أمشي مخفورا بي!!
لا يكف الصوت الثرثار الذي يصدر من داخلي من تنبيهي الى أشياء لا أريد ولا استطيع التنبه اليها, يفتح لي صفحة الأحزان فأزجره ويبتعد, ولكني أسير في دربي مخفورا بهذا الصوت الملحاح, نحن نصبغ حياتنا بألواننا المفضلة, لذلك حينما يتغير اللون ننقبض, نحس بالخطر, وتستوفز الأعصاب الدقيقة في مخنا الذي وصفته ممرضة فلبينية في مستشفى ما في يوم ما بأنه هؤلاء يملكون مخا صغيرا في رؤوسهم مشيرة الى مريض وربعه كانوا تكأكأوا عليها بأسئلتهم التي لا يدركون أنه لا داعي لها ولكنهم يقومون بأدائها كأحد طقوس المستشفى!, لماذا أتذكر المستشفيات؟! إن هذا أمر سيىء جدا في وضعي الراهن, إنني أختنق بالفراغ, امتلىء بالوقت الذي لا مبرر له, ولم أحس هذا اليوم بأية أهمية للنظر في ساعتي, ورغم أنني أشبه الجميع في الشوارع التي لابد من السير فيها, إلا أنني أحس بفرادة الحزن والاختلاف, أحس أنني لا أسوق بشكل جيد, كأنما أبواق السيارات تقصدني, كنت قد نهضت من نومة مكتظة بالأحلام الروائية التي تدور مجملها في أوساط المنفيين الذين أوصلتهم الكتابة لما وصلوا اليه!, واحتفظ بالمجلة التي كنت أقرأ فيها البارحة قبل ان يغتالني النوم الذي كم أعياني نشدانه منذ سنين ولم يلبني مرة واحدة!!
إن كيمياء جسدي أمرتني بأن أؤجل كل عمل, مهما كان, امرتني أن أجلس وأقرأ المجلة, وقرأت بعدها كل الصحف التي تجيئني صباحا, وخرجت عدة مرات لجلب مجلات جديدة, أكثرها تافهة جدا, في حياة كل منا عدد كبير من الأيام الشبيهة, المعتكرة, والمتشائمة, ومنا من لا يستطيع مقاومتها, يقف به الزمن في محطة لا يسير قطارها في موعده أبدا, رغم ان قطارات الآخرين تعمل بانتظام, هذا العطل الطارىء في حركة المرور بالدماغ وانقطاع موصلات التوافق والاندماج الذي يكلفك غاليا,, كم يحدث من مرة؟ لماذا يختار أوقاته بهذه الدقة؟, لذا كنت أمشي هذا الصباح مخفورا بي, أقوم بمهمات الخفارة بكل إخلاص, آلة, تسيرني أفكاري المتطايرة, بي ذلك الحزن الشفيف ولكن العميق, الموغل في القلب والدماغ, أشاهد ببرود صور الحرب في البلقان وصور المؤتمر الفلسطيني المنعقد لأجل إعلان أم عدم إعلان الدولة, افكر بأن الأمر لا يعنيني, مثلما ان الجميع لا يعنيهم أمري, ستنتهي جميع الحروب يوما ما!، الناس يريدون ان يأكلوا ويناموا مطمئنين أن لا أحد يمارس مراقبتهم وهم نيام, أو هم يتناولون الشاي ويتحادثون, ألا ترون أنه مطلب سهل؟!, لماذا إذن يعلن الجنرالات حروبهم؟, انصرفت عن التفكير في هذا الموضوع, لأن لدي موضوعي الخاص, لدي هذا الصوت الذي يرد على أسئلتي باجابات لا تسمن ولا تغني من جوع, فكيف اذن عاش جلال الدين بن الرومي؟!, ان تكون وحيدا في العالم, وحدك في المشهد الذي يشبه لوحة طبيعة صامتة متقنة!, الأصوات فقط تصير أحيانا, ولامعنى لها, مجرد أصوات!!, وحيدا كطائر زينة يجهل مصيره, أنت أيضا تجهل مصيرك وهذا هو الجحيم الذي تصطليه, إذن تابع سيرك مخفورا بنفسك, فعما ومن سيطلق الخفير سراحك, لتحكيه على المكان الذي جللك بالصمت, وتمشي!.
|