من الأمور الملموسة تأثر الاقتصاد وتأثيره في العديد من المتغيرات الاجتماعية والسياسية وغيرها ولا يظهر تأثر اوتأثير هذه المتغيرات في الأجل القصير بل لربما احتاج ذلك الى عدة سنوات، لكن هذا لا يعني عدم الاهتمام بهذه القضايا ودراستها دراسة دقيقة ليصبح التعامل معها اكثر فعالية وكفاءة ولتسهل عملية وضع الخطط والاستراتيجيات المناسبة للوضع الجديد, وفي هذا الاطار فالملاحظ ان كثيراً من دول العالم تشهد تغيرات ملموسة في التركيب العمري للسكان في السنوات الاخيرةويتوقع ان تستمر هذه التغيرات في السنوات القادمة, وقد اخذت هذه التغيرات شكل زيادة مستمرة في نسبة اعداد المسنين الى عدد السكان, ومن المؤكد ان تكون لهذه التحولات آثارها الاقتصادية بعيدة المدى على كثير من المتغيرات وهي ابعد من مجرد كون هذه الفئة ستحتاج الى مزيد من العناية والاهتمام ومن مجرد التوسع في انشاء دور الرعاية بهم, وتبين الدراسات التي عملت في هذا الخصوص ان تغير التركيب العمري للسكان له اثره المباشر على الانفاق الاستهلاكي من حيث الكم والنوع, وبشكل اخص تشير الى ان فئات السكان الواقعة في منتصف العمر تنتج اكثر مما تستهلك بينما تستهلك فئات الاطفال والشباب وكبار السن اكثر مما تنتج.
وبناء على هذه الفكرة فانه من المتوقع ان تتصف المجتمعات والتي يشكل فيها المسنون نسبة مرتفعة من عدد السكان بارتفاع معدلات الاستهلاك الكلي.
ولفئة المسنين في هذا الجانب مزية على الفئات ذات الاستهلاك المرتفع الاخرى هي كون كثير منهم يمتلكون قوة شرائية كبيرة تراكمت عبر السنين الماضية الى جانب تضاؤل الحافز لديهم للادخار ومن ثم الاستثمار، الأمر الذي يعني زيادة الاستهلاك بمعدلات كبيرة, ويتوقع ايضا ان يمتد اثر زيادة اعداد المسنين الى احداث تغييرات مهمة في انماط الاستهلاك ونوعية السلع والخدمات المطلوبة نظراً لاختلاف الحاجات والاذواق تبعاً لاختلاف المراحل العمرية.
كل هذه الامور ستعمل على ايجاد طلب فعال على السلع والخدمات التي يستهلكها المسنون تشكل الكماليات بينما نسبة لا بأس بها وعليه فلا يستبعد ان تتوجه المنشآت الاقتصادية نحو توفير مثل هذه السلع والخدمات ويتصور ان تعني هذه التغيرات في الاستهلاك فرصاً استثمارية مناسبة للكثير من المستثمرين الذين يبحثون عن مشروعات عالية الربحية فيها شيء من الابداع والابتكار، واذا كانت التوقعات تشير الى زيادة الاستهلاك نتيجة لزيادة نسبة المسنين فان الوجه الآخر لهذه التوقعات هو انخفاض الادخار وما يتبعه من انخفاض في الاستثمارات وهذا امر لا يعد محموداً وخاصة بالنسبة للدول النامية, وعلى الرغم من ذلك فان لزيادة الانفاق الاستهلاكي آثارا ايجابية متى ما امكن استغلالها وتوجيهها نحو الانتاج المحلي.
وتولي دول العالم التي تتمتع بوجود انظمة للتقاعد وبرامج للرعاية الاجتماعية زيادة اعداد المسنين اهتماماً خاصاً لان لها تاثيراً مباشراً على هذه الأنظمة والبرامج لأن الفئات العاملة هم من يقومون بتمويل هذه الانظمة والبرامج، والمسنون هم غالبية المستفيدين من الخدمات التي تقدمها فمتى ما انخفضت نسبة الممولين وزادت نسبة المستفيدين فالمتوقع ان يؤثر ذلك سلباً على اداء هذه الأنظمة والبرامج, وفي هذا الاطار فان زيادة اعداد المسنين توجد الحاجة الى ضرورة ايجاد برامج رعاية صحية واجتماعية معينة للاهتمام بهم ولضمان حياة كريمة لهم.
ومما لا شك فيه ان هذه البرامج ستشكل عبئاً مالياً على المجتمع يحسن ان يؤخذ في الاعتبار عند وضع الخطط والاستراتيحيات المتعلقة بهذا الجانب ولو نظرنا الى الجانب الآخر من الصورة لوجدنا ان زيادة عدد المسنين في المجتمع توفر قوة عمل لا يستهان بها في مجال الاعمال التطوعية والتربية والتعليم والصحة وغير ذلك من المجالات, فهم قد اكتسبوا خبرة في مجالات اعمالهم وهم الآن في وضع يجعلهم راغبين في العمل في مجال تخصصاتهم تطوعاً وبخاصة في الجمعيات والمؤسسات الخيرية وهذا يشكل دعماً مالياً ومعنوياً لهذه القطاعات يجعلها اكثر كفاءة في القيام بما هو مطلوب منها.
هذه مجرد امثلة لما يمكن ان ينتج عن مثل هذه الظاهرة، ولذا فان التعامل معها يعني اكثر من مجرد قراءة الارقام والبيانات فهو يعني استيعاب ما تمثله هذه الأرقام من تغيرات في المجتمع وما ينتج عن هذه التغيرات من آثار على حياة المجتمع بكافة اشكالها.