(1)
** لغتُه مستغلقة,!
* حروفُها:
لا بأسَ إن تحاول
لاضيرَ إن تخاتِل!
* سطورُها:
بحثٌ عن التِّيه بوسط التِّيِه
ورغبةٌ في رفقة السفيهِ
وغفلةٌ عن أفق يبغيهِ
وجدولٍ يُرويه
وقصةٍ تَرويهِ !
* مساؤُه:
كهفٌ بلا مأوى
وصرخةٌ في موئلِ النجوى!
* الحب - في أجوائه - فوضى
* واللون شكل الشِّيحِ في الرمضا
* والطعم ما نرضى ولا نرضى
* لا تطفئوا الومضا
إن شئتم الغمضا,!
***
(2)
** المرأةُ والوطن حكايتان تمتزجان لتمثٍّلا
شكلاً واحداً حيناً، وأشكالاً متعددةً حيناً آخر،
وفيهما معنى التجاوز، او لغةُ الانكفاء,,!
* ومنذُ الأزل والمبدعون يرسمون لوحة الأنثى الأرض ، والأرض العرض ،
والعرض الكرامة مؤمنين ان جمال الانسان ، وسمو المكان نقطتا عبور الذات إلى الذات ، والأنا الى الآخر ,,!!
* صورةٌ عامة تحتاج الى من يجلوها بحدثٍ، وإن لم فبحكاية ، ومنها يصلح البدء في ترحال البحث عن الغائب !
***
(3)
** رغم خياليّته الفنيّة، فقد بقيت شخصية (مصطفى سعيد) كما شاءها الطيب صالح في موسم الهجرة الى الشمال مؤثِّرةً، لدرجة تجاوزت فيها الاطار (السَّردي) الى الواقعِ المعاشِ فيتأمل القارئ عبرها ملامح من ملامحهِ ، أو لمحاتٍ من تركيبةِ سواه حيث عايشهم شكلاً ، أو التأم معهم ذهناً ، أو مرُّوا به مناماً وربما يقظةً ,!
** أما لماذا مصطفى سعيد ؟ فاستفهامٌ يقود الى سلسلة لا تعرف إجابات فكما هو كثير من هُم وهُنَّ حين أرادُوا ثم تردُّوا ، أو تمنَّين فمُنين ، وما أبعد المنيّة من الأمنية ,!
***
(4/1)
** كان مصطفى سعيد يتيماً إلا من أمِّه ، وعبقريّاً إلا من سلوكه، وإذ رأى فيه معلِّموه نابغة قدَّر مديره الانجليزي ان بلده لا تتسع لذكائه فسافر ولما يكلمه العشرين !
** الى القاهرة وعمره اثنتا عشرة سنة ، والى لندن وهو ابن خمس عشرة ، وأضحى محاضراً في جامعة لندن قبل ان يبلغ الخامسة والعشرين ,!
** وماذا بعد,,؟ فشابٌّ في القمة لا ينقصُه سوى إضافة النجاح الى النجاح لولا أنها السنوات السِّمان التي أعقبهن سنواتٌ أخر عجاف ,, بعد ان تعرّف بالمرأة أو بالنساء وانتهت بقتل زوجته (جين مورس) وهو في الثامنة والعشرين ليمضيَ - بعدها - سنوات السجن والغربة والتشرد، ثم يعود - في الخمسين - الى قريته ويتزوج (حسنة بنت محمود)، ويغرق في النيل عقب سنوات خمس ليجعل الراوي شاهداً ووصيَّاً على أولاده واملاكه,!
***
(4/2)
* (1898 - 1953)، عاش بينهما (مصطفى سعيد) فبلغَ لكنه (بالغ)، وجاءت الخاتمةُ بمثل قتامة البداية وحيداً فقيراً، في الأولى ، كئيباً، طريداً في الآخرة ، ولم تشفع له شهادة الامتياز أو علامات التفوق ! فوهن وهان بعدما هام وتوهم، وبات رمزاً ، لقادرٍ يعجز وسعيدٍ يشقى، ونبعٍ ينضب فيضحي سراباً ، يبابا ,!
(4/3)
** خطوةٌ متوثبة قادته الى مدارج العلا ، وكان بإمكان مصطفى سعيد أن يطمئن حيث أنجز بل وأعجز غير أن المرأة ، والارض لم يتيحا له، أو ربما لم يتح لهما أن يتجسدا في حياته الجديدة بشكل هادئ فغامر وقامر، وجاءت الهجرة بمفهوم ارتدادي نقضَ التطلُّع ، وهوى بالحلم ,!
** ربما استعدتُم الآن دلالةً مختلفةً للحديث الشريف فهو ممن انطبق عليه قول الرسول الاعظم,, ومن كانت هجرتُه لدنيا يصيبها، أو امرأة يتزوجُها فهجرتُه الى ما هاجر إليه,, او كما قال عليه الصلاةُ والسلام ، لنقرأ في معادلة الدُّنيا/ المرأة ما يُنبىءُ بناتجٍ قلقٍ يتشابكُ مع خطوط الطُّموح فتضيعُ الهويِّةُ,, وتوءد الرغبة ، ويضحي الطرف الأيسر - وهو المهم عند الحساب- صفراً ذا أبعادٍ هلاميَّة يظنه الغافل صوتاً وهو مجرد صدىً ,!
***
(5/1)
* يتكرَّرُ هذا الرمزُ في أكثرَ من مرءٍ أو موقعٍ ليعيش التساؤلُ المتصل,, حول علاقة المتحرك بالجامد ، عبر ثنائية المادة/ الروح ، أو الجسد/ العقل ,!
* لم يكن الطيِّب صالح بحاجة الى شرحٍ لمعطيات المعاني المستترة خلف مصطفى سعيد ووالدته ، والسيدة والسيد روبنسن وايزابيلا سيمور وشيلا غرينود وآن همند وجين مورس والراوي الذي تولى شؤون عائلة مصطفى سعيد ، ثم اختنق بقراءة مغامراته، وحاول الموت غرقاً لكنه تراجع وطلب النجاة بعد ان قرر الحياة,!
** تفاصيلُ غرائبيَّةُ تنقل الصورة/ الأصل ، والأصل/ الفصل ثم النهاية/ البداية ، والبداية/ النهاية أو هي الحياة / الموت والموت / الحياة !
(5/2)
** هل تبحثون عن ثنائيات جديدة، وإذن فتذكروا ما قاله البطل:
*أنا جنوبٌ يحنُّ الى الشمال !
** والتي قد نقرؤها بشكل آخر:
*أنا شمالٌ يكرهُ الجنوب ,,!
** أو ,.
أنا جنوب يحقد على الشمال .
** ألم يقتل مصطفى سعيد جين مورس ,؟!
* واذن فهي ثنائية اخرى ,!
* الحب / الكره والاتصال/ الانفصال والعشق/ الجنون والجوع/ الشبع وما شئتُم من متناقضات تمتلئُ بها الجوانحُ المثقلة,!
***
(6)
** هكذا تبدو الرواية بعيداً عن الانطباع السائد حول تمحورها في اطار (الصراع الحضاري) بين السيِّد/ الخادم والخادم/ السيِّد او بين المتنفِّذ/ المقهور والمقهور/ المتسلِّط ، وهي معايشات يراها الانسان في مسار حياته المحدودة ، وتبصرُها الأمةُ في مدار مسيرتها الممدودة !
** أو لا ترون هذه ثنائية تضاف الى تلك الثنائيات في تداخل غريب بين القيد/ المنطلق والانطلاق/ المقيّد ، وبين الحدود/ الممتدة ، والامتداد/ المحدود ، وهكذا تتوالى حكايات الفرد/ المجتمع والمجتمع/ الفرد دون أن ندرك حجم العلاقة او مدى الافتراق ،.
** وهذه معادلةٌ اخرى بطرفيةٍ متضادة فافسحوا لها في خانات حساباتكم!
(7)
** الانسان لا يبرحُ بلد طفولتِه !
** هكذا ترى المقولة او الحكمة ، وهكذا تثبت الممارسة أن العامل الفاعل في التكوين الانسانيّ هو طبيعة النشأة الاولى حيث التراب والهواء والدفء والصقيع والوعي والجهل ، والتقدم والتخلف ، والشدة والليونة ، والانفتاح ، والانغلاق ، والفرد والجماعة ، والنور والديجور ,!
** ثنائياتٌ تنضم إلى غيرها ليظلَّ المرء محكوماً بطرفين يتجاذبانه، فينجح أحدهما ويتعثر الآخر، وربما تعادلا فبقي في منطقة غير متوازنة يطلقون عليها الوسط ، وهي - الى السديميّة أو الضبابيّة أقرب حيث النظامُ الكونيُّ المرتبطُ بمسارٍ ومدارٍ وموقفٍ ورؤيةٍ، فالمعلَّقون في الفضاء لا يصلون إلى السماء ، ولا يثبتون على الارض .
* وخذوا مثلاً ، واحداً وأكملوا بأمثلة، منظمة (دول عدم الانحياز) لم تتجاوز حماسة مؤسسيها بينما استطاع وارسو والناتو ان يتسيَّدا، ويتناطحا، وتكون الغلبة لأحدهما، ويختتم الصراع بنظام دولي أسموه (جديداً)، ولو لم يتلاعبوا باللفظ لأمركُوه - على الأقل: إلى حين,,,!
***
(8)
**لا تحتمل الحياةُ نظرة متميِّعةً ، او سلوكاً مزدوجاً، وحين فشل مصطفى سعيد فلأنه لم يكن صاحب موقف، وإن بدا ذا تميُّز,,! وبعد ان اكتشف الخلل آذن الوقت بالانتهاء,,!
** نحن نعيش أعمارنا مرةً واحدة، والقرارُ الخاطئ - في لحظة مبكرة - جنايةٌ على المستقبل ، وهو - ذاته - (على مستوى المجموع) اغتيالٌ للتاريخ !
** ومن يقرأ السيرةَ الحقيقيةَ للأمة سيجدُ ان سلسلة من الهزائم قد تتالت نتيجة مزاجٍ فرديّ - أو سلوكٍ ارتجاليّ قادته مصلحة أو هوى أو عمالة !
** وثنائية الخلط بين ما يملكه الواحد ، وما هو حق الجماعة أوجدت هوّة في تقدير المسافة الفاصلة/ الواصلة بين الصحيح والخاطئ ,,!
** والموضوع - بجملته - ليس عرضاً لرواية، او استعادةً لحكاية، فكثيرون منّا هم مصطفى سعيد حين رأى دون رؤيةٍ ، وهاجر بلا هدف ، وفكّر من غير فكرة ، فأحبَّ وحقُّه أن يكره، ثم كره وواجبُه ان يُحب، ونحن - مثله - لا نأتي في التوقيت المناسب، والمكان السليم، والنفس الواثقة، ثم ننتظر أن تمطر السماءُ في مواسم الصحو ، وتشرق الشمس في أزمنة الغيم ,!
** لا عجب إن أقفرت الأفئدة ، وأجدبت القفار ,,!
** وأخيراً:
** لا تطفئوا الومضَ إن شئتم الغمض ,!
|