في قصص أسماء الحسين سرد ينزع للشعرية، ويحاور الممكن,. عبد الحفيظ الشمري |
القارىء لمجموعة أسماء الحسين القصصية والتي وسمتها بعنوان الحلم الذي تمنيت تتكون لديه قناعات وتصورات مبدئية تنبع من وضوح الطرح السردي في القصص لينقسم التصور الى قسمين هما (الشعرية والمشهد), اذ لا يمكن للقارىء ان يتجاوز اي نص دون ان يدرجه في هذا الاطار المحتمل لتتجسد هذه الرؤية في القصص الاولى من المجموعة في قصتي (الهجرة) و(لقاء في العاصفة) فيما جاءت (خبيئة الأقدار) وهي القصة الثالثة في العمل خارجة عن نسق المفردة السردية الفضفاضة ليصبح الراوي امام مشهد انساني عميق ومقتضب يتجسد بالتتبع الدقيق للمفارقة بين الموت والحياة,, تلك الجدلية العميقة التي لا تنتهي ابداً اسئلتنا حولها ليعجز العقل عن فهم كنهها والتقاط تفاصيلها,, لكن هذه المحاولات من الانسان في القصة لم تثمر,, بل لم تزد حيرة الراوي فقط بل انها ساهمت في خلق ضبابية ضاربة.
وحده الايمان ببساطة الانسان وشفافية الاحداث هما البعد الحقيقي لتشكل النص اذا اصبحت عناصر السرد متعاضدة في فضاء القصص التي كونت المجموعة.
دراما الأحداث
في فضاء قصة التحليق في مملكة الغربان المجموعة (ص 54) تتولد في تفاصيل السرد طاقة هائلة من اغاني الفجيعة والخوف من المجهول لتثقل النص بلواعج الهموم حتى ان النص يدور على مفصلات الوحدة، الخوف، الخيانة الزوجية، الغدر مخلفاً وراءه صورا متداخلة لا يختلف بعضها عن الآخر لتنجح القاصة في دفع شخوص قصتها الى قول الحقيقة في اشكالية تحيط بالبطل او الشخصية الرئيسية في السرد لكنها تخلف في هذا الاطار مشهداً انسانياً مفجعاً يصور هذا الاختلاف الوارد على انه عذاب لا يمكن الخلاص منه لتقيم فضاء هجس يثير في الذات حاجتها للبكاء.
وتتواصل نبرة الحزن في قصص اخرى تلي هذه القصة ليقف القارىء على قدرة القاصة اسماء الحسين على ربط هذه الهواجس المفاجئة التي ستحول الفرح في قصة موعد مع الدموع (ص 66) الى ما يشبه المأساة لتصبح قدرة الراوي كبيرة على فهم الشخصية الوحيدة في العمل اذ لم يشر حتى لأي احتمال يبعث الدفء على العلاقات الانسانية التي يكشف جزء من تفاصيلها في ليلة فرح لم تجد الانثى المجهدة اي صورة للفرح الذي يتشكل في اعماقها ليبقى الليل هو الأقرب الى ذاتها المجهدة من سهر مؤرق.
حلم يؤزم فضاء السرد
(الحلم الذي تمنيت (ص 74) قصة حملت اسم المجموعة ووثقت صلة القصة بما يجيش في ذات الراوي والشخوص من غضبة أليمة اخذت عليهم فرصة التأمل بواقعية اذ تجرد الحلم في هذا المنجز الى مشهد بانورامي يصف حياة البطل ويتنقل بين محطة واخرى دون ان يترك للشخصية فرصة المشاركة من خلال تدوينات التقاطية لأهم الأحداث التي يحتاجها القارىء,, ليكون المشهد القصصي مشبعاً بفيض من الاحتمالات والتداعيات والمشاهد والحديث الجريء عن الذات في لحظة مواجهة حقيقية,, وهذا ما عجز عنه الراوي لحظة سرده لأحلام البطل في القصة.
قصة الحلم متواليات مشهدية تقريرية ترصد اللواعج والتفاصيل الاجتماعية التي تنطلق منها الرؤية ليكون الحلم اكثر شمولاً وليخفي معه اهم التفاصيل وأدقها تلك التي تحقق التوق المطلوب لمتابعة احداث هذه المشاهد.
تنتهي القصة في تقرير اجتماعي مالوف لا ينصف ولا يضع الأمور في اطارها الصحيح ولا يترك للانسان المتألق ان يعبر عن عالمه بما يراه مناسباً من لواعج واستدراكات على هذا الواقع المتناقض.
يلامس الراوي في المجموعة اطراف الحقائق ويقدم المسلمات لتشير اصابع السرد الى ان هناك من هو مريض، وممدد على السرير لينتهي الأمر عند هذه الحدود دون أن يكون هناك اقتراب وملامسة حقيقية لحالة المريض تجعله مهيئاً في احسن الأحوال للحديث عن ذاته واهوال مرضه وعنائه الى ما الى ذلك من حشد تجسيدي يسهم في بناء المشهد القصصي ليكون الاقرب الى لغة التناول.
روي على الحياد يهجس بود
من هنا يمكن لنا ان نقف على قصتي (المزهرية) (ص 150) و(لقاء حلم) (ص 161) بوصفهما ملامسة لواقع ما اشرنا اليه آنفاً اذ ان في القصتين ملمح البناء القصصي المتكامل لكن هناك ما يجعل الأمر شاملاً يصعب على القارىء للقصة القصيرة ان يحتوي احداثه ويدرك كنه تفاصيله.
فأسلوب القاصة (اسماء) اضحى متجلياً يشير الى الأحداث بلغة شعرية مفعمة بالود، والصدق، والعفوية تلك التي يجعل الراوي على الحياد في رسم تفاصيل مشاهد أي قصة تكتبها القاصة على لسانه لتعبر الاحداث فوق جملة من الضرورات البنائية رغم تناهي صغرها,, ليظل البطل مأخوذاً في التفاصيل الكبيرة, العالم، الحرية، الليل، الظلم، الحب، الحزن، الموت، المجتمع، الرحيل وما الى تلك القضايا المدوية تلك التي لا تترك لبعض الشخوص في العمل فرصة التقاط التفاصيل الدقيقة داخل كل منجز من هذه القائمة فالحرية مليئة بالمشاهد التي تكفي لأن يكتب القاص في جزئية منها وكذلك الموت، ولغة الرحيل، وصفة الظلم والعناء,,ربما هذا ما نستدركه على (الكاتبة) بوصفها متمكنة من استدراج هذه المشاهد نحو القارىء ولكن بشيء من حشد الرؤى والتفاصيل وهذا ماتمثله قصة (الاسم المستعار) (ص 140) في المجموعة والتي انبنت على جملة من المفاهيم المتلاطمة والمتشابكة التي وفرت مناخاً ملائماً لاقامة مثل هذه الحواريات المطولة.
واعتمدت القاصة على اسلوب آخر قدمت به مشروعها السردي يتلخص في اضفاء طابع الحوارية الممكنة, تلك التي تجسد الحضور الفاعل لهذه الأحداث الحاشدة ليصبح المشهد القصصي مغموراً في فضاء الحوار المتسق ومشهداً خاصاً ينمي لغة الأحداث لكنه لا يشارك على الاطلاق في رصد واقتفاء حساسية اللغة القصصية المطلوبة,, ليظل هاجس البطل مرهوناً بما تمليه عليه لحظة التأمل والوصف الذي لا يقف عند الأحداث كثيراً بل يصفها بشيء من التلخيص والاختزال ليصبح المشهد عبارة متسقة تصل البداية بالنهاية دون ان تحدث دويها المعبر.
تبقى قصص المجموعة حول هم المجتمع ذلك الذي يشغل بال الانسان الواعي والذي تمثله القاصة اسماء الحسين، ذلك الوهج المعرفي النابع من متابعة واهتمام بما يدور في ساحة المجتمع ويحتاج الى معالجة ومتابعة مناسبة تسهم في خلخلة جموده.
إحالة:
* الحلم الذي تمنيت (قصص).
* اسماء عبد العزيز الحسين.
* دار الجسر - الرياض - 1419ه.
|
|
|