Tuesday 18th May, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الثلاثاء 3 صفر


العالم الجليل الذي فقدناه
د, سليمان بن عبدالرحمن العنقري

لقد أمتنّ الله عز وجل على هذه الامة فبعث النبي الأعظم محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم هادياً ومبشراً ونذيرا وداعيا الى الله باذنه وسراجا منيرا (لقد منّ الله على المؤمنين اذ بعث فيهم رسولا من انفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين,,).
فكانت نعمة بعث الرسول صلى الله عليه وسلم اعظم النعم على هذه الامة واجلها,, وان من اجل هذه النعمة توريث الخالق سبحانه العلماء علوم نبينا الكريم عليه افضل الصلاة والتسليم فكان العلماء هم ورثته صلى الله عليه وسلم القائمين في امته بمهام التبليغ والتعليم والتوجيه وبيان حدود الحلال والحرام يقول عليه افضل الصلاة والسلام (فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب وان العلماء هم ورثة الأنبياء,, وإن الانبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهما ولكنهم ورثوا العلم فمن أخذه اخذه بحظ وافر),, لقد ورث الانبياء ما جاء به الانبياء والرسل من العلم، فكانوا خلفاءهم في الناس بالدعوة الى الله والى طاعته وبالنهي عن المعاصي، والذود عن حياض الدين.
لقد كان الامر بالنسبة للامم السابقة ان يبعث الله اليهم الرسل فما ان يموت الرسول يبعث الله الانبياء كلما مات نبي خلفه نبي.
أما هذه الامة فقد جعل الله علماءها قائمين فيها بهذا الامر فالعلماء ورثة الانبياء وهم رؤوس هذه الامة والمفضلون فيها فلقد عظم الله قدرهم واشهدهم على اعظم مشهود (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة واولو العلم قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم).
فلو كان أحد من الخلق اشرف من العلماء لقرنهم الله باسمه واسم ملائكته كما قرن العلماء.
ونفى الله التسوية بين العلماء وغيرهم فقال (هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) فالعلماء رفعهم الله على من سواهم من المؤمنين (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات,,).
لقد امر الله بطاعة العلماء وأمر برد الامور اليهم وسؤالهم عند الاشكال (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون).
فهم الخير الذين اراد الله بهم الخير (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين) إن الناس بحاجة الى العلم والعلماء فهم الى العلم والعلماء احوج منهم الى الشراب والطعام يقول الامام احمد رحمه الله (الناس احوج الى العلم منهم الى الطعام والشراب لان الطعام والشراب يحتاج اليه في اليوم مرتين وثلاثاً والعلم يحتاج اليه في كل وقت).
إن العلماء كالنجوم يقول عليه افضل الصلاة والتسليم (إنما العلماء في الأرض كمثل النجوم في السماء يُهتدى بها في ظلمات البر والبحر فإذا انطمست النجوم اوشك أن تضل الهداة,,).
والعلماء في الأمة كمثل الماء والغيث انتفاع الناس بهما غير محدود بحد.
إن العلم الذي به قوام الحياة لا يرفع نزعاً من صدور الخلق ولكن رفعه بقبض العلماء وموت الأئمة الهداة,, قال الصادق المصدوق (إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من صدور العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يُبق عالماً اتخذ الناس رؤوسا جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا واضلوا).
وليعلم انه لا يغني عن العلماء وجود الكتب حتى ولو كانت الكتب السماوية اذ لو اغنت تلك الكتب عن قوم لاغنت عن بني اسرائيل الذين انحرفوا فكان منهم من عبد الله على جهل فكانوا ضالين فأولئك هم النصارى ومنهم من اعرض عن اوامر الله عز وجل عن علم فكانوا مغضوباً عليهم فأولئك هم اليهود.
واولئك وهؤلاء لم يغن عنهم وجود الكتب السماوية المنزلة عليهم لما لم يكن هناك حملة صادقون في حمل العلم,, وكذلك هذه الامة لن يغني عنها وجود القرآن اذا لم يكن ثمة علماء يحملون العلم, فلقد روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم انه قال: (خذوا العلم قبل ان يذهب) قالوا وكيف يذهب العلم يا نبي الله وفينا كتاب الله فغضب ثم قال: (ثكلتكم امهاتكم او لم تكن التوراة والانجيل في بني اسرائيل فلم يغنيا عنهم شيئا ان ذهاب العلم ان يذهب حملته).
ان ذهاب العلم اذاً هو بذهاب العلماء وذهاب العلماء,, هلاك الناس يقول عبدالله بن عباس رضي الله عنهما (أتدرون ما ذهاب العلم قلنا: لا قال: (ذهاب العلماء).
ان على الجميع ان يعرفوا قدر العلماء فيجلوهم وينزلوهم منازلهم وان يأخذوا عنهم وإنه ليخشى على الناس اذا لم يعرفوا للعلماء قدرهم ان يبتلوا بفقدهم فيضلوا ويهلكوا.
ان اعتبار العلم والعلماء يجب ان يعاد النظر فيه عند كثير من الناس الذين يعظمون علوم الدنيا وينسون علوم الآخرة, فلئن اجتهد الناس في ذلك فان الرجاء في الخالق سبحانه وتعالى ان يعوِّض هذه الامة فيمن فقدت من علمائها وأئمتها وهداتها.
إنه لئن كانت المصيبة عظيمة بفقدان سماحة الشيخ الوالد عبدالعزيز بن باز فإن عطاء الله عز وجل اعظم فان سعى الخلق الى العلم هيأ لهم هداة يهدونهم في الظلمات.
وحيث ان الموت حتم لازم وقضاء نافذ على كل حي لم ينج منه بشر ولن ينجو منه مخلوق,, (وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون) (كل نفس ذائقة الموت) ومع ان النفوس جميعها صائرة الى الموت فإن هذه النفوس متفاوتة في القدر فليس فقد عظيم القدر وجليل المنزلة كفقد غيره ولذلك كانت المصيبة بموت رسول الله صلى الله عليه وسلم اعظم المصائب على الامة وهكذا تكون المصيبة بموت العلماء والأئمة عظيمة عظم منازلهم ومن هنا كان فقد الامة للعالم الزاهد الكريم الورع عبدالعزيز بن عبدالله بن باز عظيمة وخسارة كبيرة نسأل الله سبحانه وتعالى ان يجزل له المثوبة وان يجزيه عما قدم للاسلام والمسلمين خير الجزاء وان يحشره مع الصديقين والصالحين وحسن اولئك رفيقا وان يخلف على ابنائه واقاربه ومحبيه والامة الاسلامية انه جواد كريم إنا لله وإنا إليه راجعون .
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
جبل الدعوة الى رحمة الله
الاقتصـــادية
المتابعة
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved