Wednesday 26th May, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الاربعاء 11 صفر


د, المجلي أحمد أبرز ملازمي الشيخ ابن باز
الأمير سلمان تابع حالة الشيخ قبل وفاته بشكل يومي
سماحته مجدد القرن,, ومتابع جيد للأحداث السياسية

يمثل سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز - رحمه الله - علامة بارزة في علوم الدين او امور الدنيا,.
وتجسد ذلك في محبة الكل لسماحته ان في حياته او بعد وفاته بل تسابق الكثيرون للكتابة عن مآثره وخصاله وسجاياه وسعة علمه وقوة حجته وسلامة منهجه.
الدكتور عبدالله بن محمد المجلي،الاستاذ المساعد في جامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية يعد من اقرب الاشخاص إلى سماحة الشيخ، حيث لازمه قرابة عشرين عاماً دون انقطاع وقد تحدث ل (الجزيرة) والزميلة (الدعوة) في هذا الحوار الذي ينقل فيه جوانب جديدة من حياة الشيخ سألناه:
* كيف كانت صلتكم بسماحة الشيخ رحمه الله تعالى؟
- بداية احمد الله تعالى واثني عليه واصلي واسلم على رسوله، ثم اقدم التعزية لامة الاسلام قاطبة في الفقيد الغالي قدس الله روحه ونور ضريحه واسكنه الفردوس الاعلى وجمعنا به جميعاً في دار الرضوان.
ثم اقول ان المسلمين جميعاً في اقطار الارض كانوا على صلة بسماحة الفقيد من خلال علمه وعمله ودعوته وبره واحسانه ويكاد يكون طلبة العلم في العصر الحديث جميعاً من طلاب سماحته وبخاصة في هذه المملكة الغالية ولذلك فلا استغراب حينما نرى من يعرف نفسه بأنه من طلابه - رحمه الله - فقد كان جامعة عملاقة راسخة القواعد واسعة الانتشار، كل يتشرف بالانتساب اليها, اما انا فقد بدأت صلتي بسماحته - رحمه الله - منذ سنوات عمري الاولى اثناء الدراسة المتوسطة في المعهد العلمي حينما كنت اواظب على حضور ندوات الجامع الكبير بالرياض - جامع الامام تركي بن عبدالله - حيث كان سماحته هو صاحب فكرتها ومؤسسها وراعيها ويحضرها مساء كل خميس حينما يكون في الرياض، يستمع الى المشايخ المشاركين ثم يعلق على الندوة او المحاضرة فيجيب عن اسئلة الحاضرين كما كنت في مرحلة مبكرة اقرأ بعد الصلوات علىالناس كثيراً من نصائحه المكتوبة التي توزع علىالمساجد وكان يشجعني على ذلك فضيلة الشيخ عبدالله بن جار الله الجار الله - رحمه الله -.
وفي مرحلة الدراسة الثانوية بدأت زياراتي لمنزله في الديرة وسط العاصمة الرياض زيارات خفيفة لم تتح لي فيها فرصة القراءة عليه وفي عام 1401ه اقترحت على مجلة الدعوة احداث صفحات للفتاوى يلتقي من خلالها سماحة الشيخ بقراء المجلة ويجيب عن اسئلتهم وتوليت عرض الاسئلة على سماحته واظن ان صفحات الفتاوى في المجلة هي اول صفحات منتظمة يجيب فيها سماحة الشيخ عن اسئلة القراء وكان لي شرف اعدادها وهي شبيهة بالاسئلة التي كانت تعرض على سماحة شيخ مشايخنا الشيخ محمد بن ابراهيم - رحمة الله عليه - وتنشر في مجلة الدعوة وكان يتولاها اعداداً الشيخ عبدالله بن عقيل حفظه الله.
وقد احدثت الفتاوى في المجلة نقلة كبرى فعلت قيمتها العلمية عند كثير من الناس وواظبوا على متابعتها وكنت في غاية الحرص على الدقة في تلقي الفتوى ومتابعة نشرها سليمة من الاخطاء المطبعية وغيرها من الاخطاء غير المقصودة.
توثقت علاقتي بسماحته واصبحت ملازماً له في معظم اوقاته فجراً وظهراً ومغرباً وعشاء وذلك لان العمل معه يحتاج الى صبر وجلد ومتابعة دائمة لتنوع اعماله وكثرة مشاغله التي لا حصر لها ولا عد رحمة الله تعالى عليه.
ولم يقتصر عملي مع سماحته على مجرد الكتابة وحسب بل كان يأمرني بمراجعة بعض المسائل المتعلقة ببعض الفتاوى وغيرها في مكتبته العامرة وبتوجيهه وارشاده.
وبعد تركي العمل في المجلة وتفرغي للبحث العلمي والتدريس في الجامعة توثقت علاقتي العلمية بسماحته - رحمه الله - فتشرفت بملازمته والقراءة عليه في مكتبته مشاركاً لامينها الاخ الكريم الشيخ صلاح الدين عثمان احمد الذي كان سماحته يحبه ويقدره كما كنت ارافق سماحته معظم ايام الخميس لحضور ندوات جامع الامام تركي واقرأ عليه في سيارته ماتيسر من الكتب، كما كنت ارافقه في كثير من زياراته ولقاءاته، كذلك حظيت بشرف حضور كثير من جلساته الخاصة - رحمة الله عليه -.
ولم اشعر لحظة واحدة طيلة صلتي به باستنكاف او اعراض او صدود من سماحته طيلة صلتي به، بل اشهد الله انني لم اجد منه الا صدق المحبة وحسن الصحبة ولطف التعامل وشدة التقدير والاحترام، بل انه اذا فقدني لبضعة ايام - وقت انشغالي بإعداد بحثي - وجئت للسلام عليه وتحيته بعد ذلك بادرني بقول (مبطي ماشفناك,, سلامات) واذا ذكرت له امر البحث والدراسة بادرني بالدعاء لي ثم حثني علىالحضور اليه وعدم اطالة فترة الغياب - رحمه الله تعالى واسكنه دار كرامته - وهكذا اذا اتصلت به هاتفياً وهو في مكة او الطائف بادرني بالسؤال هل آتي اليه ام لا, وهذا يدل على كريم خلقه وعظيم تواضعه وحسن صحبته.
ولذلك فإنني اتشرف واعتز بانني اعتبر نفسي كواحد من ابناء سماحته - رحمة الله تعالى عليه - كما كان يعتبرني هو - واحمد الله تعالى الذي اكرمني بالقرب منه ، والتتلمذ على يده وخدمته، كما اسأله سبحانه وتعالى ان يجمعني به في جنات النعيم وجميع المسلمين.
أمة متميزة
* كيف ترى ابرز السجايا والصفات في شخصية الشيخ عبدالعزيز - رحمه الله -؟
- الشيخ امة متميزة في رجل، فقد جمع رحمه الله تعالى فضائل الخير ومحاسن الخلق ومكارم الصفات, فكل صفة حسنة وخلق فاضل رأيناها في سماحته قولاً وعملاً واهم الصفات في نظري التي يتمتع بها شيخنا الامام هي: التقوى والعلم والتواضع والكرم والدعوة، فالشيخ - رحمه الله - عابد زاهد ورع صوّام قوّام، كثير العبادة والاستغفار، شديد الخوف من الله لايترك باب طاعة الا ويسلكه ولا عمل خير الا ويسير فيه, متمسك بالسنة مطبق لها في كل جوانب حياته، فهو بحق يمثل الإسلام كله في حياته كلها.
ومن صور التقوى عنده - رحمه الله - دوام المحافظة على قيام الليل وكذلك السنن الرواتب وسنة الضحى وغيرها، وكذلك المحافظة علىالاذكار والاوراد الشرعية: اذكار الصباح والمساء، دعاء الخروج من المنزل ودعاء ركوب السيارة واجابة المؤذن حتى لو كان في اهم عمل فإنه يتركه ويجيب المؤذن، واذا كان في السيارة وحان وقت الاذان طلب فتح المذياع ليستمع الى الاذان ويتابع المؤذن، ويذكر الدعاء المشروع بعد الاذان,,.
وحينما يركب سيارته خارجاً من المنزل يبادرك حينما تتحرك السيارة بقوله خرجنا كي يشرع في الدعاء المشروع - رحمة الله عليه - ولم اشهد خلال ملازمتي للشيخ - رحمة الله عليه - انه ارتكب معصية او مخالفة شرعية.
فالشيخ - رحمه الله - تقي عابد ورع زاهد صدوق صادق لايعرف الكذب.
عالم الأمة
اما العلم فلقد اجمعت الامة كلها بلا منازع علىتقدمه فيه وريادته وسبقه فهو الامام العلامة والحبر الفهامة في التفسير والحديث رواية ودراية والعقائد واللغة والتاريخ وبخاصة تاريخ الجزيرة العربية في عهد الدولة السعودية والدعوة السلفية وان شئت ان تطلق عليه بأنه اعلم الناس بتاريخ الدولة السعودية والدعوةالسلفية في وقته فلا تكون مبالغاً في ذلك وكنت اتمنى لو استفاد الناس منه في هذا الجانب المهم ولكن قدّر الله وماشاء فعل.
ومن الطريف ان سماحته - رحمه الله - يعرف أبناء الأسرة الحاكمة منذ عهد الدولة السعودية الأولى وحتى وقتنا الحاضر, بل إنه يكاد يعرف الجميع ذكوراً وإناثاً في وقتنا الحاضر.
ولذلك تراه حينما يزوره احد الأمراء يسأل عن اقاربه جميعاً من الرجال والنساء وحينما تتصل به احدى الاميرات يسألها كذلك, وأذكر مرة انه سأل صاحب السمو الملكي الأمير ممدوح بن عبد العزيز -وفقه الله- عن أحد أبناء الأسرة فلم يكن الجواب حاضراً عند سموه، ثم قال لسماحته انت اعلم مني بهم احسن الله اليك.
فالشيخ بحر لا ساحل له في العلم بفروعه المتنوعة وهو عالم الامة وامامها في وقته.
وبالمناسبة فإن القوة العقلية والنباهة وقوة الذاكرة والتركيز واستحضار المسائل العلمية عند الشيخ كانت عالية جداً حتى في لحظاته الاخيرة - رحمة الله عليه - كذلك فإن علم الشيخ مرتبط ارتباطاً وثيقاً بورعه وتقواه وقد قال الله تعالى :(واتقوا الله ويعلّمكم الله) (البقرة: 282).
تواضع الشيخ وكرمه
اما التواضع فلم تر عيني من كبير او صغير من عالم او غيره في مثل تواضعه ولين جانبه ولطف تعامله وحسن مصاحبته.
كان يتعامل مع الناس جميعاً بأسلوب واحد وطريقة واحدة غير متكلف ولا متصنع، على سجيته وفطرته ولم تزده المكانة الاجتماعية والوجاهة العلمية والعملية الا تواضعاً واحساناً وحباً للآخرين وحسن تعامل معهم رحمه الله.
اما الكرم فلا يستطيع واصف ان يذكر ما كان عليه شيخنا فيه وحسبك ان داره في الرياض ومكة والطائف دار ضيافة لكل قريب وبعيد، كبير وصغير، يبيت الناس في بيته ويأكلون من طعامه ويشربون من شرابه وهو بينهم في وجبتين مهمتين الغداء والعشاء ويندر جداً ان يتناول غداء او عشاء من دون ضيوف او قل يعدم ان يحصل ذلك.
وهكذا بذله وعطاؤه لاقاربه وللفقراء والمحتاجين من حر ماله وحسابه الخاص.
ولم اشاهده رد سائلاً قط ، بل انه اذا سأله سائل التفت على من يمسك بيده وقال معك شيء ثم يأمره بإعطاء السائل مبلغاً من المال لأن الشيخ لم يكن يحمل في جيبه شيئاً من المال.
وكرم الشيخ مما اجمع عليه العارفون به منذ سنواته العملية الاولى حينما كان قاضياً في الدلم والى آخر لحظة من حياته تغمده الله بالرحمة.
حياته كلها دعوة
اما الدعوة عند الشيخ عبدالعزيز فانني اقول غير متردد ان حياة الشيخ - رحمه الله - كانت كلها دعوة الى الله تعالى فكان ينشد الخير ويفعله دائماً ويعين عليه ويحث على فعله، فكل عمل كان يقوم به انما هو في الخير والى الخير.
فالشيخ داعية بقوله من خلال كلماته ومحاضراته وندواته ومؤتمراته ولقاءاته العامة والخاصة، ولذلك عرف عن سماحته أنه لايجلس في مجلس مهما كان الا ويلقي فيه كلمة او يقرأ في كتاب او يستمع الى آيات ويفسرها بعد ذلك.
والشيخ داعية بفعله من خلال سيرته الحسنة وسلوكه القويم واستقامته الفريدة، فشخصيته تمثل الاسلام بشتى جوانبه، ويكفي انك حينما تنظر اليه في جلاله ووقاره وحسن سمته تذكر الله تعالى وتسبحه.
والشيخ داعية بماله فهو ينفق من ماله الخاص على الدعاة وطلبة العلم وينفق على بعض الناس تأليفاً لقلوبهم كما انه يتولى الاشراف المباشر على عدد كبير من الدعاة في خارج المملكة وداخلها وتصرف لهم مرتبات شهرية علىحساب اهل الخير بواسطته واشرافه وطلبه - رحمه الله - ومن حسابه ايضاً.
والشيخ - رحمه الله- لايلتقي بأحد من العلماء والقضاة والدعاة وطلبة العلم الا ويبادره بالسؤال عن برنامجه في الدروس العلمية والمحاضرات والندوات واللقاءات ويوصيه بمضاعفة ذلك.
واذا تحدثت عن غيرة الشيخ واحتسابه علىالخاصة والعامة وامره بالمعروف ونهيه عن المنكر وتصديه للبدع والخرافات وسائر المنكرات والافكار المنحرفة والمذاهب الضالة فحدث عن ذلك ولاحرج، مما لايحصيه محص او يعده عاد من بني البشر.
مجدد القرن
* وهل يمكن اعتبار الشيخ من المجددين؟
- جاء في الحديث الصحيح عن النبي عليه الصلاة والسلام انه قال: ان الله يبعث لهذه الامة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها .
ولقد وضع العلماء - رحمهم الله - شروطاً لمن يطلق عليه وصف المجدد، فمن شروط المجدد ما يلي:
1- ان يكون من اهل السنة والجماعة، وهذا يخرج طوائف اهل الاهواء والضلال جميعاً، وان انتسبوا الىالإسلام.
2- ان يكون عالماً بالكتاب والسنة فلا بد ان يكون الموصوف بالتجديد عالماً معروفاً بارزاً مشهوراً بذلك وليس مجرد طالب علم محدود، وذكر بعضهم بلوغ مرتبة الاجتهاد في ذلك.
3- ان يكون من اهل الصلاح والاستقامة اي ملتزماً بشعائر الاسلام جميعاً محافظاً علىالاوامر مجتنباً للمخالفات والنواهي.
4- ان يكون من اهل الدعوة والاصلاح بمعنى ان يكون ايجابياً في امته داعياً لهم الى الخير آمراً بالمعروف ناهياً عن الشر والمنكر جاعلاً ذلك شغله الشاغل وهمه الوحيد (بالطرق الشرعية كما لايخفى).
5- ان يكون على رأس المائة سنة اي على رأس القرن واختلف العلماء رحمهم الله في تحديد رأس القرن هل المقصود به اول المائة سنة او طرفها اي آخرها، ورجح كثير منهم ان رأس السنة هو آخرها.
واذا تأملنا تلك الشروط وطبقناها على سماحة الشيخ عبدالعزيز - رحمه الله تعالى - فإن المتأمل لايتردد في اطلاق وصف المجدد عليه - رحمة الله -.
وبالمناسبة فقد ذكر العلماء - ومنهم شيخنا رحمه الله عليه- انه يمكن ان يجتمع في القرن الواحد اكثر من مجدد، ومن مظاهر تجديده رحمه الله واسكنه جنته:
- صرف الناس الى طلب العلم الشرعي والحرص علىتحصيله وتشجيعهم على ذلك.
- الدعوة الى الاهتمام بالسنة علماً وعملاً، فقد ظهر كثير من طلبة العلم في شتى انحاء العالم الاسلامي يعتنون بدراسة الحديث النبوي سنداً ومتناً ويتنافسون في ذلك.
- إحياؤه لكثير من السنة النبوية بقوله وفعله وتلقاها الناس عنه بالقبول وطبقوها دون تردد - رحمه الله رحمة واسعة.
منهج الفتوى
* كيف ترى منهج الشيخ عبدالعزيز - رحمه الله - في الفتوى باعتبار صلتك الوثيقة به في هذا الجانب؟
- الحديث عن هذا الجانب يتم عن طريق محاور كثيرة منها:
الاول : ان الشيخ - رحمه الله - يفتي الناس في كل وقت في بيته ومسجده وطريقه ومكتبه، فليس له وقت خاص بالفتوى.
الثاني: ان الشيخ يفتي عبر كل وسيلة: يفتي كتابة، ويفتي مشافهة، ويفتي عبر الصحف والمجلات وعبر الاذاعة، وكان من آخر ما وافق عليه ارتباطه بالناس بواسطة الانترنت - رحمه الله - ومن ابرز ما كان الشيخ يفيد به اهل الارض قاطبة هو ذلك البرنامج اليومي الفريد الشامخ نور علىالدرب الذي يعتبر بحق مما يميز الاعلام السعودي عن غيره وتذاع حلقتان اسبوعياً منه مع سماحته - رحمه الله - والبقية موزعة على اصحاب الفضيلة الآخرين المفتين فيه.
الثالث: ان الشيخ رحمة الله عليه يفتي في جميع مجالات الحياة وفروع العلم الشرعي المتنوعة في العبادات والمعاملات والاخلاق والسلوك وغير ذلك.
الرابع : تتميز فتوى الشيخ - رحمه الله - بالايجاز غير المخل وسهولة عبارتها ودقتها.
الخامس: لاتخلو فتوى من فتاويه - رحمه الله - من الدليل الشرعي من الكتاب والسنة وقلما يتطرق الى خلاف العلماء وبخاصة في الفتاوى الموجهة للعامة.
السادس - قد جعل الله تعالى لفتاوى سماحته القبول عند الناس كبيرهم وصغيرهم، عالمهم وجاهلهم في داخل المملكة وخارجها.
ولذلك تسمع دائماً سؤال الناس عن رأي الشيخ ابن باز في هذه المسألة او تلك، واذا ذكرت لاحد - الا ماندر جداً - فتوى للشيخ او قول او رأي لايتردد في القبول به والتسليم.
فقوله معتمد ورأيه مقدم وفتواه مقبولة دون مراجعة، وهذا من فضل الله وحده عليه ومن نعمه عليه وعلىامته والاسباب في ذلك ظاهرة جلية.
وبهذه المناسبة ارجو ان تتسع صدور اخواني الكرام وبخاصة الشباب الى ان نحذر جميعاً بعد وفاة شيخنا - رحمه الله - الافتراء على الشيخ وان ننسب ما لم يقله بقصد او بغير قصد ولاي مبرر كان.
السابع: التوجيه الدعوي للفتوى، حيث كان جل فتاواه يتضمن الحث على الخير والعمل الصالح المتعلق بموضوع الفتاوى والتحذير من الشر والسوء المتعلق بالفتوى كذلك.
الشيخ وولاة الأمر
* كيف ترى علاقة الشيخ - رحمه الله - بولاة الامر؟
- الحديث عن هذا الموضوع حديث طويل جداً ودقائق العلاقة بين الشيخ وولاة الامر تخفى علي جوانب كثيرة منها لكن لعله يسوغ لي الحديث عن بعض ملامحها، وقبل الحديث عنها كنت اتمنى لو انني سجلت كلمات لصاحب السمو الملكي الامير سلمان بن عبدالعزيز امير منطقة الرياض - حفظه الله - اثناء استقباله للمواطنين في منزله يوم الاثنين 2/2/1420ه وهو يتحدث عن سماحة الشيخ وعن هذه النقطة بالذات، لكنني كنت بعيداً عن سموه فلم استوعب كل ماقال سموه الكريم، ولذلك فلن انسب عن سموه شيئاً، ولعل القريبين من سموه في تلك الليلة قد احاطوا بما قال فينشروه للناس ليضم الى ما قيل عن سماحته - رحمه الله -
اما ما شاهدته بنفسي فانني اقول:
لقد كان لسماحته علاقة فريدة مع ولاة الامر في هذه البلاد بخاصة، ومع ولاة الامر في بلاد اسلامية اخرى بعامة، فسماحته يكن كل محبة وتقدير واحترام لولاة الامر هنا ويعلي شأنهم ومقامهم ولايذكرهم بسوء، بل انه يدعو لهم في كل وقت ويتحرى اوقات الاجابة، ولقد سمعته يدعو لهم قبيل الافطار في رمضان دعاء كثيراً متنوعاً كما اخبرني ابرز من لازم سماحته وعاش معه وقتاً طويلاً وهو فضيلة الشيخ ابراهيم بن عبدالرحمن الحصين - رحمه الله تعالى - انه كان كثيراً مايسمع الشيخ يدعو لولاة الامر في تهجده وصلاته بالليل.
ولاتكاد تخلو كلمة من كلماته ومحاضرة من محاضراته من الدعاء لولاة الامر بعامة وولاة الامر هنا بخاصة.
ومع تقديره واجلاله ودعائه لولاة الامر فانه كان يمحضهم النصيحة الصادقة بالطريقة الشرعية المؤثرة.
وهكذا كانت لسماحته علاقة جيدة مع بعض الولاة المسلمين في خارج المملكة حتىان بعضهم كان يزوره في منزله وكان يكتب لبعضهم رسائل مناصحة وارشاد وتوجيه، اما محبة ولاة الامر في هذه البلاد لسماحته فإنني اقول جازماً بأنها محبة لاحدود لها من لدن الملك عبدالعزيز - رحمه الله - مروراً بالملك سعود وفيصل وخالد - رحمهم الله - الى خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الامير عبدالله والنائب الثاني وسائر اخوانهم وابناء الاسرة الحاكمة عموماً وفقهم الله.
ولو استعرضت الشواهد على ذلك مما رأيته وسمعته بنفسي لطال الحديث ولكني حسبي بعض الاشارات السريعة جداً.
فمن مظاهر المحبة والاجلال من قبل ولاة الامر للشيخ مايلي:
1- تقديم سماحته في المجالس العامة والخاصة.
2- قبول شفاعته وتقدير رأيه واحترام قوله وطلب مشورته.
3- دعم المشاريع والانشطة التي يتبناها سماحته.
4- الاتصال المباشر وغير المباشر بسماحته حتى لمجرد السلام فقط.
5- دفع الزكوات والصدقات لسماحته ليتولى توزيعها بنفسه او تكليف من يثق به.
6- احترام طلابه وتقديمهم وتقديرهم.
7- في مرض سماحته الاول في الركبة بادره بالزيارة في منزله خادم الحرمين الشريفين وولي عهده والنائب الثاني وجميع الامراء تقريباً، وتكررت زيارات كثير منهم مرات عديدة وهكذا مرضه الثاني, وكان الامير سلمان يحضر الى منزل سماحته مرات كثيرة ويجري اتصالات هاتفية به وبأبنائه او بمستشاريه متابعاً لحالته بشكل يومي، بل ربما اتصل في اليوم اكثر من مرة ولو قلت على مدار الساعة لم ابالغ في ذلك.
8- كانت مظاهر الحزن الشديد والتأثر البليغ بعد وفاته ظاهرة على كل من رأيناه مباشرة او بواسطة التلفاز.
وممن رأيته مباشرة وهو متأثر بدرجة كبيرة وربما اغرورقت عيناه بالدمع الامير متعب بن عبدالعزيز والامير عبدالرحمن بن عبدالله بن عبدالرحمن والامير سلمان بن عبدالعزيز والامير سطام بن عبدالعزيز والامير سعود بن عبدالمحسن والامير محمد بن سعد والامير الفقيه عبدالرحمن بن سعود الكبير، والامير الدكتور سعود بن سلمان واخوه الامير الدكتور محمد بن سلمان، وغيرهم ممن حضروا لتعزية ابناء الشيخ رحمه الله.
ومظاهر تقدير سماحة الشيخ عند ولاة الامر اكثر من ان تحصر هنا زادهم الله برا بالعلماء وتقديراً واجلالاً واحساناً.
* ما الكتب التي قرأتها على سماحة الشيخ واين؟
- كان وقت الشيخ في السيارة اثناء ذهابه لزيارةاحد او لإلقاء المحاضرة او نحو ذلك من انفس الاوقات واحسنها للحديث مع الشيخ والقراءة عليه، وذلك لعدم وجود احد غير المرافقين وعدم وجود الهاتف.
وقد يسر الله تعالى علي القراءة على سماحته في سيارته ومكتبته عدداً من الكتب العلمية النافعة بمشورة سماحته وتوجيهه منها:
- كتاب الحسبة لشيخ الاسلام ابن تيمية.
- كتاب طريق الهجرين لابن القيم وفي نهايته بحث عظيم كما يصفه الشيخ - رحمه الله - عن طبقات المكلفين.
- كتاب فضل علم السلف لابن رجب.
- كتاب رفع الاساطين في حكم الاتصال بالسلاطين للشوكاني.
- كتاب كشف الصلصلة في وصف الزلزلة للسيوطي.
- كتاب المفهم لما اشكل من تلخيص كتاب مسلم للقرطبي، ووصلنا فيه الى ص 336 من المجلد الاول.
وللشيخ تعليقات مهمة على معظم هذه الكتب تشرفت بكتابتها, وهناك كتب اخرى متنوعة نقرأ فيها موضوعات محددة بطلب سماحته.
* مارأيك فيما كتب عن سماحة الشيخ - رحمه الله - في الصحف بعد وفاته؟
- جوانب العظمة والتميز في شخصية هذا الامام كثيرة ومتعددة، وطلابه وعارفوه كثير، فضلاً عن محبيه مما حدا بكثيرين الجزم بالقول ان الامة كلها تحب الشيخ وأنه لايوجد له مبغض ولذلك لاغرابة ان تكثر الكتابات حوله، لكني لاحظت اخبارا في بعض الصحف جانبت الحقيقة التي اعرفها ويعرفها القريبون جداً من الشيخ.
* من هم ابرز تلاميذ الشيخ في نظرك؟
- سبق ان ذكرت لك ان الشيخ جامعة عملاقة تتلمذ فيها عدد هائل من الطلبة من الداخل والخارج، وحصرهم صعب جداً، فهناك تلاميذه اثناء قضائه في الدلم وتلاميذه في الرياض بعد ذلك وتلاميذه في المدينة ثم تلاميذه في الرياض مرة اخرى وتلاميذه في مكة والطائف كيف يمكن حصر هؤلاء!!
* ماذا يمثل هذا الجمع الحاشد في جنازة الشيخ والمشيعين له والمعزين فيه برأيك؟
- لاشك ان ذلك يدل على الحب الكبير الذي كانت الامة تكنه لعالمها وامامها قدس الله روحه لكني تألمت كثيراً حينما رأيت بعض التصرفات غير السليمة في مكة المكرمة مع جنازة الشيخ - رحمه الله - ومن ذلك التدافع الشديد حول نعشه حتى كاد بعض ابناء الشيخ وأناس آخرون ان يهلكوا وكذلك تصرف بعض الاخوان حينما سبقوا أبناء الشيخ بالركوب في سيارة الاسعاف التي اقلت الجنازة من بيت سماحته في مكة الى المسجد الحرام.
كذلك رفع الصوت بالتكبير خلف الجنازة ولا ادري عن مدى مشروعية هذا العمل!! فالله المستعان.
* هل هناك وقائع في حياة الشيخ - رحمه الله - شهدتها- بنفسك لها دلالات معينة او جوانب في حياته لم تسأل عنها وتود الاشارة اليها؟
- حياة الشيخ كلها عطاء وكلها خير وكلها مواقف ايجابية واحداثها ذات دلالات وابعاد تربوية ودعوية، ومن الجوانب المهمة في حياته رحمه الله:
1- عدم الملل من القراءة والبحث والمطالعة فيمكن ان يجلس ساعات دون ملل او ضجر في حين أن من حوله يملون ويضجرون.
ولقد استمر الشيخ في البحث والقراءة ومطالعة الكتب من سنوات عمره الاولى حتى ساعاته الاخيرة رحمه الله.
2- الشيخ يحضّر لدروسه جيداً ويقرأ كثيراً قبل الدرس بوقت كاف.
3- الشيخ متابع جيد وبدرجة كبيرة للاحداث السياسية من خلال وسائل الاعلام المتنوعة والنشرات الخاصة.
4- يحب - رحمه الله تعالى - الاخبار الطريفة والغريبة التي تنشر عبر وسائل الاعلام ويتعجب منها, وكنت احرص على احضارها اليه لادخال السرور على نفسه - رحمه الله - وهو مسرور دائماً.
5- لايبخل الشيخ بجاهه في اي مجال من مجالات الحياة ولايتردد في بذل المعروف لاي احد.
6- لم يكن الشيخ رحمه الله متساهلاً في امور الشفاعة، فالشفاعة الحسنة عنده اولاً قربة وطاعة لله تعالى ثم هو لايشفع الا لمن يزكى عنده من عدد من الثقات المعروفين لديه بخلاف ما يظنه بعض الناس عنه في هذا الامر.
7- للشيخ قدس الله روحه تعامل فريد مع الاطفال فحينما يسلم عليه الصبيان فانه غالباً ما يسأل عن الاسم ومستوى الدراسة ثم يسأله من ربك وما دينك ومن نبيك ولاي شيء خلقت وما الدليل، واحياناً ماذا تحفظ من القرآن.
8- اعمال الشيخ الخيرية والدعوية كثيرة جداً، فهناك آلاف المساجد بنيت بواسطته في الداخل والخارج، وهناك المدارس وحلقات القرآن الكريم وحفر الآبار وشق الطرق واعانات الزواج وغيرها كثير جداً ولايوجد فيما اعلم عمل خير الا وكان للشيخ فيه نصيب وافر رحمة الله عليه.
9- من شدة كرمه وترحيبه بضيوفه انه اذا انتهى من أكل على العشاء او الغداء لايبادر بالقيام الا بعد ان يتأكد من ان الجميع قد انتهى واذا قام قبل ذلك فانه يردد عبارته المشهورة (كل باختياره كل باختياره) بمعنى اتموا أكلكم - رحمة الله تعالى عليه -.
واذا دعا له الضيف بعد الاكل فإنه يرد عليه بقوله (فيه العافية).
10 - اذا سمع من احد كلاماً لا يعجبه او تدخل فيما لايعنيه فانه يقول له (سبّح سبّح) لا يزيد على ذلك.
11- من دعواته التي كان يرددها (اللهم اهدنا فيمن هديت) و(الله يحسن العاقبة) , و (الله يطيب قلوب الجميع)، حينما يقدم له الطيب (والله يهدي الجميع) حينما يذكر احد عنده بسوء.
12- حينما يخرج من عائلته ويستقبله احد كتّابه او احد طلابه او احد حراسه فانه يبدأ بالمصافحة قبل الشخص الآخر ويسأل عن احوال الشخص واحوال اهله وهكذا من كريم خلقه وعظيم تواضعه.
13- لا توجد قضية من قضايا المسلمين في حياة الشيخ الا وكان له رأي فيها ودور بارز في معالجتها.
وختام القول: ان سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز - رحمه الله - امة في رجل جمع فضائل الخير ومناقب البر نحسبه كذلك ولانزكي على الله احداً.
جمعنا الله تعالى به في جنات النعيم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقاً، وارجو الله تعالى ان يعينني على اكمال مابدأت من كتابة سيرية مفصلة عن سماحته.
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
جبل الدعوة الى رحمة الله
الاقتصـــادية
القرية الالكترونية
المتابعة
منوعــات
عزيزتي
المحرر الأمني
الرياضية
تحقيق
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved