Saturday 12th June, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,السبت 28 صفر


العلاقات الخليجية الإيرانية في إطار العقل والمصلحة

لا اعتقد ان هناك من ينكر بأن العلاقات الخليجية الايرانية قد مرت بأزمات شديدة وصلت حد العداء الشديد، وكل غيور مخلص يؤمن بالمصلحة العامة وحق الجوار، كان يحز في نفسه ان تصل الامور الى ما وصلت اليه, واذا اخذنا المملكة العربية السعودية مثلا باعتبارها المحور الاكبر في مجلس التعاون الخليجي، فإننا نجد ان العلاقات السعودية الايرانية وصلت الى حد الخط الاحمر في مرحلة معينة، وبدون الدخول في الاسباب والمسببات، فإن المتأمل في مسار هذه العلاقات يجد الطرفين تضررا تضررا بالغا من تردي العلاقات.
ومن حسن الطالع ان الآونة الاخيرة شهدت تحسنا ملحوظا في العلاقات الخليجية الايرانية، وبالذات بين المملكة العربية السعودية وايران خاصة عندما قامت القيادة السعودية، باستقبال القيادة الايرانية المعتدلة بصدر رحب يحكم العقل، والمصلحة وحق الجوار، ومن ثم فتحت باب التفاهم على مصراعيه، واضعة نصب عينيها الامور التي تعود بالمصلحة العامة للجميع.
وعلى الرغم من ان هذا الامر يسر كل مخلص ينظر بعين الاعتبار الى المصلحة العامة، فإن بعض الناس - في الخليج وغيره - اظهر عدم الارتياح لهذه الظاهرة الايجابية بين المملكة وايران.
وطرح بعض الاعلاميين اسئلة تفوح منها رائحة التشكيك والتشويش والتخريب ومع الاسف الشديد هناك اعلام عربي اقل ما يقال عنه انه اعلام (هدام) الذي ما يرى بادرة ايجابية في العالم الاسلامي حتى يبادر الى محاولة الهدم والتخريب وتشتيت الشمل, ومما لاشك فيه او بغض النظر عن النوايا، فإن هذا الاعلام المخرب يخدم اعداء الامة من الصهيونية المتربصة، ومن شايعهم - وهم كثر - ولو كان هذا الاعلام على المستوى الشخصي لهان الامر ولكنه مع الاسف الشديد، عبارة عن فضائيات مملوكة لدول شقيقة ومدعومة منها.
وبالنسبة للتحسن في العلاقات بين المملكة وايران فإني لن اتطرق للمسائل الطائفية، فهذه قضية ليست مطروحة للنقاش وليس لهاعلاقة بما حدث بين ايران ودول مجلس التعاون ومن المصلحة عدم الخوض فيها.
وإنما سأركز حديثي على المصالح المشتركة التي يجنيها الطرفان من هذا التحسن في العلاقات.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل التقارب السعودي الايراني يخدم مصالح مشتركة للبلدين؟ اقول نعم, واذكر الآن بعض هذه المصالح على سبيل المثال لا الحصر:
1- ان المسالمة بين البلدين هي القاعدة الثابتة من قديم الزمان - التي يجب ان يحافظ عليها الجميع، فالاسلام دين السلام والمسالمة والوفاق وهو يلزم اتباعه قبل الآخرين بأن يفشوا السلام بينهم وان يتعاونوا على البر والتقوى ولاشك ان المسالمة توفر على الطرفين جهود واعباء التربص والصراع، وهذه بحد ذاتها، ولاشك، مصلحة كبيرة، ولا يمكن ان يفرط بها عاقل يهتم بمصلحة شعبه وبلاده.
2- تفويت الفرصة على الاعداء المتربصين، فمن المعلوم بالضرورة ان الاعداء ينفذون مخططاتهم من خلال الفرقة والخلاف والنزاع, وعلى ضوء ذلك من المصلحة العليا تفويت الفرصة عليهم.
3- الاتفاق السعودي الايراني على خفض انتاج النفط كان القاعدة الاساسية للتوصل الى اتفاق اشمل، ولاشك ان هذه الجهود المشتركة كان لها اكبر الاثر في رفع معدلات سعر البرميل من 8 دولارات الى نحو 15 دولارا اي الضعف تقريبا - وهذه مصلحة حيوية لا يكابر فيها الا مغرض قصير النظر - وهذه الفائدة طالت كل دول مجلس التعاون الخليجي.
4- تنشيط الحركة التجارية وتوسيعها بين البلدين وفي ذلك مصلحة محققة لكل من المملكة وايران.
وانا اعتقد جازما ان هذا التطور الايجابي في العلاقات بين البلدين هو في مصلحة الدول الخليجية جميعا، فزيادة التفاهم بين المملكة وايران تعني بطبيعة الحال زيادة التفاهم بطريقة مباشرة او غير مباشرة بين ايران وبقية الدول الخليجية، ومخطىء من يتصور عكس ذلك.
يضاف الى ذلك انني ارى تحسن العلاقات بين اهم دولتين في الخليج سيؤدي حتما الى تهدئة عامة في المنطقة كلها.
وهذه التهدئة مطلوبة جدا حيث التدخلات الاجنبية تتذرع دائما بوجود توترات ومخاطر في الخليج وتسعى الى اشعالها وايجادها والتخويف بها فاذا ادى التصالح والتوافق الى ازالة هذا التوتر فلا يعود هناك مكان لمبررات القوى الاجنبية والادعاء بحماية بعض دول المنطقة من بعض.
وإذا وجد في الساحة من يروج - سواء من خارج السرب او داخله - ويقول ان التقارب بين المملكة وايران اضر بمشكلة الجزر بين ايران والامارات اقول بكل ثقة وانا واثق مما اقول: ان العكس هو الصحيح، فالمملكة العربية السعودية بدورها القيادي والفعال في مجلس التعاون، وبعد التفاهم المبني على العدل والمصلحة العامة مع ايران، جديرة بأن تجعل فرصة الحوار افضل واقوى مما كانت عليه الامور في السابق, والسؤال الذي يطرح نفسه، هل حققت الامارات في ايام الخلاف شيئا من قبل افسده التصالح مع ايران؟ ولنكن واقعيين ونسأل: ما هي وسيلة حل النزاع الجغرافي بين الامارات وايران؟
هناك الوسيلة العسكرية, وهذه وسيلة مستبعدة حتى من قبل الامارات نفسها، وذلك لاسباب كثيرة اهمها: اجتناب الحروب المدمرة التي انهكت المنطقة ولا تزال منطقة الخليج تعيش آثارها المرهقة البغيضة خلال العقدين الاخيرين من الزمان.
واذا نحينا الوسيلة العسكرية جانبا في ضوء ما تقدم، فإن الوسيلة العملية الممكنة الوحيدة هي: التحاور والتفاهم والتفاوض, ولاسيما في ظل قيادة إيرانية معتدلة تحرص على سمعة بلادها ومصالحها.
وبمنطق هذه الوسيلة السلمية الوحيدة يجب ان تتعدد اصوات التحاور والتفاهم, ولاشك ان تحسين العلاقة بين المملكة وايران يجعل المملكة اقوى صوت في المنطقة في التفاهم مع ايران من اجل انهاء النزاع بينها وبين دولة الامارات في ضوء ميزان الحق والعدل الذي يحكم علاقات المملكة مع القريب والبعيد, وليست الامارات وحدها هي المطالبة بالاستفادة من الدور السعودي العادل والعاقل والمنصف، بل على ايران ايضا ان تستفيد كل الفائدة من هذا الدور محكمة منطق الإنصاف، عاملة على تحسين سمعتها لدى دول الخليج وشعوبه وهي سمعة تأثرت بلاشك جراء مسألة الجزر هذه.
لقد استفادت ليبيا من علاقة المملكة الجيدة مع كل من امريكا وبريطانيا, وتجسدت هذه الفائدة في حلحلة مشكلة معقدة وهي مشكلة لوكربي , ومع وجود الاختلاف في القضيتين إلا ان الدرس المستفاد هو: ان علاقات المملكة الجيدة مع دول العالم تصب في نهر المصلحة العربية الإسلامية، ان المملكة بقيادتنا الرائدة وبثقلها الدولي وبحسن نواياها جديرة باحتواء الأزمة بين الإمارات وإيران, والمملكة العربية السعودية سائرة بخطى ثابتة وبدأت تجني ثمار تصرفاتها ليس على نطاق المنطقة فقط، بل أبعد من ذلك والدليل على ذلك ما قام به ولي العهد الامير عبد الله بن عبدالعزيز في زيارته الاولى وفي زيارته الثانية، والتي بين فيها موقف المملكة العربية السعودية السياسي، والاجتماعي، والاقتصادي، والإسلامي، ودعا الى لم الشمل العربي الاسلامي، ونبذ الخلافات وتوحيد الكلمة، وركز على الاقتصاد وفتح ابواب التعاون موضحاً ان العالم العربي الإسلامي ، قوي بكل المقومات إذاتم التفاهم بين الفرقاء, وحققت هذه الزيارات نجاحات باهرة تحدث عنها الأعداء قبل الاصدقاء وهذا الدور الرائد الذي تقوم به المملكة العربية السعودية ، حقق الإعجاب عند القادة والشعوب اثناء زيارة ولي العهد والصحافة العالمية تحدثت عن هذا الدور الرائد الذي يقوم به ولي عهد المملكة الأمير عبد الله بن عبد العزيز، بكل اعجاب وتقدير.
دولة كهذه تقوم بهذا الدور الرائع بكل ما لديها من إمكانيات وتدعو العرب والمسلمين معاً الى التعاون ونبذ الخلاف والتوجه الى اعادة الحسابات من جديد والاستعداد الى مواجهة التكتلات الرهيبة في هذا العالم المضطرب,، وتحث على الاستعداد لمواجهة هذا الواقع المخيف وان على العرب والمسلمين اليوم وليس غداً الاستفادة مما اعطاهم الله سبحانه وتعالى من إمكانات هائلة واهمها نعمة الإسلام.
دولة كهذه تحمل هذه القيم والمبادىء النبيلة، التي يدعو لها ولي عهد المملكة العربية السعودية امام العالم أجمع بعيدة كل البعد ان تتصالح مع إيران على حساب الإمارات او غيرها.
اللهم اهد قومي فإنهم لايعلمون لأنهم لوعلموا لما تصوروا الأمور بطريقة معكوسة، ولو علموا لصبروا وصابروا، ولو علموا لشكروا المملكة العربية السعودية كصديق يحاور ويتفاهم مع صديق من أجل مصلحة صديق.
محمد الجبر الرشيد

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الاقتصـــادية
القرية الالكترونية
المتابعة
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
وطن ومواطن
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved