Saturday 15th May, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,السبت 30 محرم


سماحة والدنا إلى رحمة ربنا

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه وبعد:
يقول الباري جل ذكره (كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام) فكل من على وجه البسيطة سيموت ويفنى ولا يبقى الا وجه رب العالمين القائل في كتابه (الله لا اله الا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم) وفي آخر الزمان يكثر موت العلماء ويقبض العلم بموتهم كما قال صلى الله عليه وسلم: (ان الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى اذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا واضلوا) متفق عليه.
وفي يوم الخميس 27/1/1420ه فقد المسلمون في مشارق الارض ومغاربها عالما جليلا ومجاهدا مخلصا وعلما من اعلام الامة الاسلامية الا وهو سماحة الشيخ العلامة والد الجميع عبدالعزيز بن عبدالله بن باز المفتي العام للمملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء وادارة البحوث العلميةوالافتاء ورئيس المجلس التأسيسي لرابطة العالم الاسلامي عن عمر يناهز 89 سنة قضاها رحمه الله في الجد والاجتهاد والعمل الصالح وطلب العلم وتعلمه وبذله والدعوة الى الله والجهاد في سبيله وقضاء حوائج المسلمين ومساعدتهم والوقوف معهم رحمه الله وغفر له واسكنه فسيح جناته ونور ضريحه وانزله منازل الابرار وجمعنا به في دار كرامته ومستقر رحمته وجبر الله مصيبتنا واخلفنا خيرا منها واحسن الله عزاءنا وعزاء اهله واسرته وجميع المسلمين فيه وخير ما نقول (إنا لله وإنا اليه راجعون),وان كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لوفاة ابراهيم ابنه (ان العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول الا ما يرضي ربنا وانا لفراقك يا ابراهيم لمحزنون) فإنا وكل مسلم يقول (وانا لفراقك يا ابا عبدالله لمحزنون) والحمد لله على قضائه وقدره له ما اخذ وله ما اعطى نعم رحل والله ابو الجميع وابو المساكين والفقراء والارامل واليتامى فكم من مسكين مسح دمعته واواه وكفله وكم من ارملة فجعت في زوجها واساها وبذل لها من ماله الخاص ما يبدد حزنها ويخفف آلامها وكم من مسكين يتلوى جوعا وفقرا واساه الشيخ واعطاه وسد حاجته وكم من فقير لايجد سكنا يؤيه اسكنه الشيخ او دفع عنه اجرة السكن او كتب معه لاحد المحسنين لشراء مسكن له يؤيه واولاده وكم من مديون غارق في ديونه سعى له الشيخ حتى اوفى ديونه وتبددت احزانه وكم من اسرة متفرقة وأوشكت حياتهم على الانهيار والتشتت جمع الشيخ شملها واصلح ذات بينها حتى عادت السعادة ترفرف عليهم والانس يكسوا منازلهم وكم من قضية ومسألة شائكة احتار فيها العلماء والمشائخ ردت اليه فوجد لها سماحته مخرجا من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وكم من منكر برز وظهر وتبرم المسلمون والغيورون على دين الله منه احتفى واندحر بفضل الله وكرمه ثم تدخل الشيخ في انكاره والحيلولة دونه وكم من المسلمين في انحاء العالم وارجاء المعمورة بلغتهم دعوة الشيخ وعلمه وفتاواه ومساعداته المادية والمعنوية وكم من الايام صار حلقة ربط وواسطة خير بين العلماء والحكام والمواطنين والمسؤولين فهو محبوب من الجميع ومحل تقدير الصغير والكبير ومقبول الكلمة ومسموع الرأي ومستشار العالم والجاهل والامير والحقير وكم من الضيوف وعابري السبيل دخلوا بيته وحلوا بضيافته بالساعات والايام مستقبلين بكل حفاوة وترحيب من سماحته مكرمين بأكرم ضيافة وافضل لقاء على شتى طبقاتهم من اغنياء وفقراء وعرب وعجم ولله دره كم من الكتب الفها اذ بلغت اكثر من 210 مصنفا وكم من الكتب والمصنفات جمعها وحققها وخرجها وعني بها وكم من المقالات الاسلامية الصحفية والمواعظ المؤثرة والنصائح المفيدة والفتاوي القيمة نشرها وكم من الردود والايضاحات التي اشكلت على اصحابها بينها الشيخ وناقشها فاقر صالحها ورد زيفها وناظر اصحاب الاهواء والافكار الضالة فرجعوا الى رشدهم وصدروا عن قوله ونصحه.
وكم من المكالمات الهاتفية من شتى اقطار الدنيا من الداخل والخارج تطلب من الشيخ الجواب الكافي والرأي السديد استقبلها الشيخ ورد عليها ليلا ونهارا وصبحا ومساء لا يكل ولا يمل ولا يفتر عن خدمة الاسلام والمسلمين ونفعهم وايصال الخير اليهم في اي مكان.
ولله ما اعظم اجره وثوابه وما اعظم صبره وجلده وهو يجلس لطلاب العلم بالساعات الطويلة متصدرا دروسه المستمرة طوال السنة واغلب ساعات اليوم بعد الفجر وبعد المغرب يقرأ عليه الكثير من الكتب والمصنفات والمتون المطولة وهو يقف امام هذه المصنفات كالجبل الاشم مفتيا ومفسرا وموضحا بكل تواضع وحلم وصبر وسعة صدر حتى بعد انتهاء الدرس وهو في طريقه الى السيارة وفي حال ركوبه ونزوله ودخوله منزله لا تنقطع عنه اسئلة السائلين واستفتاءات المستفتين يجيبهم بكل ارتياح على الرغم من فقد بصره وكبر سنه.
فهو يستغل وقته في طلب العلم وتعليمه حتى وهو في السيارة وفي احرج المواقف لذا رفع الله مكانته بالعلم وشرفه به وقذف في قلوب الناس محبته له لان الله اذا احب عبدا حبب خلقه فيه، قال تعالى؛ يرفع الله الذين امنوا منكم والذين اوتوا العلم درجات) وقال عليه الصلاة والسلام (من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين) متفق عليه ، فرحم الله شيخنا وجعل الجنة مثوانا ومثواه, وسبحان القائل (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون).
وان سألهم عن مولد الشيخ ونشأته، فقد ولد رحمة الله في ذي الحجة سنة 1330ه بمدينة الرياض وكان بصيرا ثم اصابة مرض في عينيه عام 1346ه وضعف بصره ثم فقده عام 1350ه وحفظ القرآن الكريم قبل سن البلوغ ثم جد في طلب العلم على العلماء في الرياض ولما برز في العلوم الشرعية واللغة عين في القضاء عام 1357ه ولم ينقطع عن طلب العلم حتى وفاته رحمة الله حيث لازم البحث والتدريس ليل نهار ولم تشغله المناصب عن ذلك، وقد عنى عناية خاصة بالحديث وعلومه حتى اصبح حكمه على الحديث من حيث الصحة والضعف محل اعتبار وهي درجة قل ان يبلغها احد خاصة في هذا العصر.
مشائخه: تلقى العلم على ايدي كثير من العلماء ومن ابرزهم:
1 - الشيخ محمد بن عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن بن الشيخ محمد بن عبدالوهاب قاضي الرياض.
2 - الشيخ صالح بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن حسن بن الشيخ محمد بن عبدالوهاب.
3 - الشيخ سعد بن حمد بن عتيق قاضي الرياض.
4 - الشيخ حمد بن فارس وكيل بيت المال في الرياض.
5 - سماحة الشيخ محمد بن ابراهيم بن عبداللطيف آل الشيخ مفتي المملكة العربية السعودية وقد لازم حلقاته نحوا من عشر سنوات وتلقى عنه جميع العلوم الشرعية ابتداء من سنة 1347ه الى سنة 1357ه.
6 - الشيخ سعد وقاص البخاري من علماء مكة المكرمة اخذ عنه علم التجويد في عام 1355ه.
من تلامذته: درس على يديه كثير من المشايخ والطلاب فهم:
1 - الشيخ عبدالله الكنهل.
2 - الشيخ راشد بن صالح الخنين.
3 - الشيخ عبدالرحمن بن ناصر البراك.
4 - الشيخ عبداللطيف بن شديد.
5 - الشيخ عبدالله بن حسن بن قعود.
6 - الشيخ عبدالرحمن الجلال.
7 - الشيخ صالح بن هليل.
8 - الشيخ فهد الحمين.
9 - الشيخ عبدالعزيز القاسم.
10 - الشيخ عبدالعزيز الراجحي.
11 - الشيخ عمر العبيد.
12 - الشيخ عبدالعزيز السدحان.
13 - الشيخ سعد البريك.
14 - الشيخ احمد بن باز (ابنه).
15 - الشيخ محمد الشويعر وغيرهم كثير من طلبة العلم.
اعماله ومناصبه:
1 - القضاء في منطقة الخرج مدة طويلة استمرت 14 عاما واشهرا وامتدت بين سنتي 1357ه الى عام 1371ه.
2 - التدريس في المعهد العلمي بالرياض عام 1372ه وكلية الشريعة بالرياض بعد انشائها عام 1373ه في علوم الفقه والتوحيد والحديث.
3 - عين في عام 1381ه نائبا لرئيس الجامعة الاسلامية بالمدينة المنورة الى عام 1390ه.
4 - تولى رئاسة الجامعة الاسلامية في عام 1390ه بعد وفاة رئيسها الشيخ محمد بن براهيم آل الشيخ رحمه الله الى 1395ه.
5 - وفي 14/10/1395ه صدر الامر الملكي بتعيينه في منصب الرئيس العام لادارات البحوث العلمية والافتاء والدعوة والارشاد الى عام 1414ه وفي 20/1/1414ه صدر الامر الملكي بتعيينه في منصب المفتي العام للمملكة ورئيس هيئة كبار العلماء ورئيس ادارة البحوث العلمية والافتاء وله في جانب هذا العمل عضوية كثير من المجالس العلمية والاسلامية ومن ذلك.
1 - رئاسة هيئة كبار العلماء في المملكة.
2 - رئاسة اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والافتاء في الهيئة المذكورة.
3 - عضوية ورئاسة الملجس التأسيسي لرابطة العالم الاسلامي.
4 - رئاسة المجلس الاعلى العالمي للمساجد.
5 - رئاسة المجمع الفقهي الاسلامي بمكة المكرمة التابع لرابطة العالم الاسلامي.
6 - عضوية المجلس الاعلى للجامعة الاسلامية بالمدينة المنورة.
7 - عضوية الهيئة العليا للدعوة الاسلامية في المملكة.
ولم يقتصر نشاطه على ما ذكر فقط كان يلقي المحاضرات ويحضر الندوات العلمية ويعلق عليها ويعمر المجالس الخاصة والعامة التي يحضرها بالقراءة والتعليق بالاضافة الى الامر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي اصبح صفة ملازمة له.
مؤلفاته: فهي كثيرة جدا نذكر منها:
1- مجموع فتاوى ومقالات متنوعة.
2- الفوائد الجلية في المباحث الفرضة
3- التحقيق والايضاج لكثير من مسائل الحج والعمرة والزيارة (توضيح المناسك).
4- التحذير من البدع ويشتمل على اربع مقالات مفيدة (حكم الاحتفال بالمولد النبوي وليلة الاسراء والمعراج وليلة النصف من شعبان وتكذيب الرؤيا المزعومة من خادم الحجرة النبوية المسمى الشيخ احمد).
5- رسالتان موجزتان في الزكاة والصيام.
6- العقيدة الصحيحة وما يضادها,, وغيرها كثير من مؤلفاته.
وعالم وشيخ هذه سيرته وهذه آثاره ومورثاته حق لنا ان نبكي على رحيله ونحزن على فراقه ونقتدي به ونقتفي اثره ومحاسنه ويبقى حبه في قلوبنا وبين ضلوعنا داعين له بالرحمة والمغفرة والفوز بالجنة والنجاة من النار، وان يجبر عزائنا وعزاء اهله والمسلمين فيه وان يعوضنا خير منه، وخيرما نقول إنا لله وإنا إليه راجعون ولقد احسن من قال:
لعمرك ما الرزية فقد مال ,,, ولا فرس يموت ولا بعير
ولكن الرزية فقد شخص ,,, يموت بموته خلق كثير
ولقد صلى على جثمانه بعد صلاة الجمعة خلق كثير وجموع غفيرة لا يحصيها الا الله عز وجل يتقدمهم خادم الحرمين الشريفين الملك فهد (حفظه الله) وولي عهده الامين عبدالله بن عبدالعزيز (حفظه الله) وكثير من اصحاب السمو الامراء والمعالي الوزراء، واصحاب الفضيلة العلماء والمشايخ وطلاب العلم، والموطنون والمقيمون، يترحمون عليه ويدعون له بقلوب ملؤها الحزن والاسى على فراقه ووداعه الكل يريد ان يشارك في حمل جنازته ويلقي عليه نظرته الأخيرة مع كثرة المشيعين وشدة الزحام حيث لم يشهد الحرم المكي واهل مكة شدة في الزحام في تشييع جنازة مثل جنازة العلامة الورع الزاهد عبدالعزيز بن باز، هذا وقد صلى عليه صلاة الغائب في المسجد النبوي وجميع جوامع المملكة بعد صلاة الجمعة وكذلك في بعض الدول الاسلامية وبعض دول الخليج المجاورة، وهذا برهان ودليل محبة الناس له، رحمه الله واسكنه فسيح جناته.
الشيخ/ محمد بن سعد السعِّيد
إمام وخطيب جامع سلطانة الشرقي بالرياض .

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الثقافية
جبل الدعوة الى رحمة الله
الاقتصـــادية
القرية الالكترونية
المتابعة
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
تغطيات
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved