كنا نلعب الشطرنج ونقيم مباريات ساخنة ولمزيد من التطوير والتعقيد والتشويق كنا نشكل فرقاً متحالفة بحيث تلعب مجموعة ضد مجموعة وكل مجموعة تعين احدها مستشاراً يحق له التدخل لتقديم النصح لزميله الذي يلعب, وكان بيننا صديق من اشد المتحمسين للعبة يقرأ الكتب ويتابع المباريات الدولية الخ, وكان يقدم المشورة عند مواجهة الصعوبات والمواقف الحرجة والخطيرة لفريقه, في البداية تبدو اقتراحاته في غاية الذكاء والقوة، ولكن بعد نقلتين او ثلاث نقلات تتحول إلى كارثة, فأصبحنا جميعا نتهرب من الفريق الذي يقبله مستشاراً له فيما عدا شخصاً واحداً أصر على ان يستفيد من خدماته, وبالفعل تكشف صديقنا هذا عن ذكاء حيث قال انه افضل مستشار في العالم على اساس ان تسمع استشارته وتعمل عكسها تماما وبالفعل بدأ فريقه يحقق نتائج عظيمة حيث صار يتجنب اللعبات الكارثية المتخفية.
تذكرت مستشارنا هذا عندما قرأت مقالا للسيد قورباتشوف رئيس الاتحاد السوفيتي السابق يقدم فيه وجهة نظره في الهجمات الاطلسية على يوغوسلافيا, ويقرر بخبرته العظيمة! ان الهجمات على يوغوسلافيا سوف تعيد الحرب الباردة, وقد تضر بسكان اقليم كوسوفو ولن تنفعهم في شيء, وقد أفرحني هذا الرأي لأن معناه ان الحرب ربما كانت في مصلحة سكان كوسوفو كما يؤكد هذا الكلام ان الحرب الباردة لن تعود أبدا, فقورباتشوف مثله مثل مستشارنا في الشطرنج من الواضح ان استشاراته تعطي عكس مدلولاتها الظاهرة, ولا يعرف المرء بأي خبرة يستعين الزعيم السوفيتي الاخير عندما يطرح وجهة نظره, هل يستخدم خبرته كزعيم للاتحاد السوفيتي ام خبرته كمفكك للاتحاد السوفيتي ام خبرته بعد ان جلس في بيته بلا شغل ولا مشغلة.
عندما طرح كتابه البرسترويكا قرأه الناس على اساس انه الطريق الى انقاذ الاتحاد السوفيتي من محنته الاقتصادية والايدولوجية وانقاذ العالم من الصراع (الحرب الباردة) التي تقودها الرأسمالية, كان الكتاب يلمع بالافكار الرنانة, وأخذ الحالمون بالعدالة القادمة من الاتحاد السوفيتي يقرؤون هذا الكتاب ككتاب مقدس سينقذ البشرية من التردي وسوف يدخل العالم الجنة الموعودة.
أظن كتاب البرسترويكا هو أعجب وأطرف كتاب في العالم حيث تحول في غضون سنوات قليلة من اخطر كتاب في العالم إلى أتفه كتاب في العالم, ترجم تقريبا إلى كافة لغات العالم وتخاطفته الأيدي ليصبح بعد فترة وجيزة ما يساوي اربعة قروش, في كل مكتبة دخلتها في العالم في السنوات الاولى من سقوط الاتحاد السوفيتي اشاهده على رأس الكتب المخفضة جدا, فبعض المكتبات تورطت واشترت منه كميات كبيرة على أساس انه سوف يصبح من الكتب السياسية الشهيرة ككتب اسلافه ماركس وانجلز ولينين وهذا ذكرني ببعض اخواننا الاذكياء الذين اشتروا الليرة اللبنانية اثناء الحرب الاهلية على اساس انها بعد الحرب ستتحول إلى ذهب.
لايمكن ان أنسى حالة غوربي عندما اعلن زعماء جمهوريات الاتحاد السوفيتي المفكك انشاء منظومة جديدة تحت اسم دول الكومنولث حيث ارسل لهم رسالة تأييد وقد جاء ردهم مفعماً بالشكر ولكنهم ابلغوه ان هذا الاتحاد لايحتاج إلى رئيس لديه خبرة في التفكيك, وآخر نشاط له كان في إسرائيل عندما استقبله رابين وطار به على الجولان السورية كمكافأة له على تحميل اليهود الروس إلى إسرائيل فصرح بأنه يتفهم إصرار إسرائيل على الاحتفاظ بالجولان ظاناً ان اليهود يحفظون المعروف وسيدبرون له وظيفة في الولايات المتحدة بدل التنبلة .
لو كنت مسؤولا في شركة كبرى او رئيس دولة لما ترددت في تعيينه مستشاراً فكل شيء يقره اعمل عكسه تماما.
***
عشاق مضاوي :
إلى الاخوة القراء الذين كانوا ينتظرون بقية حلقات الحكاية المرحة (عشاق مضاوي) اعتذر عن عدم الاستمرار في نشرها, على كل حال هي اساسا ضمن مجموعة قصصية بعنوان (حكايات سعودية مرحة) وخيرها في غيرها إن شاء الله قريباً.
لمراسلة الكاتب
- Ll.-Al- E.Ma BAKEET* SUHUF.NET.SA
|