اشتهر ابن الرومي بطول النفس في قصائده مع تقصيه للمعنى الذي قال فيه قصيدته حتى أنه لا يترك لشاعر بعده معنى جديدا.
يقول عنه العماد مصطفى طلاس في كتابه ديوان العرب ج1: ,, وهو شاعر كبير من طبقة المتنبي تميز بطول القصائد وبالقطعات الساخرة ويضيف طلاس مترجماً لابن الرومي: ,, ولد في بغداد من أب رومي وام فارسية حصل على ثقافة واسعة في صباه وكانت حياته سلسلة متواصلة من الخيبة والارزاء فتزعزع كيانه وضعفت أعصابه فتشاءم وتطير ونكب في أسرته فزاده ذلك جزعا وتشاؤما.
ومن المفارقات العجيبة أن ابن الرومي على ما كان عليه من تشاؤم وتطير كان يعشق الحياة عشقا جنونيا يدفعه هذا العشق الى اللهث وراء عواطفه الهوجاء والركض خلف غرائزه التي لا تشبع ولا تروى, وكان الجمال الحسي أحد الأشياء التي كلف بها شاعرنا,, فالوجه الحسن يغريه,, والصوت الجميل يبعثره,, لهذا مات 383ه - وكانت أهواؤه وغرائزه سبب موته.
أما قصيدته وحيد المغنية 58 بيتا فهي من أجمل ما قرأت في الوصف إن لم تكن أجملها على الإطلاق:
ياخليليّ تيمتني وحيد ففؤادي بها معنى عميد غادة زانها من الغصن قد ومن الظبي مقلتان وجيد وزهاها من فرعها ومن الخدين ذاك السواد والتوريد فهي برد نجدها وسلام وهي للعاشقين جهد جهيد اوقد الحسن تارة في وحيد فوق خد ما شابه التوريد وغرير بحسنها قال صفها قلت أمران: هين وشديد يسهل القول إنها أحسن الأ شياء طراً ويصعب التحديد تتجلى للناظرين إليها فشقي بحسنها وسعيد تتغنى كأنها لا تغني من سكون الاوصال وهي تميد في هوى مثلها يخف حليم راجح حلمه ويقوى رشيد معبد في الغناء وابن سريح وهي في القرب زلزل وعقيد عيبها أنها إذا تمنت الاحرار ظلوا وهم لديها عبيد |
ويبالغ ابن الرومي في وصف مغنيته الجميلة حتى يتحد بها كما يفعل أهل التصوف حين يتجاوزون في حبهم حدود الدنيا ويتحدون مع محبوبهم , فيقول:
حسنها في العيون حسن وحيد فلها في القلوب حب وحيد |
على أن الشيء الذي يجب ان يعترف به أن ابن الرومي جعل من وحيد المغنية وحيدة زمانها.
وبقصيدته هذه تمنى كل قارىء أن يرى وحيد المغنية هل هي حقا كما قال عنها الشاعر,, أم مجرد خيال شاعر يهيم بالحسن المثالي يقول خلاف ما يرى؟
كاتب هذه السطور يقول انه ما تمنى شيئا إلا كما تمنى رؤية مغنية ابن الرومي,, الشاعر العباسي الذي ظلمه عصره وأهل عصره.
أخذ الدهر ياوحيد لقلبي منك ما يأخذ المديل المعيد حظ غيري من وصلكم قرة العي ن وحظي البكاء والتسهيد غير أني معلل منك نفسي بعد اتٍ خلالهن وعيد ما تزالين نظرة منك موت لي مميت ونظرة تخليد نتلاقى، فلحظة منك وعد بوصال ولحظة تهديد عجبا لي، إن الغريب مقيم بين جنبيّ، والنسيب شريد قد مللنا من ستر شيء مليحٍ نشتهيه، فهل له تجريد ! هو في القلب، وهو أبعد من نجم الثريا فهو القريب البعيد |
بدر عمر المطيري