بقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره فجعنا بنبأ وفاة المغفور له باذن الله العالم الجليل سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز مفتي المملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء, نعم فجعنا فرحيل عالم فذ وشيخ جليل بمقام ابن باز ليس بالشيء الهين انها الفاجعة التي ذهلت لها العقول وانعقدت معها الالسن، وتفطرت لها القلوب وذرفت لها الدموع ولكننا راضون بقضاء الله وقدره فالموت حق ومن حان وقت رحيله من هذه الدنيا الفانية فلن يتأخر ثانية واحدة مصداقا لقوله تعالى: (فاذا جاء اجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون).
نعم لقد استسلمت روحه الطاهرة لنداء رب العزة والجلال انهمرت الدموع وتعالت الافئدة داعية له بالرحمة والمغفرة جزاء لما اسداه لأمته العربية والاسلامية التي سخر لها كل حياته فحياته يرحمه الله تمحورت جميعها حول الدعوة والنصح والارشاد والعلم والتعليم مسترشدا بالاسلوب الرباني الداعي للحكمة والموعظة الحسنة.
فسماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله كان عالما فذا لا يشق له غبار في علوم القرآن والتفسير والحديث والفرائض وكان مرجعا للفتوى لكل ابناء الامة الاسلامية وله اسهامات علمية شرعية اكبرمن ان تذكر في هذه العجالة ومن اهم مؤلفات الشيخ رحمه الله العقيدة الصحيحة وما يضادها، والتحذير من البدع، والفوائد الجلية في المباحث الفرضية، والشيخ محمد بن عبدالوهاب (دعوته وسيرته) وابان حياته رحمه الله تسنم فضيلة الشيخ مناصب جليلة كمنصب المفتي العام ورئاسة هيئة كبار العلماء ورئاسة اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والارشاد ورئاسة المجلس التأسيسي لرابطة العالم الاسلامي ورئاسة المجلس الاعلى العالمي للمساجد وغيرها من المناصب ورغم ضخامة هذه المسئوليات فإنه لم يتأن رحمه الله حتى في حالات مرضه في استقبال الزائرين والاستماع للسائلين والاجابة على تساؤلاتهم ولقد منحه المولى عز وجل حبا منقطع النظير اعانه على مجالسة طلاب العلم لساعات طوال بعد صلاة الفجر وبعد صلاة المغرب يتدارس معهم المتون المطولة بأريحيته المعهودة وتواضعه الجم وعلمه الغزير وحتى منزله، اصبح خلية نحل لا تهدأ من الزائرين وطلاب العلم الذين كان يستقبلهم ببشاشة ورحابة صدر ويأنس بهم ويلاطفهم دون كلل او ملل، محتسبا الاجر والمثوبة من رب العالمين, لقد كف بصر شيخنا وعالمنا الجليل فلم ير بهارج الدنيا وزينتها وزخرفها ولم يأبه لكل ذلك ولكنه ابصر بقلبه فأنار الله له دروب الخير والحق والعمل الصالح فعبدالله على بصيرة وخاف من لقاء ربه فأعد العدة للآخرة فرفعه الله مكانة عالية وحبب الناس اليه فلقد اجمعت الامة العربية والاسلامية على محبة هذا العالم الجليل وفقدت برحيله حصنا عظيما ومنارة شامخة من منارات العلم والدعوة والارشاد ففقيدنا قامة رفيعة في سماء العلم والمعرفة دخل التاريخ من اوسع ابوابه بجده واخلاصه وصبره وتفانيه واضافاته العلمية الشرعية النيرة, لقد عاش ابن باز يرحمه الله زاهدا في هذه الدنيا محبا للخير، محبا للعلم والعلماء، ومخلصا لدينه وولاة الامر وبادله ولاة الامر يحفظهم الله هذا الحب والتقدير بحب وتقدير مماثل، ووضعوه في المكانة اللائقة بمكانته وعلمه وهذا هو ديدنهم مع علمائنا وشيوخنا يحفظهم الله ويثبت اقدامهم على طريق الخير والحق والصلاح, ان عالما بهذه الاسهامات وبهذه الميزات يستحق بحق منا جميعا ان نبكي على فراقه ونأسى على رحيله وندعو المولى العلي القدير ان يجعل جميع افعاله في موازين اعماله يوم القيامة وان يحشره مع النبيين والصديقين والصالحين والشهداء وحسن اولئك رفيقا, رحم الله شيخنا الجليل عبدالعزيز بن باز وأسكنه فسيح جناته وألهم خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز وولي عهده الامين وسمو النائب الثاني وأهل الفقيد والشعب السعودي النبيل والامة العربية والاسلامية الصبر والسلوان انا لله وإنا اليه راجعون .
د, عبدالعزيز بن عبدالله السنبل
نائب المدير العام للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم .