Thursday 13th May, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الخميس 27 محرم


إضاءة
د, فهد حمد المغلوث

يواجهنا في الحياة الكثير من المفاجآت غير السارة والانطفاءات فتلجمُنا عن الكلام وتعيقنا عن التصرف العادي الذي تعودنا عليه بصفة يومية.
تداهمنا مشكلات عديدة وكثيرة لا قِبل لنا بها فتُحيلنا الى أشخاص آخرين لا نرضى ان نكون اياهم في يوم من الأيام أو حتى جزءا منهم!
تصادفنا إهانات شبه يومية حتى من اقرب الناس، قد تتعبنا نفسياً فتمسح شخصيتنا وتمحو هويتنا ولاتجعل لنا قيمة سواء أمام انفسنا او امام غيرنا.
ولكن,,.
ليس لأننا واجهنا انطفاءة واحدة أو اكثر في حياتنا، ليس معنى هذا أن تظل حياتنا سوداوية وقاتمة ورهينة تلك الانطفاءة، وليس معنى هذا الا نرى منها بصيص أمل وتفاؤل.
ليس لأننا واجهنا مشكلات كثيرة أثرت فينا سلبياً، أن نظل نسير في نفق مظلم ليس له نهاية أو حتى مجرد بصيص أمل للخروج من ذلك النفق المظلم لرؤية النور والخروج الى العالم الخارجي الواسع الذي نحن بحاجة اليه.
وليس لأننا ُنهان وننطفىء من الداخل أن نزهد في كل شيء ولانهتم بكل شيء ويستوي لدينا كل شيء.
لا يعني ذلك كله قتل الطموح لدينا ووأد الفرحة بداخلنا ونسيان الأمل الذي نعيش عليه، وتجاهل الاماني الحلوة والرغبات الجميلة المزروعة بداخلنا اصلاً والتي هي أساس الامل والرغبة في الاقبال على الحياة والاستمتاع بها بالطرق المشروعة التي أباحها الله لنا.
فالانطفاءة التي ربما قد فسرناها على أنها اساءة في حقنا او سوء فهم لنا من إنسان لانتوقعه كذلك في يوم من الايام، لاتعني ان تفسيرنا لما قام به صحيح ولا يعني ذلك ان تكون تلك الانطفاءة - لو حدثت - هي بداية نهاية مابيننا وبينه او مايسمى بالقطيعة او بداية وجود حواجز تحول دون متانة روابطنا، بل والأهم من ذلك لايعني زعلنا منه او عتابنا عليه ان نبتعد عن سماع الحقيقة منه او اعطائه فرصة لتبرير موقفه او حتى قبول اعتذاره بدلا من ان يلاحقنا ويتوسل إلينا لمعرفة رأينا، ذلك الحرص في معرفة رأينا او تقديم الاعتذار يعني اننا مازلنا نعني الكثير بالنسبة له ولايريد خسارتنا او التفريط بنا بسهولة.
قد يكون فهمنا لتلك المواقف المحبطة مبرراً بالنسبة لنا، ولكن كل ما هنالك انها مشاعر ذاتية وقتية لاتعني كل اسبابها أنها تنطبق علينا نحن دون غيرنا، ولا تعني عدم تقدير الآخرين لظروفنا الصعبة أو وضعنا المحرج ونفسيتنا المتأزمة.
نحن بأمانة صادقة يا اخوان بحاجة للأمل في كل جوانب حياتنا وفي كل وقت وفي كل الظروف مهما كان هذا الأمل بسيطا لأنه هو الاضاءة التي تضيء لنا طريق الحياة، وهو البلسم للكثير من الجراح التي تنزف منا وهو الحل للخروج من الكثير من المشكلات والهموم التي نعانيها.
ولكن لكي نوجد هذا الامل ولكي نزرعه في نفوسنا ونشعر به، ينبغي ان نزيل تلك الافكار الخاطئة بحق من يحبوننا ويخافون علينا ويسألون عنا ليطمئنوا علينا، ينبغي ان ندرك ان امثال هؤلاء الاشخاص الصادقين - بشهادتنا نحن - لم يتغيروا في مشاعرهم تجاهنا لمجرد تجربة بسيطة او موقف عابر, ولو كانوا كذلك بالفعل لما احببناهم بصدق وعفوية وفضلناهم على غيرهم واصبحوا هم كل شيء بالنسبة لنا، بل ينبغي ان نعرف انهم يحترموننا كما عرفونا أول مرة وربما اكثر لانهم شاهدونا عن كثب ولو من خلال الروح واحتكوا بنا عن قرب ولو من خلال تقارب الافكار وتآلف القلوب وعرفوا اننا وهم نسير على خط فكري واحد اساسه الحب الصادق والتقدير العميق والاحترام المتبادل.
وحينما يكون تفكيرنا صافيا ناصعا كشخصونا وقلوبنا، وحينما يكون الود والصدق هو سمتنا كرمزنا وطبيعتنا، وحينما يكون الخلود هو الشيء الذي نفكر به ونبحث عنه باستمرار لدوام حبنا، فحينئذ، لا نرى امامنا سوى طرقات مضيئة مشرقة لاتحدها حدود مكانية او جغرافية.
حينئذ، لا نرى امامنا سوى طرقات فسيحة نظيفة محاطة بالزهور والورود من كل جانب ولانشتمّ منها سوى عبق في كل مكان.
حينئذ، لانرى سوى اياد ممدودة بالحب والعطاء والتضحية تريد ان تأخذنا بالاحضان بكل لهفة وشوق، تريد ان تضع يدها في ايدينا كي تسير معنا جنبا الى جنب برغبة أكيدة نابعة منها حتى نبلغ بوابة الامل المنشودة لننطلق منها الى آفاق اوسع وارحب هي آفاق الحياة السعيدة.
ولابد ان تتأكد لدينا قناعات معينة، مفادها ان الامل يتجدد بداخلنا باستمرار من خلال ذلك الحب الصادق الكبير الذي نختزنه بين اضلعنا ونعطيه من يستحقه لنثبت له انه أهل له، كما نعطيه من لايستحقه علّه بذلك يعرف معنى الحب الحقيقي ويدرك ماهيته وبالتالي يقدمه هو الآخر لمن هم بحاجة إليه.
والأمل يتجدد بداخلنا من خلال نظرتنا المشرقة والحلوة للحياة والاشخاص والأشياء من حولنا, حينما نرى كل شيء امامنا وفي مقدمتنا لاننظر إليه على انه افضل منا او سبقنا في مجال ما أو أنه أخذ الفرصة منا، لاننظر لذلك الامر، من باب الغيرة والحسد او الاحباط، بل ننظر اليه كونه امامنا بمثابة الدافع لنا لتقديم الافضل والحافز لعدم الاستكانة للكسل، وننظر له بمثابة الموجه لنا الذي يريد ان يدلنا على بداية الطريق ويرشدنا إليه كي نصل الى مبتغانا بأمان وسلام.
وحينما نرى كل شيء خلفنا، لاننظر اليه على اساس انه سوف يطعننا من الخلف بكلام او نحوه او انه سوف يتجسس علينا ويحسب علينا حركاتنا ويعد علينا انفاسنا, بل ننظر اليه اما على انه سوف يستفيد منا ويقلدنا وبالتالي نكون قدوة حسنة صالحة له او على اساس انه حارس يحمينا ويقينا بعد الله سبحانه وتعالى من كل شر وينبهنا لمكامن الخطر التي قد ننزلق فيها دون قصد كونه يحبنا ويخاف علينا ويدعو لنا بالخير دون ان نراه او نسمعه.
وحينما نرى كل شيء حولنا ولاننظر إليه على اساس انه سوف يستغلنا مع من هم معه ويمنعنا من تحقيق رغباتنا وامانينا ويقيد حركاتنا، بل ننظر إليه على اساس أنه سوف يظللنا بحبه وعطفه وحنانه ويحتوينا على نحو يشعرنا بالأمان النفسي والعاطفي الذي نحن احوج مانكون اليه في هذه الأيام وفي هذا الوقت بالذات.
وهذه الإضاءة التي يبزغ ضوء نورها مع بارقة كل أمل جديد يتجلى في الافق،مع سماع اي خبر مفرح، مع تحقيق أي أمنية غالية ومع كل انتظار يعقبه شيء غال نتمناه ونتوق اليه، هي ماينبغي ان تكون بداخلنا.
وهذه الشعلة المتقدة بداخلنا، لابد ان يظل وهجها مستمراً ومضيئا كي تبدد ظلام الخوف الذي يداهمنا ويسيطر علينا وكي تشعرنا اننا في نهار دائم وضوء مستمر وحركة دؤوبة لاتفتر قوامها البحث عن الحياة ومقومات السعادة الحقيقية.
وهذا الايمان القوي بالله تعالى، وبكل مايصيبنا في حياتنا من خير او شر وبكل ما ينالنا من قضاء الله وقدره هو القاعدة الراسخة والمبدأ الأساسي الذي ينبغي ان نسير عليه ونهتدي به وهو الاضاءة المشرقة التي تميزنا عن غيرنا وترضينا عن انفسنا.
قد ننظر لمثل هذه الامور على اساس انها ادوية مسكنة وقتية لا يدوم علاجها طويلاً ولكن لو فكرنا قليلاً لوجدنا انه ليس هناك شيء دائم سوى وجهه سبحانه وتعالى وليس هناك من ديمومة سوى ديمومة العمل الصالح الخيّر الذي نبتغي به وجه الله عز وجل وبالتالي فنحن في بحث مستمر ومتواصل ومتعب طيلة الحياة للوصول الى تحقيق رغباتنا الذاتية ونجند لذلك كل طاقاتنا وامكانياتنا مهما كلفنا ذلك، فهل نستكثر على انفسنا بعد ذلك بعض الاضاءات التي بأيدينا ان نوقدها بانفسنا ولو لبعض الوقت؟
انها اضاءات الامل والتفاؤل والرغبة في الحياة وحب الآخرين والعيش بقلب صاف وعين قانعة واذن لايهمها مايقوله الناس وذوق رفيع يتحسس مواطن الجمال ومشاعر تقدر ماحولها,
اضاءات لاتكلفنا سوى ان نفكر بها بجدية ونوجدها برغبة اكيدة ونحافظ على استمرارها الى اقصى مدى ممكن ولنتذكر ان لحظات السعادة في عمرنا قليلة مقارنة بلحظات الحزن والنكد والمنغصات والقلق التي اصبحت سمة هذا العصر المتحضر.
همسة
حينما أجد من يلقي عليّ تحية الصباح,.
من يشرق يومي على صوته العذب,.
من تبتهج حياتي بطلّته البهية,.
اشعر بإضاءة غريبة!
تسعدني بكل من حولي,.
تحيل صباحي صباحاً آخر,.
* * *
حينما أجد من يلقي عليّ تحية المساء,.
من يضيء ليلتي بابتسامته الأخاذة,.
من يعطي لمسائي اجواء غير عادية,.
اشعر بإضاءة مشرقة,.
تبدد وحشة ليلتي,.
تسعدني بقية يومي,.
* * *
وحينما,, أكتشف ان ذلك الانسان,.
هو الصباح نفسه والمساء,.
هو الحب ذاته والوفاء,.
هو بعينه الود والصفاء,.
* * *
فحينئذ,.
لاداعي للتفكير,.
لا داعي للسؤال,.
لابد ان ذلك الانسان:
هو أنت,.
نعم أنت,, ولا أحد سواك,.
* * *
إنه أنت,.
لإنك الاضاءة التي تشعرني,.
بأنني وحدي من أمتلك هذا الكون!
وحدي من أشعر بالسعادة!
فما اسعدني بك,.
وما احوجني إليك,.

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
فنون تشكيلية
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
استطلاع
العالم اليوم
مئوية التأسيس
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved