المكان: المكتبة العامة.
الزمان: قبل أيام.
المشهد: شاب يقلّب صفحات معجم البابطين للشعراء العرب المعاصرين حتى يكاد يمزقها، وينتقل من المجلد الأول الى المجلد السادس حتى يكاد ان يسقط تحتها ويموت كميتة الجاحظ!.
يقترب منه شيخ في ملامحه تقاسيم الأزمنة الشاعرة، وعلى هيئته غبار الثقافة العربية المتراكمة,, ويبدأ مع الشاب في هذا الحوار:
- عماذا تبحث يا ابني؟.
- أبحث عن عنوان شاعر.
- لاتقل شاعرا يا ولدي، فهذه الصفة كبيرة جدا على من تبحث عنه في هذا المعجم.
- بل أؤكد على شاعريته، إنه أستاذ لجيل كامل من الشعراء.
- أيّ جيل؟
- الجيل الجديد.
- إيه، قد يكون!.
- قد يكون ماذا؟.
- قد يكون شاعراً.
- انه أدونيس يا رجل.
- أدونيس ال,,.
- لا يا شيخ، أودنيس شاعرنا العربي الكبير، المرشح الدائم لجائزة نوبل في حقل الآداب.
- كلمة حقل تشعرني بالراحة والاطمئنان عليكم، ولكن نوبل أليس هو الرجل السويدي من السويد، وليس من حي السويدي في الرياض الذي اخترع البارود؟.
- هو بذاته.
- وهل أسس جائزة عالمية؟.
- أسسها كفّارة عما قد يصيب البشرية من جراء الاستخدام السيىء لاختراعاته.
- إذاً هذه جائزة حقيقية، ومن تبحث عنه شاعر حقيقي؟.
- بالطبع!.
- بالطبع أنك لن تجده بين هذه الأوراق الفخمة والكثيرة، إنها أكثر من ملفات الموظفين في شركات كبرى!.
- ولكنه معجم يضم كل الشعراء العرب المعاصرين.
- الشعراء العرب لماذا؟.
- المعاصرين.
- يا ولدي، أنا عرفت الشعراء العرب في كل العصور,, منذ امرىء القيس حتى المتنبي، مرورا بشعراء صدر الإسلام فالعصر الأموي فالعباسي اغزر العصور الشعرية على الاطلاق ولم أجد أكثر من عشرة شعراء حقيقيين يجتمعون في عصر واحد - وهذا نادر- بل لو جمعت اسماء الشعراء الحقيقيين من كل العصور العربية لما وصلوا ألفا بغير اضافات وحشو! فكيف تريدني أن اصدق بأن عصركم هذا - وحده- يضم أكثر من ألف وسبعمائة شاعر حقيقي!!.
- فهذه أسماء من إذن؟.
- انظر الى الصور جيدا، وأنت تعرف أسماء من!.
- إذن أين أبحث عن الشاعر الحقيقي؟.
- ابحث عنه في الموانىء والمطارات ومحطات السكة الحديد، أو فتش عنه في ذاكرتك وسلوكك,, وصدقني: ان كان شاعرا حقيقيا،ومعاصرا، فسوف يجدك قبل ان تجده!
- كيف ذلك؟.
- كما وجدتك أنا يا ولدي.
- ومن أنت يا هذا؟!.
- أنا المتنبي!.
- فكيف عرفت باختراعات نوبل؟!
- ألم أقل لك إنني المتنبي!!
- ولكن المتنبي مات منذ ألف عام.
- بل هوالشاعر الحي الوحيد، على مسرح الشعر الجديد,, وهاهو الآن قد خرج من حدسك ليأخذ بيدك!.