Saturday 22nd May, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,السبت 6 صفر


فقيه النوازل

عرفت سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز - يرحمه الله - وانا طفل صغير اذ كانت تربطه بوالدي -يرحمه الله - علاقة ود قديمة ربما كانت بداياتها عندما كانا يطلبان العلم على يد الشيخ محمد بن ابراهيم آل الشيخ - يرحمه الله - فتسنى لي ان اراه كثيرا عندما كان يزور الوالد ويعوده.
يشد انتباهك منذ ان تسلّم عليه وتصافحه، فان لم يكن يعرفك بصوتك او لم تعرّفه بنفسك، ابتدر بالسؤال: (من هذا؟) فاذا انتظم مجلسه نادى كلا باسمه ليسأله عن حاله وحال المحيطين به، فتعجب من اسئلته وتعليقاته, يجتمع عنده خلق كثير يلتفت الى القاضي فيدعو له بالعون والتوفيق والسداد والى الداعية ينصحه ان يتحلى بالحكمة والموعظة الحسنة، والى المحتسب يحثه على العلم والحلم في أمره ونهيه، والى الكاتب يدعوه إلى نشر الفضيلة على أساس من عقيدة التوحيد، والى المعلم يذكره بواجبه وعظم مسؤولياته، والى ضيفه يحتفي به ويكرمه، والى قريبه يصله ويبرّه والى مستشفع يشفع له ويسرّه والى مستفتي يفتيه ويعلمه، لا يقطعه عن ذلك الاّ رنين الهاتف واتصال من يتعذر عليه الحضور، او دخول زائر جديد، فاذا حان موعد القراءة اليومية دعا قارئه ليقرأ صفحات من امهات الكتب ويستوقفه بين حين وآخر ليشرح الغريب والملتبس ويفصّل المجمل والمختصر.
ويدرأ التعارض بين العقل والنقل، ثم يختم المجلس بالدعاء والاستغفار.
كان يؤمن بان الشريعة مبنيّة على مصالح العباد، فلم يكن يضيّق عليهم في شيء بل كان يعمد الى التيسير، لان الله جلّ وعلا لا يكلف نفسا الا وسعها، وكان يعلم ان الفتوى تتغير وتختلف بحسب تغير الازمنة والامكنة والاحوال والنيات والعوائد، لذلك لم يمنعه اجلاله العلماء وتقديره لهم ان يخالفهم الرأي في عدد من المسائل (كجمع الطلقات الثلاث بلفظ واحد، وزكاة الحلي) وان يبدي رأيه على اعتبار انه عِلمٌ لا يجوز كتمه مخافة ان (يلجمه الله بلجام من نار يوم القيامة) فما كانت تأخذه في الله لومة لائم، فعلى الرغم من ان علمه مؤسس على مذهب الامام أحمد بن حنبل، واتباعه الكبار امثال شيخ الاسلام ابن تيمية، وابن قيم الجوزية والحافظ ابن كثير، وابن قدامه المقدسي والشيخ محمد بن عبدالوهاب، إلاّ أنه لم يقيّد نفسه بحرفية المذهب، فكان فقيها مجتهدا تغلب عليه صفة المحدّث.
اجتمع على حبه الاضداد، وتتابع في رثائه وتأبينه محبّوه والمختلفون معه وتبادل العزاء فيه الكبار والصغار، وتألم لفراقه الرجال والنساء، ولم يكن فقيد أسرة او مجتمع او دولة فحسب بل فقيد أمة، فقد كان معلمهم اذا جهلوا، ومرجعهم اذا اختلفوا ومَفزِعهم اذا رُوّعوا، فاذا نزلت بالمسلمين نازلة اوحلّت بديارهم مصيبة، وعصفت بهم عاصفة، تشعبت الاقوال والآراء، واختلف العلماء والمتعلمون، وتنازعت الجماعات والافراد، حتى اذا بَلَغوُه - يرحمه الله - قال كلمته فكانت فصل الخطاب، فيصبح الرأي جامعاً، والحكم قاطعاً، والبلاغ عاماً، فتأتلف القلوب، وتتوحد الصفوف، ويستقيم الأمر.
رحم الله شيخنا رحمة واسعة، وجزاه عنا خير الجزاء وانزله منازل الأبرار.
عبدالرحمن بن إبراهيم المرداس

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
جبل الدعوة الى رحمة الله
الاقتصـــادية
القرية الالكترونية
المتابعة
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
تحقيقات
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved