اعجاب
غنى في احد المخيمات بعزف رديء وصوت يملؤه الخوار واداء لا يرتقي لاي درجة جمالية ومع نشوة السمر قال له انت فلته وصوتك يهبل والآخر همست له احداهن وقالت له: يا زينك وبعدها ابتدى المشوار وظل هاجس جمع الحسناوات متعمقاً داخله الى ان وجد الطريق او الباب الوردي المزين لدخول عالم الاضواء وتناسى ان الفن موهبة قبل اي شيء.
ما بعد الاعجاب
وبعد ان اعجب بنفسه وصدق من سخروا عليه وقالوا له يا فلتة بحث عن اقرب شركة انتاج من بيته وقدم نفسه وقالوا له - هم ايضاً - انك فلتة زمانك ونحن سنصنع منك النجم الأوحد في ساحة الغناء.
الصعود ثم الهبوط
انتجوا له شريطاً ووضعوا له عنواناً ملفتاً - وكان من المفرض ان يسمى بخرابيط - وانتشر وشعر بكلمات الاطراء وتقمص دور الفنان وعرف بعضاً من الماركات العالمية ولبس الساعات المرصعة وركب السيارة الفارهة وشعر بأنه طلال مداح او محمد عبده في قمة نجاحه وخاطبه الناس بلقب الاستاد فلان - أو علان وهي الأنسب - وبدأ البرستيج يأخذ نصيبه فالمواعيد هناك من يرتبها واللقاءات لها سكرتيرها الخاص والحفلات لها المنسق الخاص وكل هذا بشريط واحد تافه ولا يمكن ان يكون الا شكشكة .
لقاءات
وعندما تقوم احدى الاذاعات او الصحف بلقاء مع هذا الفلته تكتشف مدى ضحالة فكره وان هذا الفنان ما هو الا ديكور فارغ لا يمكن ان تناقشه حتى في سلق البيض والأعظم عندما يتصل به احد المعجبين او المعجبات تجده يبتسم ويقول: شكراً,, شكراً واعدكم بالمزيد، فنصرخ لا,, لا,, لا, ارجوك كفاية زعيق ونهيق، وعندما يتحدث الفنان علي مفك عن اعماله وعن الشاعر المبجل سعد خرشه ويكيل المدح للملحن فتحي جلمبو - وهم من ابناء المخيم - تجد تلك الثقافة الموسيقية الغاية في السذاجة فمعلوماته لا تتعدى معرفته بايقاع الدوسري وذلك لكثر ما تغنوا به في احدى الاستراحات والا لما كان معروفاً لديه اما عن برنامجه اليومي فتعالى معي نبحر فيه.
- يستيقظ مبكراً ليتناول الكرواسان والكورن فليكس مع عصير البرتقال ثم يقرأ الصحف، ويمارس رياضة اليوجا احياناً ثم يتجه لمكتبه ويعود ظهراً للغداء ثم النوم ثم الاجتماع ببعض الاصدقاء وقراءة قليلاً من روايات نجيب محفوظ وينام مبكراً.
ويصدقه الناس وهم لا يعلمون ان اليوم يبدأ عنده منذ الساعة التاسعة مساء ومن ثم يتجه لاحدى الاستراحات او احد المخيمات (وهاتك يا صراخ) الى ساعات الصباح المتأخرة ومن ثم النوم مجدداً (وانا لو منه) كان قلت هالبرنامج على الاقل بسرعة وما يأخذ وقت وانا اقوله وانفضح قدام الناس.
- الشهرة,, البطالة,, لقمة العيش:
قد تكون الشهرة هي المحرك او الدافع ولكن لا ننسى دور البطالة والبحث عن العيش كأسباب رئيسية في دخول هذا المجال، فالكثير ومن خلال معايشتي ومعرفتي بهذا الوسط اتضح لي ان بعضهم لا يفكر بالشهرة بقدر ما يفكر بالمال الوفير ويفكر بأن الفن لا يحتاج الى دوام وتعب والاستيقاظ مبكراً والوقوف في الاشارات والدنيا قيض فالغناء اسهل واكثر راحة وأوفر مالاً فلماذا لا يخوض التجربة حتى وان كان لا يعزف حتى على الطبلة .
* ما بعد عام 1990:
نلاحظ أن بعد العام 1990 شهدت الساحة الغنائية ولوج المئات وقد تصل الى الألوف من الفنانين - وكم استكثر عليهم اسم فنان - وكأن الغناء هو المجال الوحيد الذي ممكن ان يمارسه اي انسان ولا ادري ما السبب في ذلك هل هو الفراغ، هل هو حب البروز او هل هي صدمة وعيهم الفقير وانكشاف امرهم في ظل الثورة المعلوماتية والانفتاح الاعلامي الذي اصبح وبكبسة زر واحد ينقلك لقارة اخرى مليئة بالثقافات والفن الذي نستطيع ان نقول عنه انه راق وأصيل!!.
الوعي لدى المتلقي
بالرغم من انتشارية هؤلاء المخربطين تجد ان هناك قلة وللأسف اقول قلة لا تتجاوز الواحد في المائة لا يسمعون هؤلاء الفنانين ولكن أليس من المفروض ان يحارب هؤلاء القلة هذا الفن الرديء حتى ولو بالنصح فانا اتمنى ان يمدوا جسور التخاطب مع قصار الوعي وتنمية حب الفن الراقي والأصيل، وهذا مطلب اجتماعي فالأغنية موصل خطير لافكار وثقافات الشعوب ولا بد ان نحاول ايضاح مدى خطورة دخول الاغنية الرديئة للبيوت واقتحامها اذان اطفالنا اذن لا بد ان نحارب ونعلن الحرب على هذا الفن المتخبط الردىء!!.
دور شركات الانتاج
شركات الانتاج هي التي تملك فرض الذائقة للأسف فهي تستغل قصار الوعي لتنشر بنيهم اغنيات مليئة بالاسفاف والكلمات الرديئة والالحان الفارغة والاصوات النشاز ولكن هذا لا يمنع من وجود شركات ما زالت تحافظ على نوعية جيدة من الاغاني وتحاول تطوير التراث بشكل يحفظ جماليته والبعض الآخر لا يفكر لا بأغاني رايقه وتجنن او اغاني زاريه او حتى اغاني تسمى شكشكه وللاسف هناك من يندفع لشرائها.
كلمة للفنانين
كل شاب يفكر بدخول الفن وساحة الغناء لا بد ان يفكر في عدة امور اهمها:
- الموهبة فهل انت فعلاً تملك صوتاً جميلاً افضل من الموجود في الساحة.
- هل تملك ثقافة موسيقية وسعة اطلاع فني.
- هل تجيد العزف او حتى قراءة النوتة او لنقل تستطيع ان تفرق بين النشاز والاداء السليم.
- هل لديك قدرة على معرفة اوزان الشعر وبحوره والقدرة على اختيار نصوص جيدة على الاقل.
- هل فكرت بالدراسة وصقل موهبتك اذن لا بد ان تفكر جيدا في كل هذه الأمور والشروط (لو فرضنا انها شروط).
نعم هذه هي مواصفات الفنان الذي لا بد ان يعرف مدى اهمية الخطوة المقبل عليها ولا يفكر لا في ربح مادي ولا شهرة.
ومن ثم عليه ان يحب ما يقدمه وان يكون صاحب فكر وقضية وهاجس يعبر عنه من خلال فنه وفعلاً متى ما توافرت فيه هذه الامور عليه بالبحث عن ملحنين وشعراء لهم باعهم الطويل ويعرض عليهم فكرة دخوله لساحة الغناء.
ختاماً
على كل فنان قراءة هذه المقالة ان يعرف ان اغنيته ستدخل كل بيت (حتى بيته) فلا بد ان يقدر ذلك وان كان ممن يصرخون (ويزاعقون) عليه ان يريحنا من خرابيطه ويبتعد لنهاية العمر!!!.
ابراهيم بن سواد