(1)
** قال,, استقل
فالعقلُ في أفق الهوى
يعني الغياب!
والوعيُ في درب الغوى
يصف اليباب
واللونُ حين تصوِّح الأشجارُ
ليس سوى السراب
من نحنُ
إن سقطَ القناع عن التراب؟
من نحن
إن خشي المحبُّ صدى الجواب؟
إن شئت
كُن,, أو لا تكن
فالحيُّ لا ينسى الإياب
والرقمُ مبتدأُ الكتاب
والعارفون
هم الأُلى
ركبوا السحاب!
وأتى وراءهمُ
الذين رضوا
الدنيّة
واختفوا خلف الضباب.
***
(2)
** الحكاية هي التغيير ، ومن يستطيع فهمَه سيكون قادراً على التفاعل ثم التنبّؤ بما بعده، وإذا وجدت جملة الشرط تحققت جملة الجواب !.
** ليس الحديثُ مجرّداً من أطُر الواقع ليهيم في مدار النظرية ، فالمعرفة تتضاعف كل سبع سنوات ويوضع أربعون ألف مصطلح جديد كل عام ، ويصدر مقال أو بحث علمي كل دقيقتين، وتكتشف مائتا حقيقة كل أربع وعشرين ساعة ، وخلال جيلٍ واحد عشنا ما يعادل عَشرَ ثورات صناعية وعَشرَ حركات إصلاحية، وتبدلات مائة جيل ! وبإمكان لغة الأرقام أن تقرأَ الأمر من أبعادٍ اقتصادية وتقنية ليبدو الحجمُ الهائل لماردِ الحضارة المعاصرة، ولنتخيل معه ما سيصبحُ عليه غولُ الغد الآتي!.
(1902 المستقبلية )
** استطاعَ ه,ج, ويلز (المستقبلية 1902م)
ان يتحسس القادم فيمهِّد الطريق له في الأذهان الغافية ، وقبله - كما بعده - بُصراءُ استطاعوا النفاذ إلى المجهول واستشراف أفقٍ مختلف لحياةٍ مختلفة!.
***
(3)
* اللهم يسِّر وأعِن
** بها استهل المعرِّي رسالة الغفران ليتأمل في دواخله الخفيِّة, فيتحدث عن مرحلة كونه مثل الحماطة ثم مثل الحَضب لينتهي مثل الأَسود ، ويعي - مع ذلك - أحاسيس الذات:
* ولستُ أحمدُ بشرى وهي كاذبة,,, .
* مهجتي ضدٌّ يحاربني
أنا منِّي كيف أحترسُ؟!
** وهو ينتهي الى فلسفةٍ حياتيّة تحاول الاطمئنان إلى شكلٍ آخر تجسِّده :
وإن صحَّ ان النيِّرات مُحِسّةٌ
فماذا نِكرتم من ودادٍ ومن صِهر,.
لعلَّ سهيلاً وهو فحل كواكبٍ
تزوج بنتاً للسِّماك على مهر
يقولون تأتي فوقَنا مثل ما أتى
بنو الأرض في حال السِّرار أو الجهر
** وبقية القصيدة تبيانٌ لمعطيات معادلاتٍ جديدة شاء منها الإبحارَ ثم القرار ، ولم يكن مِمّن يؤثرون الفرار ! وما أكثرهم!.
***
(4)
** يحاول بعض مؤرخي الحضارة الحديثَ عن أربع موجات )Waves( أسهمَت في صنع التغيير الكبير الذي مرَّ على بني البشر، وكان أولها الزراعة ثم الصناعة وجاءت بعدهما الموجة الثالثة - كما عرّفها ألفين توفلار في كتابه الشهير )The Third Wave( 1980م الذي مثّل امتداداً لكتابه الأشهر صدمة المستقبل (1970م) (بيع منه أكثر من ستة ملايين نسخة وترجم إلى أكثر من عشرين لغة، وأصبح اسمه مصطلحاً حضارياً متداولاً,,)
** ويرى الباحثون أن هذه المرحلة قد شهدت عناية بمنظومة القيم والعلاقات الانسانية التي تربط المؤسسات بالناتج القومي، وتتوازن فيها الموارد مع الأرباح ، واستطاعت تجاوز خطايا الثورة الصناعية التي اعتمدت على استغلال كل ما هو متاح ولو كان غير مباح !.
** أما الموجةُ الرابعة - وقد وردت بهذا اللفظ في كتابٍ أصدره هيرمان مينارد وسوزان ميرتنز عام 1993م - فإنها تتوجه إلى القرن القادم بلغةالخدمة وكسر الحدود والاهتمام بالإنسان قبل الآلة,,! وبالبيئة مع الاستثمار ، والتقنية إلى جانب الهدوء ! وهي تناقضات قد تصدق أو تكذب لتُرهص لمرحلة جديدة بدأنا في الدخول إليها دون الاستئذانِ منها أو الاستئناسِ بها!.
** وإذن فهي أربعُ موجات لم تستطع الأولى بلورة نظرية لها فجاءت الثانية لتُعلي شأن المنافسة والانفصال ، وتعزز الثالثة فكرة التعاون والاتصال ، ولتدعو الرابعة - دون أن تضمن النجاح - إلى الوحدة والمشاركة والتفاعل ولهم أن يسمُّوها عولمة ، ولكم أن تطلقوا عليها عالمية ، ولغيركم ان يتحفظ وينتظر!.
***
5/1
** هل آذنت هذه الأرضيّة بحوارٍ جديد حول معنى التغيير ؟ وهل يمكن لها أن تستجيب لدعوة البحث في الآتي عبر دراساتٍ علمية تقول ما لا تجد متيقنة أن اللسان القادم يحتاج إلى ترجمان .
** لنعد سريعاً إلى لغة الأرقام حيث يضم العالم أكثر من أربعمائة مؤسسة ومعهد ومنظمة لدراسات علم المستقبل )Futurology(، ويعمل بها ما لا يقل عن سبعة آلاف باحث ، كما تصدر أكثر من مائتي دورية تعنى بهذا العلم، بل إن الجامعات الحقيقية قد أدخلته منهجاً في مقرراتها، وأنتجت المصانع عشرات الألعاب ليقترب منه الصغار إن نأى الكبار ، وبقي العالم العربي حيث وقف بهم الألوسي والأزري وماغي فرح وخرافات الأبراج الشمسية والصينية وحظك يا بو الحظوظ !.
5/2
** ابتدأت معالم الصورة في التحدد فالعالم يقرأ ونحن نتفرج، وهم يعملون ونحن ننام، والوضع لا يحتمل بكائية اخرى نضيفها الى قوائم العجز التي أحالتنا الى مقعدين !
** تحول المستحيل إلى ممكن والممكن إلى تاريخ ومرَّ الآخرون بالحداثة وتخطوها الى ما بعدها ، ولم يعد اليقين وارداً في معادلات الغد وأضحى المطلق حديث سهو ولهو، فالرقم لا ينتهي والخيال لا ينقطع,,، والقادر هو من يسبق ولا يكتفي بأن يسابق !.
** والمطلوب خطاب عقلي واسعٍ يقفز على المقدمات ويتوقع النتائج ويُفسِحُ مكاناً وإِمكاناً للبحث العلمي فيصرف جهده على ما ينفع الناس ويمكث في الأرض!.
** أمر ليس صعباً، بل هو امتداد للحركة النهضوية التي مرت بها الأمة في عصر التدوين بوصفه - كما يرى محمد عابد الجابري - الإِطار المرجعي للعقل العربي فجاءت علوم الأعاجم لتحتل موقعاً متميزاً في الثقافة العربية الاسلامية، وهكذا علوم الأوائل والعلوم العقلية دون أن ينسوا علوم العرب وعلوم الدين والعلوم النقلية فكان المزج كيمياء البعث الحضاري الذي لا نزال نؤول إليه ونبكي عليه!.
** انفتحوا على كل التيارات الاغريقية والهيلينية والفارسية ففتحوا الآفاق، وتأملوا في فلسفات الممكن والمستحيل فأخذوا منها وردّوا عليها، وتكونت لهم ملامح مميزة، لم يمسخها انطلاق ولم يضف إليها انغلاق !.
** ويبقى العقل الغائب أو الغافي أو الانشطاري - على حد تسمية جورج طرابيشي - أو المستقيل - بتعبير الجابري - مسؤولاً عن انحسار بل انعدام الفعل والتفاعل في زمن المعادلات المقلوبة والمجنونة !.
***
6/1
** يحتاج العالم العربي - إذا أراد التواؤم مع هذه القفزات المخيفة - إلى تغيير وإلى إدارة تنحو به في الاتجاه المطلوب، وتقوده إلى حيث يأخذ التغيير شكلاً جديداً يضمن به الانضمام لنادي النخبة !.
** وإذن فالخطوة الاولى هي اختيار الاتجاه ليجيء التحدّي الأهم في توجيه الجموع للاقتناع به، والسير في بوصلته ، وفي ذلك ما فيه من إعادة قراءة الأبعاد الحالية لمعطيات الانسان ، والمنهج ، والعقل ، والآلة ، والعرف ، والسائد ، والآسن ، والمتحرك ، والثابت ، والمتحول ، والسهل والصعب ، والقريب ، والبعيد ، دون أن يتعارض ذلك مع ما هو قعطيُّ الثبوت والدلالة بإجماع علماء الأمة إذ هو الوقود المحرك لقوافل النمو والتطور!.
** وتأتي - بعد ذلك - مرحلة مهمّة يعنيها خلخلة الركود ، وإيقاظ الرقود ، وتفجير منابع القوة والطاقة والتوثب بالتحفيز الداخلي والخارجي الممتد نحو مكامن العطاء ومناخ البناء، وحرية الأداء ضمن منظومة مستقرة,, تتكامل فيها معاني البحث عن غدٍ افضل!.
***
6/2
** لسيد قطب - رحمه الله - (1906 - 1966م), رأي يجدر أن تنتهي إليه هذه الرحلة المضنية، حين تصور - في كتابه المستقبل لهذا الدين أن أمامنا كفاحاً مريراً شاقاً طويلاً لاستنقاذ الفطرة من الرُّكام ثم تغليب الفطرة على الركام,,!.
** إن معادلة الفطرة والركام هي ذاتها إرادة ثم إدارة التغيير في المراحل المتعاقبة التي أشارت إليها الخاتمة ، وآذنت بها البداية ، والله - جلّ شأنه - لا يُغيِّر ما بقومٍ حتى يُغيِّروا ما بأنفسهم!.
* * من هنا يُصنع التاريخ!.
|