لم يكن خبر وفاة سماحة الوالد الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله خبر وفاة عادي نتأثر له بعواطفنا، بل كان حدثاً مجلجلاً هز قلوبنا وعقولنا، فلم يكن سماحته عالماً ربانياً نحترم فيه علمه ونجل فيه دينه فحسب، بل كان انموذجاً فريداً من علماء الآخرة الذين ورد من صفاتهم أنهم يعلمون ان الدنيا حقيرة، وأن الآخرة شريفة، وانهما كالضرتين فهم يؤثرون الآخرة، ولا تخالف افعالهم اقوالهم، ويكون ميلهم الى العلم النافع في الآخرة,, ان ما نعرفه عن سماحته - رحمه الله - وما رأينا فيه من صفات يتطابق مع هذا الوصف، فقد رأينا في شخصه العالم العامل، والعابد الورع، والداعية الصادق، والفقيه المجتهد، والزاهد القانع، المتواضع في غير ضعة، العزيز في غير كبر، وانك لتعجب من بركة وقته لاستيعاب اعمالٍ جليلة في زمن محدود ووقت محدد، فهنا دروس في الفقه والعقيدة، وهناك عمل رسمي، وهذه محاضرات في اماكن متعددة، وتلك ندوات ولقاءات بالعلماء وطلبة العلم، ومع هذا كله دار مفتوحة لاستقبال العامة والخاصة,, وهاتف لا يهدأ.
حياة حافلة بالعطاء,, لم يمنعه تقدم السن من الاستمرار على منهج حياته، ولم يحجمه المرض عن الدعوة الى الله حتى قبل الساعات الأخيرة من حياته (ذكر ابنه الشيخ احمد انه قبل وفاته كان يدعو احد الممرضين غير المسلمين الى الدخول في الاسلام) وذلك ليس بمستغرب على من قضى عمره في الدعوة الى الله فارساً مجاهداً عن حياض السنة المطهرة فكان شعورنا بالحزن والألم مضاعفاً لفقدنا عالماً من علماء الآخرة وبحراً واسعاً في علوم الشريعة، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم اذ قال: ان الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء .
رحم الله سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز وأسكنه فسيح جناته وانزله منازل الصديقين والشهداء وآجرنا في مصيبتنا واخلفنا خيراً منها.
د, فهد بن إبراهيم آل إبراهيم