Monday 3rd May, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الأثنين 17 محرم


الاستثمار الصناعي في ظل المتغيرات الاقتصادية الجديدة
د, مفرج بن سعد الحقباني *

نشير مرة اخرى الى الحوار التلفزيوني الجيد الذي ناقش الرؤية الجديدة للاقتصاد السعودي في ضوء المتغيرات الاقتصادية الحالية ونذكر ان الحوار قد حظي بمشاركة فاعلة من قبل اساتذة متخصصين في علوم وشئون الاقتصاد المختلفة مما ساعدهم عل تناول الموضوع بمنهجية علمية سليمة كما نذكر اننا اشرنا في مقالنا الاسبوعي الماضي الى ان هذا الموضوع يحتاج الى حلقات متعددة حتى يستطيع المشاركون طرح تصورهم بكل دقة وحتى يستطيع هذا الموضوع ان يحقق كسبا حقيقيا لدى صناع القرار ليكون في طليعة الاولويات التي لا يجب اغفالها خاصة ونحن نرى التقلبات التي يتعرض لها اقتصادنا الوطني نتيجة لارتفاع درجة الانكشاف نحو الاقتصاد العالمي ونتيجة لعجز سياساتنا الاقتصادية عن تحقيق درجة متقدمة من التنوع الاقتصادي الذي كان وما يزال مطلبا ضروريا ورافدا هاما من روافد التنمية.
لقد تناولنا في الاسبوع الماضي القطاع الزراعي ومتغيراته وذكرنا ان المملكة العربية السعودية ولاسباب عدة لن تكون دولة زراعية لانها ببساطة لا تمتلك مقومات الدولة الزراعية ما يعني ضرورة البحث عن قطاع اقتصادي آخر يقود العملية التنموية.
اليوم نتطرق الى القطاع الصناعي الذي يعتبر نظريا وعمليا واحداً من اهم قطاعات الاقتصاد التي تعتبر المحرك الرئيسي للتنمية خاصة لدولة كالمملكة العربية السعودية لديها من الموارد الاقتصادية ما يكفي لتكوين قاعدة قوية لصناعات وطنية متخصصة تتمتع بمزايا نسبية عالمية تمكنها من المنافسة على المستوى المحلي والدولي.
قد لا يختلف اثنان على ان الاستثمار الصناعي قبل سنوات الطفرة ظل غائبا عن خريطة الاقتصاد السعودي خاصة اذا استبعدنا الاستثمار النفطي الذي تركز في مراحله الاولى على انتاج النفط الخام لاغراض تصديرية بحتة وبشكل عام يمكن ابراز اهم خصائص القطاع الصناعي خلال تلك الفترة على النحو التالي:
1 - الاعتماد على الصناعات والحرف اليدوية التقليدية.
2 - تردي مستوى الفن التكنولوجي المستخدم في الصناعات السائدة.
3 - ضعف مساهمة القطاع الصناعي في الناتج المحلي الاجمالي.
4 - ندرة فرص العمل المتاحة في القطاع الصناعي.
5 - الاعتماد على العمالة الاجنبية في شغل معظم الفرص المتاحة نتيجة لانعدام او قلة الخبرة لدى الايدي العاملة السعودية.
6 - قلة مساهمة القطاع الخاص في الاستثمارات الصناعية.
ولكن مع الزيادة الكبيرة في الايراد الحكومي خلال فترة الطفرة التي شهدت ارتفاعا كبيرا في اسعار النفط، بدأ الاهتمام بالقطاع الصناعي ينمو حيث جاءت خطط التنمية المتعاقبة لتؤكد على اهمية الاستثمار الصناعي في منظومة العمل التنموي الشامل رغبة في تحقيق العديد من الاهداف التي يأتي في مقدمتها:
1 - المساهمة في تحقيق معدلات نمو مرتفعة للناتج المحلي الاجمالي.
2 - تحقيق درجة متقدمة من التنوع الانتاجي مما يخفف الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للدخل.
3 - تحقيق مستوى مناسب من الاكتفاء الذاتي.
4 - المساهمة في نقل التكنولوجيا المتطورة وبالشكل الذي يزيد من الفاعلية الانتاجية.
5- خلق فرص عمل جديدة وتخفيف الاعتماد على فرص العمل التقليدية.
6 - تحقيق اقتصاد متوازن يستطيع مواجهة التقنيات التي قد يتعرض لها الاقتصاد المحلي نتيجة للتقلبات العالمية.
ومما لاشك فيه فان هذه الاهداف العامة تأتي متوافقة مع الاحتياج الفعلي للاقتصاد السعودي ومتوافقة تماما مع متطلبات العملية التنموية التي تعتمد على معطيات الواقع في رسم الوجه المستقبلي للاقتصاد السعودي ولكن التنظير يبقى تنظيرا ويبقى معزولا عن الواقع ما لم يصدقه التطبيق وما لم يتحقق على ارض الواقع فلقد صاحب التنمية الصناعية العديد من الاخطاء (وفقا للتقدير الشخصي) التي اضعفت من الدور الذي لعبه القطاع الصناعي في مسيرة الوطن التنموية ولعل اهم هذه الاخطاء يأتي:
1 - نتيجة لارتفاع الدخل الحكومي الناتج عن الارتفاع الهائل في اسعار النفط خلال فترة السبعينيات فقد حظي قطاع الصناعة كغيره من قطاعات الاقتصاد السعودي بدعم حكومي كبير ساهم مساهمة فاعلة في ظهور العديد من الصناعات لعل اهمها الصناعات البتروكيماوية وصناعة تكرير النفط التي تتمتع فيها المملكة بميزة نسبية عالية نتيجة للمخزون النفطي العالي وتكاليف الانتاج المنخفضة نسبيا مما ساعد على زيادة مساهمة قطاع الصناعة في الناتج المحلي الاجمالي غير النفطي حيث بلغت حوالي 13,1% الا ان الدعم الحكومي لم يقتصر على الصاعات التي تتمتع فيها المملكة بمزايا نسبية مما ساهم في ظهور العديد من الصناعات غير الاقتصادية التي كلفت الخزينة العامة اموالا طائلة كان بالامكان توجيهها الى مواطن اخرى تكون الاستفادة منها فيها عالية, ويمكن القول بان الزيادة الكبيرة في الايراد الحكومي والرغبة في تحقيق تنمية اقتصادية عالية وشاملة وضعف الطاقة الاستيعابية للاقتصاد السعودي خلال تلك الفترة كانت اهم الاسباب وراء عدم وضوح الاستراتيجية الصناعية في المملكة العربية السعودية مما ادى الى تضخم القطاع الصناعي وبطريقة غير اقتصادية قد يكون من الصعب والمكلف في الوقت الحاضر التعامل معها وتعديلها.
2 - عجز القطاع الصناعي عن تحقيق مساهمة مرتفعة في عملية نقل التكنولوجيا المطلوبة والمناسبة، وهنا اعتقد يكمن ابرز الاخطاء اذ يجب ان يعلم الجميع بان نقل واختيار التكنولوجيا المناسبة لا يأتي الا عن طريق عنصر العمل المشارك في العملية الانتاجية لا عن طريق الآلة التي تستخدم في الانتاج وبالتالي فان القطاع الصناعي السعودي الذي ظل وما يزال (واعتقد غير متشائم انه سيستمر) معتمدا على عنصر العمل الاجنبي قد فشل في هذه المهمة حيث لا تزال مساهمة الايدي العاملة السعودية ضيئلة نسبيا ومحدودة في وظائف ادارية ليس لها علاقة بالفن التكنولوجي المستخدم لقد ساهمنا في تعليم وتطوير العامل الاجنبي الذي اصبح ماهرا بعد ان كان غير ماهر لقد تحملنا اخطاء الاجنبي الذي أتى الى هذا البلد وهو لا يعلم او لا يجيد التعامل مع الآلة الحديثة ورفضنا العامل السعودي بحجة نقص الخبرة حداثة التجربة لقد نجحنا في استقطاب الايدي العاملة الاجنبية وفي شراء الآلة وفي جذب العقلية الادارية الاجنبية وفشلنا في الاستفادة من خبرة الاجنبي الذي ظل وما يزال رافضا للوجود او للمشاركة السعودية في ميدان الانتاج، كما فشلنا في التعرف على اسرار هذه الآلة التي ظلت غريبة عنا على الرغم من طول سنوات العشرة بيننا لقد فشل القطاع الصناعي في نقل التكنولوجيا المناسبة وعندما نقلها نقلها لعنصر العمل الاجنبي وهذا يعني اننا فشلنا في تحقيق الاستفادة الحقيقة من الطفرة الاقتصادية والتي كان من الممكن ان تساهم في تغيير وجهتنا الاقتصادية وكان من الممكن ان تعيدنا على الاقل الى ماضينا عندما كان عنصر العمل السعودي منتجا فاعلا لا مستهلكا نشطا.
3 - عجز القطاع الصناعي عن تحقيق درجة متقدمة من التنوع في القاعدة الانتاجية مما جعل الاقتصاد السعودي عرضة للتقلبات الاقتصادية العالمية خاصة تلك التي تنشأ اصلا في اسواق النفط العالمية، وبالتالي فان الاقتصاد السعودي الذي بدأ معتمدا على النفط لازال كما هو على الرغم من ان سنوات الطفرة قد ولت مما يعني فشل القطاع الصناعي في تحقيق واحد من اهم الاهداف المرسومة له في خطط التنمية المتعاقبة.
4 - عجز القطاع الصناعي عن تحقيق درجة متقدمة ومستوى مناسب من الاكتفاء الذاتي وهنا اعتقد ان ما يسمى اسما بالمنتجات الوطنية لا تزال بعيدة كل البعد عن الوطنية حتى لو تم انتاجها على الارض السعودية حيث ان العمالة اجنبية والآلة اجنبية والادارة في معظم الاحوال اجنبية والمواد الاولية والانتاجية اجنبية مما يعني عدم وجود مساهمة وطنية حقيقية في اي مرحلة من مراحل صناعة السلعة وهذا بدوره يقودنا الى القول اننا نعيش وضعا صناعيا غريبا ظاهره الرحمة وباطنه العذاب خاصة اذا استمررنا في اغفال الحقيقة الظاهرة التي تلازم الواقع الاقتصادي والمتمثلة في ابتعاد او ابعاد عنصر العمل السعودي عن مواطن العمل, اعتقد اننا سنكون اكثر قدرة على فهم واقعنا اذا نحن ابتعدنا عن النظر الى التقارير الادارية التي تحاول ابراز الجهد الصناعي من خلال عدد المصانع والصناعات القائمة وركزنا على الدور الحقيقي والقيمة المضافة التي نستطيع بلا خجل وبلا جدل نسبها الى عناصر الانتاج السعودية بشكل عام والى عنصر العمل السعودي بشكل خاص.
من خلال ما تقدم نستطيع ان نقول بان القطاع الصناعي بقي بعيدا عن تحقيق الاهداف المرسومة له وان اشتملت التقارير المختلفة على ارقام ربما تؤكد خلاف ذلك وعليه فان الطرح المستقبلي لهذا القطاع يجب ان يأخذ في الاعتبار التعامل مع معطيات الواقع بكل شفافية حتى يستطيع تجنب الاخطاء التي ابعدتنا كثيرا عن طموحنا الصناعي , ولعل ابرز ما يجب ان نعمله في الوقت الحاضر الآتي:
1 - اعادة رسم سياساتنا الصناعية لتأخذ في الاعتبار المزايا النسبية التي تتمتع بها المملكة العربية السعودية خاصة وان المستقبل القريب ينذرنا بقرب عولمة ومزج اقتصادنا ضمن الاطار العالمي الذي يفوقنا خبرة ودراية, وهذا يعني اننا مطالبون بالتركيز فقط على الصناعات التي لنا فيها ميزة نسبية بدلا من الصناعات التي لا تقوم الا بالدعم والمساندة الحكومية والجمركية.
2 - اعادة رسم سياساتنا الصناعية لتأخذ في الاعتبار اعطاء الدور الاكبر في العملية الانتاجية المباشرة لعنصر الانتاج الوطني خاصة وان الامن الوطني الشامل لا يتحقق الا مع هذا التوجه الذي ظل حبيس التنظير والمؤتمرات المتعددة ان عدم قدرتنا على الفصل بين المشاريع الناجحة والمشاريع الفاشلة وفق المعطيات والمتغيرات الاقتصادية المحلية قد ساهم وبشكل كبير في هذه الفوضى الصناعية كما ساهم وبشكل كبير في خلق البيئة المناسبة للمشاريع الفاشلة التي قامت اصلا على اعتبار ان العمالة الاجنبية من المتغيرات الدائمة.
اعتقد ان الجدوى الاقتصادية التي سهلت قيام هذه المشاريع الفاشلة قد اعتمدت في تحليلها وتقديرها لاوضاع السوق على عنصر العمل الاجنبي مما جعلها تبدو للمستثمر رابحة ولكنها بالنسبة للوطن والمواطن ليست خسارة فقط بل خطر يهدد مستقبله الاقتصادي والاجتماعي والفكري اعتقد ان الخطوة الصحيحة في هذا الاتجاه تتطلب اعادة تقدير الجدوى الاقتصادية للمشاريع الاقتصادية القائمة على ان يكون عنصرالعمل معتمدا على العنصر الوطني وعندها سنجد ان معظم مشاريعنا لن تكون ذات جدوى اقتصادية وعندها ايضا سنعرف على اسباب رفض هذه المشاريع لفكرة توظيف العامل السعودي.
3 - اعادة رسم سياساتنا الصناعية لتأخذ في الاعتبار الاهمية القصوى للقطاع الصناعي في العملية التنموية حتى نستطيع ان نعطي لهذا القطاع الاولوية خاصة في ظل ندرة الموارد الاقتصادية المتاحة في الوقت الحاضر والتي ربما لا تمكننا من دعم كل القطاعات بنفس القدر ونفس الحماس كما كنا خلال فترة الطفرة.
4 - ضرورة العمل على تحديد المستوى التكنولوجي الحالي لدى عناصر الانتاج الوطنية حتى نستطيع ان نحدد نقطة الانطلاق المستقبلية ونحدد الصناعات التي تتناسب مع قدرتنا التكنولوجية وهنا اعتقد ان دور مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية يبدو كبيرا ومهما في تحديد الوجهة المستقبلية نريد ان نتعرف على واقعنا نريد ان نتعرف على ما حققناه في هذا المجال خلال سنوات الطفرة اعتقد اننا لم نحقق الكثير نتيجة لابتعادنا عن مواطن الانتاج التي هي موطن المعرفة الفنية ونتيجة لتبدل سلوكياتنا باتجاه السلوك الاستهلاكي خاصة في ظل اعتمادنا على العمالة الاجنبية التي استفادت الكثير من الفنون الانتاجية بعد ان كانت من الفئة غير الماهرة.
5- ضرورة العمل على اعادة صياغة سياساتنا التعليمية للتوافق مع منهجنا الصناعي الجديد ولن يتحقق ذلك ما لم نبتعد بعيدا عن الكم ونقترب كثيرا من الكيف، اعتقد ان من الممكن ان نتعرف على متطلبات القطاع الصناعي ومن الممكن تعديل مناهجنا لتتوافق وتحقق هذه المتطلبات ولكن متى يكون ذلك؟ الله اعلم.
واخيرا: اعتقد ان دراسة واقع القطاع الصناعي مطلب وطني ملح خاصة في ظل المتغيرات الاقتصادية المحلية والعالمية، واعتقد ان الوقت لم يعد فيه متسع لتأخير او تأجيل هذه الدراسة لاننا نمر بمرحلة خطيرة قد ندفع ثمنها غاليا اذا نحن لم نوفر بيئة علمية وعملية يكون فيها المواطن السعودي منتجا لا مستهلكا لقد تبدلت سلوكياتنا وتغيرت احوالنا نتيجة لعدم قدرتنا على التعامل الجدي مع معطيات فترة الطفرة فهل نسارع في العودة الى الرشد الفكري والاقتصادي الذي فقدناه فهل نسارع في العودة الى ميدان الانتاج بعد ان تركناه للعامل الاجنبي؟ يجب ان نعي ان القطاع الخاص لن يقودنا الى هذه النهاية لانه يسعى الى تعظيم ربحه وفق المتغيرات المتاحة وبالتالي يجب علينا ان نحدد له الاطار العام الذي من خلاله يستطيع تحقيق هدفه بدلا من تركه حرا طليقا يحقق ما يريد على حساب مصلحة الوطن والمواطن.
سؤال: هل يحق لنا ان ندعي بان لدينا صناعة وطنية ونحن نعلم بان جميع او معظم عناصر الانتاج المشاركة في العملية الانتاجية غير وطنية؟ هل نستطيع ان نقول بأننا نستطيع الاستمرار في الانتاج الصناعي دون مشاركة اجنبية؟ وهل لدينا خطة وطنية واضحة المعالم لتحقيق التوطين الكامل للمهن في القطاع الصناعي؟ وماذا ستكون عليه حال صناعتنا الوطنية وقطاعنا الصناعي عندما يقرر العامل الاجنبي مغادرة البلاد؟ اعتقد اننا لم نحقق ادنى درجات الامن الصناعي فهل نعي ذلك مبكرا.
*استاذ الاقتصاد المشارك بكلية الملك فهد الامنية

رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
المتابعة
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
الطبية
تحقيقات
مدارات شعبية
وطن ومواطن
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved