Thursday 6th May, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الخميس 20 محرم


ليس إلا
لمن تقرع الأجراس؟

نظر الى وجهها، الفاصل ما بينه وبين النار, كانت منحرفة في كرسيها الى الوراء، وكان ضوء النار يتألق على أسارير محياها العذبة، وكان في ميسوره ان يرى النعاس يداعب عينيها.
- كنت أكتب, ولكني تعبت .
- أتظن أنك قادر على النوم؟ .
- من غير شك, لماذا لا تأوين الى الفراش؟ .
- أحب أن أجلس هنا معك .
- هل تحسين بأيما شيء غريب؟ .
- لا, ولكني ناعسة بعض الشيء .
- أما أنا فأحس بشيء غريب .
لقد استشعر في تلك اللحظة ان الموت يقترب منه مرة أخرى.
هكذا يتعامل الكاتب الأمريكي ارنست هيمنجواي مع نصوصه بطريقة موضوعية تميز بها دون غيره من الكتاب حتى اصبح من أشهر الأدباء الأمريكيين على الاطلاق في القرن العشرين.
هذا الأسلوب الجديد الذي اختطه هيمنجواي لنفسه في ذلك الوقت يعتمد أساسا على استخدام الفعل في الجملة البسيطة والسهلة جدا، مع التقليل قدر الامكان من الصفات والظروف، لأن هيمنجواي يعرف ان الصفات تضلل القارىء وتجعل الجملة مرنة ضعيفة لا تضاهي قوة ووضوح الجملة التي تعتمد على الفعل.
لهذا السبب، تجد بعض الكتاب يسهب في استخدام الصفات في جمله بشكل يؤثر على الحدث في القصة والذي يعتمد - أي الحدث- على الفعل بصورة رئيسية، فيخسر الكاتب قراءه دون ان يعرف الاثنان سبب ذلك.
هذه الطريقة التي يكتب بها هيمنجواي تعتمد بشكل كبير على القارىء لأنه هو الذي يسمع ما تقوله الشخصية ويرى ما الذي تفعله دون ان يتدخل الكاتب في تفسير وتوضيح ذلك, أي ان الكاتب مقيد الى حد كبير عندما يستخدم هذا الاسلوب الصعب، فهو لا يستطيع ان يغوص في أعماق الشخصية ويفضح نواياها المستترة وانفعالاتها الكامنة، وانما تقتصر مهمته فقط على تصوير ما يحدث خارجيا من افعال ومشاهد وتسجيل ما يسمع من أصوات وعلى القارىء بعد ذلك ان يستنتج في ضوء هذه المعطيات ما يشاء من تفسيرات.
ولكي يتجنب الكاتب الذاتية والعاطفية والمبالغة في الزخرفة الأدبية الزائدة فانه لا مفر من استخدام المحادثة أو الحوار في نصوصه وهذا ما فعله هيمنجواي في جميع قصصه وكما يبين المثال المقتبس من أحد اعماله.
لكن الشيء الجديد هنا، والذي لم يكن يخطر على بال أحد، هو ما تناقلته وكالات الانباء مؤخرا من أخبار تفيد بأن هيمنجواي كان يعمل لحساب CIA الأمريكية وهو أمر قد ينقص من هيبته الأدبية الشيء الكثير، لكن هذا الخبر له ما يعززه ويثبت صحته، من وجهة نظر شخصية في أربعة شواهد.
أولا، الطريقة الموضوعية التي يكتب بها هيمنجواي أعماله الأدبية لا يمكن ان تكون إلا ما يحتاجه من يعمل في تلك المؤسسة الأمريكية, فالقصص والروايات التي يكتبها تكاد تخلو من أي تدخل ذاتي وتتمتع بمقدار كبير من الحيادية والموضوعية.
ثانيا، حياته الصاخبة المليئة بالمغامرات العسكرية في الحرب العالمية الثانية ومشاركته في مهمات حربية كثيرة جدا في انجلترا واسبانيا وفرنسا.
ثالثا،عمله الصحفي الذي يجبره ان يكون موضوعيا في متابعته للأحداث، اذ كان كثيرا ما يستخدم عمله الصحفي كمراسل حربي للعديد من الصحف في أوقات متفاوتة كغطاء يخوّله الدخول الى عالم العسكرية والحرب.
رابعا، الطريقة التي مات بها والتي عادة ما ترتبط بالعمل في مثل تلك المؤسسة الأمريكية والتي قد تخلق لديه نوعا من الازدواجية التي لا يتحملها كما انه لا يمكن ان يبوح بها في ذلك الوقت.
تُرى، أيهما اثّر على أعمال هيمنجواي الأدبية؟ عمله الصحفي الذي يتطلب منه الموضوعية والتجرد أم عمله الآخر الذي لم نعرفه إلا بعد ثمان وثلاثين سنة من وفاته؟!
هذا لا يعدو ان يكون إلا تساؤلا فقط، ليس إلا!.
خالد العوض

رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
فنون تشكيلية
مقالات
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
القرية الالكترونية
المتابعة
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
تحقيقات
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved