولية كل بقدر كفاءته وجهده وما هو مؤمل منه، بعد ان تهيأ للبلاد بنى تحتية راسخة وقوية، علمية وصناعية وعمرانية وثقافية، وكان للمرأة السعودية دور فاعل في صنع هذا الانجاز الكبير وهو الدور الذي ينبغي ان تواصل النهوض به على اكثر من صعيد في المرحلة القادمة فليس عدلاً ان تدخل المملكة الالفية الثالثة برجل واحدة، وان تأتي الأمم والشعوب الى هذا القرن مكتملة العدد وتأتي بلادنا بنصف تعدادها، وفي هذه الحالة فان مكانها في المؤخرة.
,,يقول الأمير عبد الله بن عبد العزيز - لا فض فوه - ]لن نسمح لأي كائن من كان ان يقلل من شأن المرأة او يهمش دورها الفاعل,, ولن نترك باباً من العطاء الا وشرعناه لها في كل امر لا مخالفة فيه لديننا واخلاقنا، ولن نسمح ان يقال اننا في المملكة العربية السعودية نقلل من شأن امهاتنا واخواتنا وبناتنا، ولن نقبل ان يلغى عطاء نحن احوج ما نكون اليه[.
,,اذن,, فالمرأة في هذه البلاد لها شأن كبير ومهم، ولها دور اجتماعي وتنموي وثقافي فاعل لا يصح ان يهمش، ومن حقها ان تشرع لها ابواب العطاء والابداع والعمل والانتاج في ظل التوافق مع التعاليم السماوية السمحة والأخلاق الفاضلة، والمرأة في هذه البلاد هي الأم والأخت والبنت، ومن الواجب الاستفادة من عطائها في وقت نحن فيه في امس الحاجة الى مثل هذا العطاء.
,,وهكذا يأتي حديث الأمير عبد الله بن عبد العزيز ليؤكد من جديد على جملة من الحقائق التي لم يعد هناك مجال لإنكارها او تجاهلها، وهي حقائق لا تعني المرأة وحدها، ولكنها تعني مصير ومستقبل شعب بكامله، يجب ان يستغل كافة طاقاته وامكاناته المادية والبشرية للحاق بركب التقدم والتمدن وتهميش المرأة وحصر دورها في المنزل هو تعطيل لنصف المجتمع وهدر بشري ومادي خطير لا تمارسه الا الدول المتخلفة والجاهلة.
ومن هذه الحقائق التي ينبغي التوقف عندها ونحن نخوض في شأن المرأة السعودية ما يلي:
1 - ان المرأة كائن بشري كامل النمو فهي مكتملة التكوين الجسدي والعقلي والنفسي.
2 - ان المرأة تشكل نصف المجتمع ففي آخر احصاء للمملكة قبل خمس سنوات جاء تعداد النساء موازياً لتعداد الرجال وهذا النصف لا بد وان يكون شريكا في كل شيء، وان يتقاسم المسؤولية مع النصف الآخر.
3 - في قانون الدولة للمرأة صفة قانونية كاملة كمواطن وهذا يترتب عليه ما للرجل من حقوق لها او عليها سواء كانت اجتماعية او سياسية او اقتصادية.
4 - ان قضية المرأة في المملكة لم تعد هي المرأة في حد ذاتها!, لقد شغل البعض انفسهم بهذا الأمر زمناً طويلاً - وما زال هناك من يفعل - حتى خيل للبعض ان المرأة هي الشغل الشاغل وانها رسالة الرجل في حياته ولا شيء غير ذلك,, ما تأكل، ما تشرب، كيف تلبس، تخرج ام لا تخرج تعمل ام لا تعمل تتعلم ام لا تتعلم؟؟ وهذه ثنائيات هامشية صرفت الكثير - حتى المرأة ذاتها - عن القضية الأم للمرأة، عما يجب لها وما يجب عليها من حقوق دينية ومدنية في ظل التشريعات التي تحكم المجتمع.
5 - تشير الاحصاءات الى ان ما تصرفه المملكة - او ما يفترض انها تستثمره - لتعليم وتأهيل المرأة سنوياً يفوق العشرة الاف مليون ريال! وهذا ينبغي ان يعود على الناتج المحلي بما يوازي المنصرف على اقل تقدير، ولكن المساهمة الفعلية للمرأة السعودية في الناتج المحلي لا تتجاوز 3% وهذا يعني ان طاقة بشرية هائلة معطلة وان طاقة مادية تتعرض للنزف بسبب العمالة غير السعودية التي تحتل شواغر وظيفية عامة او خاصة كان يمكن شغلها بكوادر سعودية من النساء.
6 - ان المرأة السعودية اثبتت كفاءتها وجدارتها في كل الميادين التي ولجتها للعلم والعمل معاً، فالنتائج السنوية للجامعات والكليات والمعاهد والمدارس تدلل على التميز في التحصيل والتفوق في الدرجات، وهناك عشرات الآلاف من المعلمات يقطعن يومياً مئات الكيلومترات من الطرق البرية الوعرة للوصول الى مدارس في القرى والهجر لأداء الواجب على ما في هذا من متاعب ومعاناة وعنت والبعض منهن يسكن في مناطق نائية بعيداً عن الأسرة والأهل ولولا حب العمل وعشق المغامرة والتضحية لركن الى الراحة، ولرضين بالبقاء في البيت, ومن بنات هذا البلد من ذهب الى اقصى الدنيا للدراسة والحصول على اعلى الدرجات من ارقى واعرق الجامعات في اوروبا وامريكا وفي هذا وذاك دلالة واضحة على ان المرأة السعودية لا ينقصها الطموح ولا تعوزها الحيلة في المساهمة والعطاء الذي ينتظره منها وطنها ويأمله منها القادة فيه.
7 - ان السنوات القادمة سوف تشهد انفجاراً في قائمة طالبات العمل مثل ما هو الحال في تزايد اعداد طالبي العمل من الخريجين، بل ان الرقم في الجانب النسوي سوف يكون اكبر بكثير نتيجة الظروف المحيطة بعمل وتوظيف المرأة، فطلاب وطالبات التعليم العام وحده للعام الدراسي القادم سوف يناهز الخمسة ملايين طالب وطالبة نصفهم من الطالبات والتوجه نحو حل هذا الاشكال لا بد وان يأتي سريعاً وبحلول راسخة لا تقبل الجدل او العودة الى عنق الزجاجة الذي طالما راهن عليه اعداء الحقوق المشروعة للمرأة في ظل شريعة اسلامية سمحة تأخذ باسباب الانفتاح ولا تؤمن بالتقوقع وإلغاء الآخر.
8 - ان القوامة لا تعني الحجر على عقل المرأة وفكرها ولا تجيز للرجل وضع الحواجز امام عطاء المرأة وممارسة دورها الانساني والوطني المطلوب في وطنها وبين اهلها حيث حقوقها مكفولة وتتمتع بشخصية اعتبارية لا يحق لفرد الغاؤها.
9 - ومن جملة الحقائق التي تفرض نفسها بقوة في هذا الظرف ان كثيراً من المسائل المتعلقة بعمل المرأة وحياتها في المجتمع يمكن ان تطرح بجلاء وان تشرك المرأة فيها بدون حساسيات او خجل او حذر، ويمكن البت في اكثر من مسألة بروح منفتحة على المعطيات العصرية خاصة وان كثيراً من دول العالم الاسلامي قد سبقنا في الوصول الى حلول جذرية في مسألة الحجاب وكشف الوجه وميادين عمل المرأة وقيادتها للسيارة - هذا على سبيل المثال - ولا ارى بأسا من الاستفادة من تجارب الآخرين، والأخذ بما هو مقنع وفي حكم المنطق والمعقول, يقول المرحوم الشيخ العالم محمد الغزالي في كتابه الشهير مائة سؤال عن الاسلام ما نصه ص 18 من الجزء الأول: ]وهناك مشتغلون بالعلم الديني يقدمون الاسلام على انه حبس وتجهيل للمرأة ويجتهدون في تقرير احكام تظهر النساء وكأنهن جنس مهدر الحقوق محقور المنزلة مغموص العقل، يستغرب وجوده في ميادين العلم والعبادة والجهاد بل يستنكر عليه ان يقود سيارة[.
لقد كان لحديث الأمير عبد الله بن عبد العزيز اصداء واسعة في المجتمع بكافة شرائحه وطرائقه لأن ولي العهد حفظه الله يمثل ضمير الامة وهاجسه هو هاجسها وهو في كل مناسبة يعكس شعورها واحساسها، ويحمل همومها ويجسد آمالها وطموحاتها الكبيرة في المشاركة الجادة والمساهمة المخلصة في كل ما من شأنه عزة ورفعة هذه البلاد واهلها.
,, والنقاشات التي تدور حول هذا الموضوع يخالطها سؤال محير لا يملك اجابته الا المعنية بالأمر المرأة السعودية ذاتها,, الانسانة المتعلمة,, المثقفة,, الأديبة,, الشاعرة,, الكاتبة,, العاملة وغير العاملة,,؟
,,لم نجد مداخلة شافية من هذه المرأة في خضم هذه النقاشات وكأن الأمر لا يعني السعوديات؟ لماذا لاذ معظمهن بالصمت ولم يبد وجهة نظر تميط اللثام عن تطلعات المرأة السعودية وطموحاتها؟ ما تريد وما لا تريد؟ ما تفكر فيه في هذا الوقت على وجه التحديد في مسألة حقها في العمل والمشاركة في العطاء والبناء وعلى اي صورة تريد ذلك؟ امكانية مشاركتها بالرأي من خلال مجلس الشورى مثلاً والمجالس المحلية والمنتديات والجمعيات التي يديرها الرجال حتى اليوم؟ قدرتها على تولي الادارة العامة مثل الرئاسة العامة لتعليم البنات وفروعها على سبيل المثال؟
,,ان هذا الصمت يوحي للبعض بأن المرأة السعودية - ربما - استمرأت عادة الجلوس في المقعد الخلفي دائماً، فالرجل منوط به ادارة شؤونها حتى التفكير نيابة عنها في مسائل تخصها وحدها وانا اربأ بالمرأة السعودية التي قال عنها ولي العهد حفظه الله بأنها ]الأم والأخت والبنت[ ان تكون سلبية الى هذه الدرجة وغير مبالية بما يدور حول حقوقها وما هو مطلوب منها في هذه المرحلة.
,,أين هي المرأة السعودية في خضم ما يدور من نقاش حول ما لها وما عليها من حقوق وواجبات,؟
الجواب,, عندها وحدها!!.

رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
المتابعة
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
الطبية
تحقيقات
مدارات شعبية
وطن ومواطن
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved