Thursday 13th May, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الخميس 27 محرم


ضحى الغد
هذا جيل لا فائدة منه!

تشاكينا الضيم مع الجار المقارب، ونحن عائدون من صلاة العصر، وقال لي: إن الأبناء اليوم يحيون الليل سهراً وإزعاجاً، ولا يملك الاب لهم منعاً ولا دفعاً!.
قلت له ضاحكاً: كلنا كذلك الآن ولقد كنا نهاب آباءنا هيبة شديدة، فلا نعصي لهم أمراً ولا نخالف لهم توجيهاً وكانت امهاتنا في اهتمام ودأب لراحة أزواجهن، يُطوعن المنزل كله لكي يستريح الزوج ويقر عيشه ويهنأ بطعامه وشرابه! كنَّ وكانوا كذلك، وقد نبت على أولئك الجيل (الرمث) أما نحن الجيل الذي جاء بعدهم، فإن الحال كما تعرفها واعرفها!.
وضحك جاري كثيراً من حكاية (الرمث) والجيل الذي اندرس ولعل صورة العفاء قد اعجبته فحكمت معه الطرفة فقال لي مواصلاً: أما سمعت بالحوار الذي دار بين جارنا وطفله ذي الخمس سنوات؟! قلت: له أسمع، فهات ما عندك!.
ضرب جارنا طفله الصغير على خطأ وقع فيه فلم يحتمل الطفل المدلل هذا الموقف من والده، ورد عليه قائلاً:
- عساك للموت!.
فنهره اخوه الكبير قائلاً له: الا تخاف ان يموت والدنا بسبب دعائك كما مات جارنا بالأمس! ولم ينتظر الصغير ليفكر بل عقب قائلاً:
- بل أفرح وأدق (عود)!.
وضحكنا كثيراً لقول هذا الطفل الصغير انه سيدق (العود) أي سيطرب ويغني على وفاة الوالد المؤدب الطامع في بر ولده الراغب في اصلاحه أملاً في صلاحه!.
وقلت لجاري المتعجب: لقد امهله (سَنَة)! كان على الأب أن يذبحه حين أتم الأربع سنوات! وفتح الجار فمه واسعاً متعجباً وهو يقول: يذبحه! يذبح ابنه، لم افهم ما تعني!.
قلت له:
كان في مدينة (بريدة) شيخ ظريف، ابتلي بعقوق الأبناء، وذات يوم قال لصديقه: ان الطفل في السنوات الأربع، مشروع جميل يطربك ويفرحك بعجاريفه ومكسراته ومغاغاته وبراءته ووداعته! لكنه اذا استكمل الأربع سنوات بدأ في مرحلة العقوق والأفضل ان تذبحه بعد هذا السن مباشرة حتى لا ترى منه عقوقاً يميتك قبل الأوان!.
في تلك اللحظة كان جاران يقفان علينا ويسلمان ويدركان طرفاً من حديثنا، قال أحدهما: هل بلغكم خبر الطفل ذي الخمس سنوات الذي جاء بالشرطي لوالده! فرددنا عليه: ما بلغنا شيء من ذلك، فهات ما عندك! فعقب يقول: ضرب احد التجار ولده ذا الخمس سنوات ليؤدبه على خطئه، ثم تركه وانشغل بتجارته، في تلك اللحظات مضى الطفل الصغير الى (رجل الأمن) المسؤول عن الأمن في السوق وأخبره أن رجلاً ضربه، واقبل معه، ثم اوقفه على والده، واشار اليه: هذا الذي ضربني!! فكان خبره ذلك طرفة أهل السوق!.
ولم يتركنا الجار الآخر لنطرح تعليقاتنا على هذا الخبر بل تناول طرف الحديث ليصله بخبر اعجب واملح وقع له شخصياً مع طفله، يقول: سافرت بأسرتي الى المنطقة الشرقية وهناك عبرنا (جسر الملك فهد) المتجه الى دولة البحرين وشاهد طفلي الصغير ذو السبع سنوات البحر وهيبته والجسر وخطورة العبور من فوقه وبقيت صورة هذا المشهد المخيف في ذاكرته!.
وعدنا الى بلدتنا وانقضى الصيف وقدر لي ان اتزوج بزوجة ثانية، ومرت اشهر على اسرتي اضطربت احوالها لمقاومتها الوافدة الجديدة، وظل طفلي الصغير في صف امه يقاوم هذا التغيير بقدر امكانية عقله! وقال لأمه ذات يوم: اذاء جاء الصيف القادم يا امي سنذهب الى الدمام ونعبر (جسر الملك فهد) وسنأخذ معنا زوجة ابي!
وصرخت فيه امه: يا قليل المرؤة، يا غدار انت كأبيك سرعان ما تنسى المعروف وتنكر الجميل!.
فضحك الطفل، وقال لأمه المنفعلة: يا امي اذا عبرنا جسر الملك فهد القينا بزوجة ابي من فوق الجسر الى البحر!
وضحكنا كثيراً لهذا الطفل الذي يريد ان يلقي بزوجة ابيه في قاع الخليج (غياهب الجب)! مستغلاً (مرور السيارة)! حتى يخلو له وجه ابيه!.
وقلت لكوكبة الجيران المتحاورين، ليس في كل اخباركم وأملوحاتكم ما يفيد بصريح العلم والعقل ان هذا الجيل الناشىء لا خير فيه! بل ينبىء عن حقيقة أزلية قديمة انتم تعبرونها الآن اسمها (صراع الأجيال) لقد عثر علماء الآثار على حجر في مقابر الفراعنة نحت عليه احد مفكريهم مقالة قصيرة نعى فيها اخلاق الجيل الذي ترعرع في عهده وقال ذات مقالتنا التي نقولها الآن (هذا جيل لا فائدة منه)! وستقولها الأجيال الغاربة للأجيال الشارقة ما بقيت سنة الاستخلاف في الارض وحقيقة انه لا ينشأ جيل الا وقد اكل عمر جيل!!.
عبد الكريم بن صالح الطويان

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
فنون تشكيلية
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
استطلاع
العالم اليوم
مئوية التأسيس
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved