Monday 3rd May, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الأثنين 17 محرم


الرئة الثالثة
لماذا أكتب!

كثيرا ما يلح على خاطري هذا السؤال: لماذا أكتب؟ واحسب ان سطوة السؤال تمتد لتشمل كل من شقي مثلي بفتنة الحرف، وهاجس الكلمة، وعشق الكلام المباح!.
***
وكثيرا ما أقرأ أو أسمع تعليقات تتناول هذا السؤال، بعضها يثبط العزم الى درجة الاحباط، والبعض الآخر يشد الأزر، ويستفز القلم طلبا للمزيد، لكنني لم أعثر بعد على رد أو تعليق يعتق خاطري من مرارة السؤال والحاحه، ويمنحني قناعة تشدني الى الكتابة أو تصرفني عنها, ولذا، لم أر بدّاً من طرح السؤال عبر هذا الحديث ومحاولة الرد عليه,, ردا يبقى من وجهة نظري موقفا,, يسَّوغ لي الاستمرار في هذا السبيل!.
***
سأتعامل مع السؤال في ضوء الفرضية التالية: إن كانت الغاية من الكتابة تجسيد رغبة صاحبها في اقتحام ساحة الشهرة فحسب، فأولى له ثم أولى أن يعيد قلمه الى غمده، أو يكسره، أو يقذف به في عرض البحر، لأسباب عديدة منها:
أولا: أن صناعة الكلمة موقف ومسؤولية، وليست جرسا يستوقف به صاحبه الأسماع وقبسا يستنفر عبره الأبصار!.
***
ثانيا: ان الشهرة ليست غاية، بل محصلة التعبير عن موهبة الابداع في فن من الفنون، وهنا، تسعى الشهرة الى صاحب العطاء الفذ سعيا، وحين قال المتنبي رائعته: أنام ملء جفوني عن شواردها ، لم يكن يبتغي الشهرة، لأنها كانت تسابق الريح اليه، ولأن قصيدة كهذه وغيرها جعلت السلف والخلف، ونقادا، يلوون الأعناق اليه اعجابا ونقدا، فصار مشهورا رغم أنفه، ورغم كل الظروف التي كيفت القصيدة، مناسبة ومضمونا، وحين صاغ بيتهوفن سيمفونياته التسع وغيرها، لم يكن يسعى الى الشهرة، بل سعت اليه الشهرة بعد ان غزا نغمه الآفاق!.
***
وأذهب الى أبعد من ذلك فأقول لو أدرك الناس بأس الكلمة، مقروءة أو مسموعة، لترددوا كثيرا في كتابتها، لأن نتيجتها لا تخلو أن تكون واحدا من أمور ثلاثة:
* فإما أدانت صاحبها إدانة تنزله درك الحضيض!
* وإما سمت به سموا يرقى به الى فردوس الخلود!
* وإما انصرف الناس عنه، لا حبا ولا كرما، فكان كالزبد يذهب جفاء!
***
وبعد فإن الكتابة عندي عشق ليس كمثله عشق، أشقى به وأنعم في آن، ولو لم تكن كذلك، ما نازعتني اليها نفسي,, ولا كلف بها خاطري!.
وهي موقف قبل ان تكون معاقرة للحرف!.
وهي صراط انقل عبره هاتف النفس عندما يوقظها هاجس الحب لهذا الوطن: كيانا وانسانا وقضايا!.
وهي، أولا وأخيرا مسؤولية تُعلَّق بزمام الذمة، فإما أن يكون فاعلها أهلا لها أو فليدع الفرصة لغيره، فالصمت هنا موقف وحكمة، وهو قول فصل يقصر دونه كل بيان!!.
عبدالرحمن بن محمد السدحان

رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
المتابعة
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
الطبية
تحقيقات
مدارات شعبية
وطن ومواطن
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved