Saturday 15th May, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,السبت 30 محرم


الشيخ ابن سبيل في خطبة الجمعة بالمسجد الحرام
فقد العلماء وحملة الشرع من أعظم المصائب وقعاً وأشدها خطباً

جدة - نايف البشري
أوضح فضيلة الشيخ محمد بن عبدالله السبيل الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف ان الله سبحانه وتعالى يبتلي عباده ببعض المصائب والرزايا تارة في أنفسهم وأولادهم وتارة في أموالهم وثمارهم ابتلاء منه وامتحانا لهم واختبارا لصبرهم وايمانهم ليتميز المؤمن الصادق في ايمانه والمؤمن بربه وبقضائه وقدره عمن سواه واشار فضيلته الى ان من أعظم المصائب وقعا وأشدها خطبا فقد العلماء العاملين وحملة الشرع البصيرين وقال لقد اصيبت أمة الاسلام اليوم بوفاة عالم الأمة وامام أهل السنة والجماعة في هذا العصر علامة زمانه وفقيه أوانه المجاهد في سبيل الحق والهدى سماحة الشيخ العلامة الجليل عبدالعزيز بن باز.
وفيما يلي الخطبة التي القيت يوم أمس:
الحث علىالصبر
الحمد لله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، المتصرف بخلقه كيف يشاء، لا راد لما قضى، ولا معقب لحكمه، جعل لكل شيئا أمدا، ولكل مخلوق أجلا، خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا ، أحمده سبحانه وأشكره على حلو القضاء ومره، وأشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يحيى ويميت وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، أرسله بالهدي ودين الحق ليظهره على الدين كله, اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.
أما بعد: فاتقوا الله عباده الله، اتقوه حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون واعلموا ان الله سبحانه وتعالى يبتلي عباده ببعض المصائب والرزايا تارة في أنفسهم وأولادهم، وتارة في أموالهم وثمارهم، ابتلاء منه وامتحانا لهم، واختبارا لصبرهم وايمانهم ليتميز المؤمن الصادق في ايمانه، المؤمن بربه وبقضائه وقدره ممن سواه، فإذا أصيب العبد المؤمن بشيء من المصائب ورضي بقضاء الله وقدره، وعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وسلم أمره الى ربه وخالقه، فإن الله يثيبه ويضاعف له الجزاء والأجر على صبره ورضاه، وفاز بالهداية من الله التي لا يعدلها جزاء، يقول سبحانه وتعالى (ومن يؤمن بالله يهد قلبه) قال علقمة: هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم، وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد ومسلم، عن صهيب رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وان اصابته ضراء صبر فكان خيرا له .
عباد الله: إن الله خلق الثقلين لحكمة بالغة خلقهم ليبلوهم أيهم أحسن عملا، خلقهم ليعبدوه وحده لا شريك له، ليخلصوا له العبادة، خلق الليل والنهار وجعلهما خزائن للأعمال يحصي على العبد ما له وما عليه ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ، خلق هذه الدنيا مزرعة للآخرة يفوز فيها المتقون ويخسر فيها الغافلون، إنه سبحانه لم يجعل هذه الدار للبقاء والاستمرار، وإنما جعلها دار ممر واعتبار، يزرع فيها العبد ما يحصده غدا، فإن زرع فيها العمل الصالح والطاعة فقد فاز باربح بضاعة، وان زرع فيها الشر والفساد، فيا سوء المصير، ويا بئس المهاد، وكل يعلم أنها ليست لحي سكنا،إنها سريعة الزوال، وشيكة الارتحال، ولقد قال الله لنبيه الكريم أعز الخلق عليه وأكرمهم لديه (وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد، أفإن مت فهم الخالدون) فالبقاء لله الواحد القهار (كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام) (كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور).
أيها المسلمون: إن من أعظم المصائب وقعا، وأشدها خطبا، فقد العلماء العاملين، وحملة الشرع البصيرين، فإن فقدهم ثلمة في الإسلام لا تسد، وقد قال بعض المفسرين على قول الله تعالى(أولم يرو أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها) قال: نقصها من أطرافها هو بموت العلماء والصلحاء، وقد أصيبت أمة الإسلام اليوم بوفاة عالم الأمة وإمام أهل السنة والجماعة في هذا العصر، علامة زمانه وفقيه أوانه، الداعية الى الله تعالى على علم وبصيرة، المجاهد في سبيل الحق والهدى، سماحة العلامة الجليل الشيخ عبدالعزيز بن باز فإن فقده مصاب أليم، وحادث جليل على أمة الإسلام تغمده الله بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته، وبوأه منازل الأبرار، مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا، وجزاه الله عما قدم للإسلام والمسلمين خير الجزاء، وعوض الله المسلمين بفقده خيرا، وإن مما يهون وقع المصاب ومرارة الحزن ان الله تعالى مكن لهذا الدين وقيض له علماء مخلصين، وفقهاء بصيرين، ولاسيما علماء هذه البلاد المباركة، يحملون رسالة الإسلام ويدعون إلى دين الله على علم وبصيرة، فبارك الله تعالى في حياتهم، وسدد على طريق الحق خطاهم، ومنَّ على الجميع بالصبر والاحتساب في الفقيد، وان مما يسلي المرء عند المصيبة ما روي عنه صلى الله عليه وسلم انه قال: إذا أصاب أحدكم مصيبة فليذكر مصيبته بي فإنها من أعظم المصائب .
عباد الله: ارجعوا الى ربكم وتزودوا من العمل الصالح ما دمتم في زمن الإمهال، قبل ان تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله، فانتبهوا من رقدتكم، وأفيقوا من غفلتكم، روى عن علي رضي الله عنه أنه قال:خطب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا أيها الناس كأن الموت على غيرنا كتب، وكأن الحق على غيرنا وجب، وكأن الذي نشيع من الأموات سفر عما قليل الينا راجعون، نبوئهم أجداثهم ونأكل تراثهم، كأنا مخلدون، قد نسينا كل واعظة، وأمنا كل جائحة .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون, أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون).
نفعني الله وإياكم بالقرآن الكريم وبهدي سيد المرسلين، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطة الثانية
الحمد لله الدائم بلا زوال، المتصرف في عباده باختلاف الأحوال، يثيب عباده الطائعين، ويجزل العطاء للصابرين، (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) أحمده سبحانه وأشكره على نعمه الظاهرة والباطنة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.
أما بعد: أيها الناس اتقوا الله تعالى واعلموا أن ما توعدون لآت وانكم في دار هي محل الغير والآفات وأنتم على سفر الى دار الآخرة، فتزودوا من دنياكم لآخرتكم، وتداركوا هفواتكم، بالتوبة والاستغفار قبل فواتكم، وان كثرة المصائب وتعدد الفجائع، وتنوع الكوارث، لأعظم معتبر، وأكبر مزدجر، إن فيها تذكيرا للمعتبرين، وانذارا للغافلين، والسعيد من وعظ بغيره، وأتعظ وراقب الله في سره وعلنه، وعرف أحوال الدنيا، وتقلبها بأهلها، ولم يغتر بماله وولده، ولا بصحته وشبابه، فكم أتت المنون بغتة، فعلى العاقل الناصح لنفسه أن يراقب ربه، ويستعد لما أمامه، ويقلع عن معاصي الله ويبتعد عن ظلم عباد الله، ويتوب الى ربه توبة نصوحا، قبل ان يغلق باب التوبة، قبل ان تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله وان كنت لمن الساخرين، أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين، أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين).
فاتقوا الله رحمكم الله واجتنبوا السيئات، وتسابقوا الى فعل الخيرات وصلوا وسلموا على خير البريات، فإن الله أمركم بذلك في محكم الآيات فقال عز من قائل (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما .
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد أزكى البرية أجمعين، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين، والأئمة المهديين، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان الى يوم الدين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وارفع كلمة الحق والدين وانصر عبادك المؤمنين، واحفظ إمام المسلمين، اللهم وفقه لهداك واجعل عمله في رضاك، وأيده بتأييدك، وأعز به دينك يارب العالمين، اللهم كن له على الحق مؤيدا ونصيرا، ومعينا وظهيرا، اللهم وفق ولاة أمور المسلمين لتحكيم كتابك، والعمل بسنة نبيك، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات، اللهم دمر أعداء الدين وسائر الكفرة المعاندين، الذين يصدون عن سبيلك ويعادون أهل دينك، اللهم انصر اخواننا المجاهدين في سبيلك وفي نصرة دينك، اللهم انصرهم على عدوك وعدوهم، اللهم سدد سهامهم، وآراءهم، اللهم أجمع كلمة المسلمين على الحق والهدى والبر والتقوى، اللهم مُنَّ عليهم بالاعتصام بحبلك المتين، وبشرعك المبين، (ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالايمان، ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم) ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار).
عباد الله: ان الله يأمر بالعدل والاحسان، وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتهم ولا تنقضوا الإيمان بعد توكيدها وقد جعلتهم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الثقافية
جبل الدعوة الى رحمة الله
الاقتصـــادية
القرية الالكترونية
المتابعة
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
تغطيات
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved