تحاول روسيا ان تتخطى رمزية وجودها العسكري في كوسوفا بفرض سيطرتها على مطار بريشتينا بكامل جندها المائتين لتضيف لنفسها ثقلا توظفه في التعامل مع باقي القوات الدولية التي تزيد عن خمسة عشر ألف جندي تحت ادارة الناتو ومظلة الامم المتحدة.
الجنرال البريطاني سير مايكل جاكسون، قائد قوات هذا الوجود العسكري في كوسوفا لم يتخذ قرارا يمنع هذا المسلك الروسي، وأعلن: نحن نرغب في تجنب الصدام الذي يخرجنا عن الهدف من وجودنا في اقليم كوسوفا وهو تحقيق السلام، ولا اعتراض على وجود العسكر الروس بمطار بريشتينا طالما لا يشكل خطراً أو خطراً على الملاحة الجوية.
غير ان صوت وزير الخارجية البريطاني روبن كوك اعترض من لندن على هذا المسلك العسكري الروسي، وطالب بضرورة التزامه بالعمل داخل اطر القيادة الموحدة للقوات الدولية في اقليم كوسوفا.
لم يكن هذا هو الخلاف الوحيد بين روسيا وحلف الناتو فقد سبقه وصول القوات الروسية الى كوسوفا عبر جمهورية صربيا مما جعلها تسبق بقية القوات الدولية الاخرى التي سلكت طريق الدخول اليها عبر مقدونيا بتحرك بطيء حذر خوفا من الالغام المزروعة في هذا الطريق.
غياب التنسيق بين القوات الروسية وبين قوات حلف شمال الاطلنطي دفع الجنرال سير مايكل جاكسون الى لفت نظر قادة القوات الروسية وطالبها بضرورة التنسيق لكل تحركاتها داخل اقليم كوسوفا حتى يتحقق الهدف الذي جئنا من اجله بأقل التكاليف وبحسن الاداء العسكري لتحقيق الامن للاقليم والحماية للانسان بكل انعكاساتها على الوصول الى السلام في البلقان.
قدمت قيادة القوة الروسية اعتذارها عن هذا الخطأ الذي وصفته بأنه غير مقصود وأكدت أنها ستلتزم في كل مسالكها العسكرية بالتعليمات التي تصدر لها من حلف الناتو على اعتبار انها جزء من القوة الدولية في اقليم كوسوفا.
الاحدات اللاحقة على هذا التجاوز للقوات الروسية بدخول الاقليم من طريق مختلف عن الطريق الذي سلكته بقية القوات الدولية لم يكن خطأ غير مقصود كما تدعي روسيا، وانما هو جاء نتيجة تخطيط يستهدف الوصول إلى بريشتينا قبل غيرها من القوات حتى تستطيع السيطرة على مطار عاصمة كوسوفا فتتحكم في الداخل إليه والخارج منه ليس في بداية الوجود العسكري في الاقليم ولكن عبر مراحل لاحقة خصوصا وان التواجد العسكري للقوات الدولية سيستمر لسنوات طويلة قبل ان يتحقق الاستقرار في كوسوفا لان الجرائم التي ارتكبت بها تحتاج لسنوات طويلة قبل ان تمحى آثارها من النفوس.
تركز القوات الروسية في مطار بريشتينا قد يؤدي إلى صدام عسكري بينها وبين قوات حلف الناتو، خصوصا في ظل التعاطف العرقي والديني بين روسيا وصربيا الراغبة في دخول الحرب ضد القوات الدولية التي اعلن من بلجراد بأنها استعمار عسكري مباشر للوطن، ،هذا يجعلنا نتخوف من احتمالات زيادة القوات الروسية في كوسوفا اما بجند من الروس او من الصرب او من الاثنين معا طالما ان الطريق الى كوسوفا من الصرب لايزال مفتوحا ومن الممكن العبور منه دون مراقبة الى اقليم كوسوفا.
يؤجج هذا الخوف عندنا الصراع الدائر اليوم في داخل السلطة ببلجراد بين الحزب القومي الذي خرج أعضاؤه الخمسة عشر وزيرا من السلطة لمحاربة سلوبودان ميلوسيفيتش وحزبه الاشتراكي المتهم ببيع الوطن للقوات الدولية والعمل على الاطاحة به وبحكومته ونزع السلطة للحزب القومي المؤيد من قبل الجماهير الشعبية في الشارع الصربي.
امامنا احتمالان كلاهما مر أولهما بقاء سلوبودان ميلوسيفيتش في السلطة مع حزبه الاشتراكي بترقيع الحكومة القائمة بأعضاء جدد في الوزارة لملء الفراغ الذي سببه خروج الخمسة عشر وزيراً منها,, وهو امر مرفوض من قبل الاسرة الدولية التي تطالب بالقاء القبض على سلوبودان ميلوسيفيتش ليمثل امام القضاء الدولي في لاهاي تنفيذاً لأمر محكمة الجزاء الدولية التي تتهمه بجرائم انسانية بشعة.
ومعنى ذلك ان بقاء سلوبودان ميلوسيفيتش بالسلطة مع مطاردته من قبل الاسرة الدولية سيدفعه إلى محاربة القوات الدولية في اقليم كوسوفا بمؤازرة من القوات الروسية ليس في شكلها الرمزي المتواجد في كوسوفا وانما بحجمها المكثف من خلال الامدادات بالرجال والعتاد من موسكو الى بلجراد.
وثاني الاحتمالين ان يخرج سلوبودان ميلوسيفيتش من السلطة بالهروب إلى روسيا او المثول امام القضاء الدولي في لاهاي، وتؤول السلطة الى قيادات الحزب القومي الذي يناصب القوات الدولية في كوسوفا العداء ويطالب من الآن فرض الحرب ضدها لتحرير ارض الوطن من هذا العدوان الدولي عليه.
يضاعف من خطورة هذا الاتجاه ان الشعب في صربيا بمقدار حنقه على سلوبودان ميلوسيفيتش الذي اورد الوطن موارد التهلكة، يناصب العداء لهذه القوات الدولية التي جسدت على ارض الوطن هزيمته النكراء امام قوات حلف الناتو الجوية.
صحيح ان القدرات المالية تقعد بالصرب وروسيا عن الانفاق على حرب مباشرة مع حلف الناتو وقواته الدولية في كوسوفا، ولكن من الصحيح ايضا ان تقوم حرب اهلية يمارسها المواطنون ضد الوجود العسكري الدولي في داخل اقليم كوسوفا وبدأت معالم هذه الحرب الاهلية بحرق المدن والقرى والقتل العشوائي للناس وهدم المساجد من قبل الجيش الصربي المنسحب من الاقليم.
وتزداد المؤشرات وضوحا من المظاهرات الشعبية التي قامت في مدن وقرى اقليم كوسوفا لتطارد الجيش الصربي المنسحب لقتل جنوده المعتدين على ديارهم بعد ان حقق الوجود العسكري الدولي الحماية النسبية من اخطار الجيش الصربي وقدراته على القتال العلني او القتل الجماعي المنظم فلجأ الى الضرب والهرب عند انسحابه وهي سمة من سمات الحرب الاهلية في الشوارع التي نتخوف كثيراً منها وندعو القوات الدولية الى اتخاذ الضمانات ضدها لتحقق الغرض الانساني الذي جاءت من اجله بتوفير الامن للاقليم والحماية للانسان.
من أمريكا يدعو الرئيس بل كلينتون اهل كوسوفا إلى ضبط النفس وعدم الدخول في صدام مع الجند الصربيين المنسحبين من أراضيهم ويعدهم في مقابل ذلك بعودتهم جميعا إلى ديارهم واعادة بناء المدن والقرى بمعونات دولية سخية.
ومن روسيا يعد الرئيس بوريس يلتسن بانتهاء الاوضاع التصادمية بين الجيش الدولي وبين القوات الروسية قبل نهاية الاسبوع الحالي ويقرر بأن الجند الروس سينفذون التعليمات التي تصدر إليهم من القيادة العليا للقوات الدولية في اقليم كوسوفا.
الجماهير الشعبية لاقليم كوسوفا تطالب باقامة دولة حرة مستقلة لهم لتصبح احد افراد الاسرة الدولية فيتعذر على الصرب الاعتداء عليها مرة اخرى لانهم يرفضون الخضوع للعذاب الذي فرض عليهم بالقتل للنفس والاستحياء للنساء والتشريد للاطفال بالدوافع العنصرية التي تستند إلى العداء العرقي والديني.
العالم الغربي يعارض قيام دولة مسلمة فوق ارض اوروبية، ويبحث عن صيغة للاقليم تحقق التوازن بين كوسوفا المسلمة وبين الصرب الارثوذكس اعنف المذاهب النصرانية ضد الاسلام، وهو يعكس التاريخ العدائي بين الكنيسة الشرقية وبين العالم الاسلامي.
هذا العداء الشرقي ضد الوجود الاسلامي في اقليم كوسوفا بقيادة الكنيسة الارثوذكسية الشرقية التي تعتبر بريشتينا أرضا مقدسة لها بدون سند تاريخي وهذا العداء الغربي ضد قيام دولة اسلامية فوق التراب الاوروبي بعوامل الخوف الوهمية والمصطنعة التي ترتكز على ان المسلمين يقودون الارهاب في العالم يصعب الوصول إلى معادلة سياسية تعطي اقليم كوسوفا هويته المستقلة، وتبعد الصرب عن انفعالهم وعدوانهم ضد المسلمين في كوسوفا.
غياب الحوار بين كل الاطراف المعنية واستحالة فتح النوافذ له يجعل مستقبل اقليم كوسوفا على كف عفريت على الرغم من وجود القوات الدولية في الاقليم وسعيها الى تحقيق السلام به.
|