سقسقة:
إنه لقانون عالمي أن يعمل البعض بذكائهم والآخرون بأذرعتهم .
حكمة صينية قديمة
* * *
يبدو أننا رغم ما وصلنا إليه من مستوى جيد من الوعي الاجتماعي إلا أن المجتمعات العربية بصفة عامة لدى بعض أفرادها عقدة الدكترة .
ومهما أسرفنا في التنظير فإن مقياس الفرد في العمل يقاس بالشهادات الأكاديمية وليس بقدرات الابتكار والابداع.
مع أن المبدعين في تخصصاتهم هم أشخاص مهتمّون بالتخصص وليسوا فقط ملتحقين بالدراسة فيه، وإلا لافترضنا أن كافة الطلبة الناجحين بتفوق هم مبدعون,, وهذا غير صحيح.
لأن الابداع في أي مجال يتطلب الاهتمام والشغف مع توفر القدرة على تطوير القدرات الذهنية والمهارات المختلفة.
وهذا ما يميز المبدع في أي مجال عن المتخصص الذي حاز على شهادة عليا في تخصصه، فهو حاصل على الكم المعلوماتي فقط إذ لم يكن مهتمّاً وشغوفاً بالتخصص وإنما كانت مسيرته اعتيادية صوب الحصول على الشهادة الجامعية أو الدراسات العليا ولأن الإنسان العربي يعاني من الازدواجية في التفكير والفصل الجامد بين التنظير والتطبيق فإننا نتحدث كثيرا عن أهمية الابتكار والتميز ونمتدح أولئك الذين أبدعوا حتى وإن اختلفت مجالات تخصصهم الدراسية عن مجالات ابداعهم, ولكن إذا استدعى الأمر اخضاع حديثنا للواقع فإننا لا نثق في سير العمل إلا حين اسناده إلى ذوي الشهادات الأكاديمية العليا.
ويبقى المبدعون والمبتكرون في زاوية محددة تقتضي العمل دون الحصول على اعتراف جاد وهذا ما يعرقل مسيرة المبدعين,, وهو ما يمثل السياسة العامة المتفشية في المجتمعات العربية لقتل الابداع والابتكار.
مع أن المبدع طاقة جبارة للخلق والانتاج إذا ما وجِّه إلى أي مجال أو أسند إليه أي عمل.
إذ إن المبدع بما تنطوي عليه شخصيته من النباهة والتميز وبما يختص به من التركيز والاهتمام يستطيع ان يحقق النجاح والتقدم فيما يوكل إليه من أعمال أو فيما يتجه إليه من مجالات إذا انصرف إليها بشغف واهتمام.
فإلى أن نعي أهمية وجود أولئك المبدعين وضرورة الاهتمام بهم واتاحة فرص الابتكار لهم فإنهم سيظلون طاقة مهدرة وقدرة مجمدة، فإن توالى عليهم ضياع الفرص وعدم الاعتراف بقدراتهم فما لهم إلا الاحباط الذي ينخر في المقدرة الابداعية ويؤسس في المجتمع الاتجاهات الايديولوجية لاحترام وتقدير المناصب أكثر من الانجازات والتخصص الأكاديمي أكثر من التفرد والابتكار.
وهي حلقة مفرغة يدور داخلها الدماغ العربي.