Monday 17th May, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الأثنين 2 صفر


إلى جنة الخلد ياأبا عبدالله

مهما أوتي أحدنا من فصاحة وبلاغة وبيان فإنه لا يستطيع ان يعبر عما يكنه في الجنان تجاه عالم علمائنا وحكيم حكمائنا وقدوة أهل زماننا فقيدنا بل فقيد الأمة كلها إنه الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله.
لقد تجرأت على من هو أحق مني وأمسكت القلم بيدي مع بعدي عن الشيخ وقلة علاقتي به لأسطر كلمات عن فقيدنا لعلها تكون شاهدة لي على محبته يوم القيامة فالمرء يحشر مع من أحب.
من أين ابدأ وعن أي شيء اتحدث من يستطيع أن يأتي لنا بكل ما في البحر او يحصى لنا عدد أوراق الشجر، ويزداد الأمر صعوبة وانت قد فجعت بفاجعة من فواجع هذا الزمان أظلمت الدنيا بخبره وحق لها ان تظلم فقد غاب نجم من نجومها ونور من أشعة شمسها, نعم إن خبر وفاته فاجعة، وليس على ابنائه وأقاربه فقط ولا على محبيه ومجالسيه ولا على أهل بلاده وزمانه فحسب، بل على المسلمين جميعا كيف لا وهم قد فقدوا أبا رحيما ومربيا متواضعا وشيخا جليلا محبا للفقراء والمساكين عطوفا على المعوزين والمحتاجين.
رحمك الله ياأبا عبدالله فقد عرفناك متواضعا وعالما وحكيما ومخلصا ومحبوبا.
ومن شدة تواضعه رحمه الله يلقبه البعض أبا الفقراء والمساكين، لم يبخل عليهم بماله وفتح لهم بابه, كان يعطي عطاء من لا يخشى الفقر ويطعم الطعام ولا ينتظر من أحد الشكر، اذا أتى اليه مسكين او فقير او ذو حاجة قال احضر معنا على الغداء بعد صلاة الظهر ويأتيه المسكين او الفقير وذو الحاجة فرحا مسرورا يوم ان حظي بهذه الدعوة لوحده فاذا اقبل على مجلسه فإذا هو قد امتلأ بالناس هذا لديه سؤال وهذا عنده اشكال وهذا جاء محبا وزائرا وهذا جاءه يريد مالا وهذا جاءه مستفتيا؛ فلله درك ياأبا عبدالله قد اتعبت من بعدك.
وأما عن علمه فهو كالبحر الذي لا ساحل له حفظ المتون فلا يكاد يذكر له شيء إلا وعنده منه علم، حديثه كالماء العذب وفتواه يطمئن لها الصدر لا ينتصر لنفسه ولا يسفه رأي غيره يُهدى اليه كتاب ليقدم له وفيه آراء تخالف رأيه فما يكون منه إلا ان يثني عليه ويدعو لمؤلفه ويقوي من عزيمته ويوصيه باتباع الحق والحذر من الهوى.
كان عالما وفي نفس الوقت داعيا، كتب الرسائل للرؤساء والأمراء ومن جملة ما كتب رسالة الى جمال عبدالناصر رئيس مصر آنذاك يستشفعه في سيد قطب وجمعت له مؤلفات ورسائل في التفسير والفقه والعقيدة والحديث والفرائض والتحذير من التحاكم الى غير ما أنزل الله والتحذير من السحرة والاتيان إليهم، وعقدت له كثير من الدروس في بعض المساجد يشرح لطلبة العلم أمهات الكتب ويعلق على الندوات التي تقام في الجامع الكبير في يوم الخميس بعد صلاة المغرب.
وأما عن حكمته فهي من أشهر صفاته (ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا) كان رحمه الله يتعامل مع الأمور التي تعرض له بحكمة وتأنٍ وبُعد نظر بعيدا عن العجلة والتسرع.
يأتي إليه الرجل وهو يبكي ويتضجر فيقول عد الينا بعد كذا حتى نبحث في الأمر وننظر، ويأتيه الآخر وهو يرمي بكلامه بشرر واصفا ما رآه من منكر فيشكره على غيرته ويهوّن عليه ويكتب الى من كان مسؤولا عن ذلك ويذكره, وأذكر يوما من الأيام أتيته لأخبره عن وجود نشرة تقلل من شأن بعض العلماء فقال إئتني بنسخة منها وتثبت في الأمر أكثر.
وأما عن إخلاصه فماذا أقول في رجل سخر ماله وجهده ووقته في سبيل الدعوة الى الله وما كان عمله ينتهي بمجرد مغادرته مقر العمل بل هو يعمل في كل ساعة من ليل ونهار في مقر عمله، في منزله ومسجده وأثناء سيره بل وهو على الفراش الأبيض في سريره فمع ما يكابد من آلام المرض يقول لمرافقيه اقرأوا عليّ رسائل الناس وأسئلتهم, وأما عن محبته يشهد له بذلك الأعداء قبل الأصدقاء, إنه بأخلاقه وحسن معاملته نحت حبه في القلب نحتاً وهذه الصفة لا يستطيع احد ان يكتسبها بماله او جاهه وانما هي هبة من الله يتفضل بها على من شاء من عباده, ففي الحديث الصحيح الذي خرجه البخاري ومسلم (إن الله اذا احب عبداً نادى جبريل اني احب فلاناً فأحبه فينادي جبريل أهل السماء ان الله يحب فلانا فأحبوه فيوضع له القبول في الأرض).
وبالجملة فإن هذه الصفات التي ذكرتها في شخصه رحمه الله حسبما عرفت عنه وإلا، فما خفي عليّ وغاب كان أعظم.
حقا ان مَن هذه صفاته يستحق المدح والثناء والدعاء ويكفي فخرا وشرفا ثقة حكومتنا الرشيدة فيه وتقديرها له بتعيينه مفتيا عاما للمملكة العربية السعودية.
أخي القارىء الكريم:
ان العين لتدمع وإن القلب ليحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا, لله ما أخذ ولله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى.
عبدالرحمن عبدالله التويخري
الرياض

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
ملحق السفر وبطاقات الائتمان
جبل الدعوة الى رحمة الله
الاقتصـــادية
المتابعة
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
الطبية
وطن ومواطن
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved