Saturday 22nd May, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,السبت 6 صفر


أحسن الله لنا العزاء في فقيد العلم والعلماء

لما بلغ أمير المؤمنين عبدالله بن الزبير نعي اخيه مصعب بن الزبير امير العراق، صعد المنبر فجلس عليه ثم سكت,, فجعل لونه يحمر مرة، ويصفر أخرى.
فقال رجل من قريش لآخر بجانبه (ماله لا يتكلم، فوالله انه للخطيب اللبيب!؟).
فقال له الرجل: (لعله يريد ان يذكر موت سيد العرب فيشتد ذلك عليه، وهو غير ملوم إن جزع).
الناس رجلان: فمتزود من الدنيا، ومتنعم فيها.
فأي الرجلين يا ترى كان والدنا - الشيخ عبدالعزيز بن باز - يرحمه الله رحمة واسعة؟! ان الصغير قبل الكبير ليحسبه الرجل الأول.
لقد نعت قيادتنا الرشيدة - والخطب جلل - الى كل مسلم في ارجاء المعمورة، الى الامة الاسلامية المكلومة نعت بثكل وأسى عالمنا الاكبر.
إني احسب ان الرجل وضع له القبول في الأرض.
ان كل من جاب الآفاق وسافر هنا وهناك ليلمس عظيم التقدير الذي يحظى به فقيدنا العزيز بين المسلمين في كل مكان، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، وهو من توفيقه سبحانه وتعالى للشيخ.
اخرج مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله إذا احب عبدا دعا جبريل فقال: إني احب فلانا فاحبه, قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، قال: ثم يوضع له القبول في الأرض,, الحديث).
فعلى الرغم من ان الشيخ عبدالعزيز لم يسافر خارج المملكة - ناهيك ان يزور دول الغرب - الا ان الجاليات الاسلامية هناك مثلا، لتكن له المحبة والاحترام، ويحرصون كل الحرص على معرفة أقواله ومتابعة فتاواه تجاه ما يستجد من امور في ربوع بلادهم, لقد بذل الشيخ عبدالعزيز بن باز لامته نفسه ووقته لله، يريد لها نجاحا، وللاسلام صلاحا, فبذل عمله بتهذيب العقيدة في النفوس، وتربية النشء الحديث على الوعي الاسلامي الصحيح,, دخل الى الاصلاح من باب الدين والتقى ليجمع للمسلمين بقدوته ودروسه وفتاواه في صلاح حالهم ومآلهم، ودنياهم وآخرتهم.
كان سلفي المذهب، وقافاً على الكتاب والسنة، ينبذ كل دخيل ومتفلسف,, يقيناً منه ان الخطر كل الخطر على المسلمين ان يكون الدين في نظرهم تابعاً للعقل، او يكون العقل هو الحكم بينهم وبينه بل آمن ان الخير كل الخير في ان يكون الدين حاكما والعقل مفسرا ومبينا على نبراس الهدي النبي الشريف وكما فهم سلفنا الصالح.
* * *
كان الشيخ يرأس ادارات الفتوى والبحوث والدعوة، ويرأس هيئة كبار العلماء، ويرأس المجلس التأسيسي لرابطة العالم الاسلامي.
وظل لسنين عديدة رئيسا للجامعة الاسلامية بالمدينة المنورة, ولم تكن هذه المناصب كلها لتعزله عن الناس، بل ظل بيته مفتوحا وقلبه مفتوحا لكل ذوي حاجة من ابناء المسلمين، مادية او علمية لا يغلق بابه في وجه احد، ولا يضيق صدره بلقاء أحد، ولا يدخر وسعا في مساعدة أحد.
يقول بعض من تتلمذ عليه ايام كان نائبا لرئيس الجامعة الاسلامية.
لقد عرفت فيه الاخلاق العالية والمعاملة الطيبة لجميع ابنائه الطلبة، فعندما كنا نتابع الدروس معه - سواء في الجامعة او في المسجد النبوي او في بيته - لم نكن نشعر إلا اننا بين يدي والدنا ومربينا.
لقد كان - رحمه الله - يسأل كل واحد منا عن ظروفه الخاصة وعن احتياجاته، ويبذل من وقته وماله الشيء الكثير لاسعاد سائليه,, بل لا اذكر ابدا انه فرّق يوما بين طالب وآخر مهما كانت جنسيته وهويته.
اشهد انه كان كريما باذلا,, كان بيته ملجأ من لجأ اليه,, ولم أره يوما - وقد عاشرته لسنوات - رد سائلا سأله ما ظنك برجل كان جميع من حوله يخاطبونه باسم الوالد؟
اتسم عالمنا المصلح الكبير بالرفق والاناة، والحكمة والسياسة فملك العقول والقلوب معا, حرص - رحمة الله عليه - ان يخلص لله في دينه، جادا مثابرا، لا تأخذه فيه هوادة، ولا عنه سنة، يتحمل الاذى ويستسهل الوعر في سبيل أداء امانة العلم والتفرغ لتربية الدعاة، والمصابرة عليهم,, لا يجعل لليأس عليه سبيلا ولا للهوان على نفسه سلطانا.
لقد ودعت الامة الاسلامية علما من اعلامها الافذاذ علامة السعودية سماحة الشيخ الوالد عبدالعزيز بن عبدالله بن باز,, ودعت جبلا من جبال العلم، وبحرا من بحور الفقه، ومحدثا وعمادا من اعمدة الدين، وركنا من اركان الامة.
طالما استفاد من علمه المسلمون - ليس في بلاده فحسب - بل في انحاء الجزيرة والخليج وفي شتى بقاع الأرض, استفدنا منه بالمشافهة وعبر الكتاب والمراسلة، وعن طريق الهواتف والاذاعة والشريط المسموع.
عاش الشيخ الفاضل عمره المبارك للعلم والدين، يعلم ويدرس,, ويجيب ويفتي، وينصح ويدعو ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر بحكمة بالغة.
افضى الشيخ الى ربه وترك لنا بحسن خلقه ذكرى سيرته الزاكية.
ان الخلق هو اداء الواجب لذاته، بقطع النظر عما يترتب عليه من النتائج، فمن اراد ان يعلم الناس مكارم الاخلاق فليحي ضمائرهم، وليبث في نفوسهم الشعور بحب الفضيلة والنفور من الرذيلة بأي وسيلة شاء,, ومن أي طريق أراد، وهنا فقط تكون لبابته وكياسته.
ليست الفضيلة طائفة من المحفوظات تحشى بها الاذهان، بل ملكات تصدر عنها آثارها,, صدور الشعاع عن الكوكب، والاريج عن الزهر,, وبعد فليس الذي يبكي صديقا كان يأنس بحديثه، او عالما كان ينتفع بعلمه، او كريما كان يستظل بظلال مروءته وكرمه، كمثل الذي يبكي شظية قد طارت من شظايا قلبه.
ايها المسلمون خذوا العبرة من سلفكم الصالح (إنما أعطاكم الله الدنيا لتطلبوا بها الآخرة، ولم يعطكموها لتركنوا إليها، إن الدنيا تفنى، فلا تبطرنكم الفانية ولا تشغلنكم عن الباقية).
هل يستطيع المصلحون ان يكونوا كذلك ليصلحوا في الآخرين وما اصلح المصلحون في الأولين؟ أملنا في الله كبير.
إني لأرفع خالص عزائي الى مقام خادم الحرمين الشريفين والى سمو ولي عهده الامين والى علماء المملكة وشعبها المؤمن والى عالمنا العربي والاسلامي بفقد ركن علمي مكين قلَّ من يقوم في عصرنا بدوره,, ويا له من دور اعاد الى اذهاننا شريطا تاريخيا مجيدا من سير سلفنا الصالح .
ولاسرة الشيخ أقول:عوضتم اجرا من فقيد وادخر الله عنده جميل صبركم وأوصيكم بالرضاء من الله بقضائه والتنجز وعد به من ثوابه، فان الدنيا دار زوال فلابد من لقاء الله, ان لله ما أعطى ولله ما أخذ وكل شيء عنده بمقدار ولا نقول الا كما يرضي الرب (إنا لله وانا اليه راجعون).
صالح بن علي الجارالله
إمام وخطيب جامع العريجاء القديمة

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
جبل الدعوة الى رحمة الله
الاقتصـــادية
القرية الالكترونية
المتابعة
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
تحقيقات
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved