الكتاب: مدفن الكبوشيين
المؤلف: جوزف روث
المترجم: ماري طوق
الناشر: دار الفاراجي
تدور احداث الرواية خلال الحرب العالمية الاولى، الحرب التي ستهيمن على اجواء الرواية دون ان يكون لها حضور فعلي فقط نتائجها التي تغير الكثير من عادات وتقاليد المجتمع ناهيك عن تدميرها البنية المجتمعية الارستقراطية.
البطل هنا وهو سليل اسرة ارستقراطية تحلم بأمبراطورية سلافية تضم النمساويين والهنغاريين والسلافيين , سيتعرض اكثر من غيره للدمار الذي يطول كل شيء في حياته علاقته بأصدقائه امة، زوجته، بالمجتمع القبيح التي كان يؤمن بها, وفي مناخات الحرب تتبلور لديه هذه الرؤية: ان الموت مهما كان دون معنى، فان يساوي اكثر من العيش دون معنى: (كنت بالطبع اخاف من الموت, لم اكن اريد ان اقتل بل فقط ان اثبت لنفسي امكانية موتي, الحرب التي تتجلى كمناسبة تتفتح فيها هذه الشخصية ويصبح معها كل شيء موضوعا للفكر والتأمل: ان احتمالية موت قريب كانت تجعل احاسيسي اكثر صدقا وطهرا, احيانا قد نشعر باننا سعداء جدا بمرضنا وانا كنت سعيداً جدا آنذاك بذلك المرض الفظيع الذي انتشر في العالم,, ووجدت من حقي ان اطلق العنان لكل الرغبات المحمومة التي اعتدت على لجمها كنت منعتقا اذ وجدت نفسي عرضه للخطر.
من العيش في خضم الاجواء السعيدة والصاخبة لشباب الطبقة الارستقراطية مشاركا اياهم ترفهم وكآبتهم الفظة ولا مبالاتهم الاثيمة ولهوهم المتعالي، من حياة رحبة تشرع آفاقها مثل حقل متنوع الالوان الى مواجهة قريبة جدا مع الموت، الموت الذي كان حاضرا قبل موعده بكثير وبالرغم من ذلك فانه اي الموت، كان يمنحهم لذة تفوق الوصف، في ما يمارسونه من لهو وحياة,على ان البطل منذ البداية يهيىء اختلافه عن الاصدقاء يهيىء نهايته المأساوية من خلال تلك الرؤى العميقة والشاعرية للوجود والرؤى التي تقترح حضورا متعددا للالم والغياب والوطن الذبيح الذي تستبيحه سلطة غريبة.
من جهة اخرى كانت الرواية من صفحة الى اخرى تلمس تلك الاحاسيس التي تنتاب الذاهب للحرب ازاء اولئك الذين لا يذهبون: كنا بدافع التبجح نكتب وصايانا وبدافع الغرور الصرف نتزوج على عجلة من امرنا,, كان الزواج يسبقنا بنبالة تفوق نبالة تضحيتنا الدامية.
ومن احاسيس الذاهب الى الحرب الى احاسيس الاسير.
والراوي يفترض به ان يعرض للاحاسيس التي تلهم اسرى الحرب، لكنه لا يعرف مقدار مايلاقيه هذا النوع من القصص من اللامبالاة لذلك فهو يتقبل طوعا قدره كميت في الوقت الذي يرفض ان يكون فيه راوي اشياء ميته، غير انه يفضل السكوت مؤقتا على ان يروي اشياء غير واضحة: فأنا لا اكتب الا لأرى بوضوح في داخلي ولأستغرق في ذكر الله.
فليغفر لي الله هذه الخطيئة, لكنه مجبرا سيروي كل الاشياء الميته, بعد انتهاء الحرب يستيقظ الناس على خسرانهم لمواقعهم ومراكزهم وبيوتهم وماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم ايضا تتغير انماط الحياة وتعم الفوضى وتبرز قيم جديدة ويسود نظام جديد، نظام جديد لا يستطيع البطل ان يتعرف على نفسه فيه ولكي يقاوم هذا النظام فانه يشعر انه ملزم قبل كل شيء باعادة النظام الى حياته الخاصة، باعادته زوجته اليه التي تركها عروسا عشية ذهابه الى الحرب لكن زوجته تنخرط ضمن آلية النظام الجديد وتدخل في علاقة غامضة مع امرأة تدعى (بولاند زاتماري) تعلم صناعة الفنون التزينية، صناعة عقود واشياء اخرى من مواد بدائية ووعي هذه المرأة التي تحضر كافراز للنظام الجديد يحتم عليها ان توجه الذوق الاورجي الفاسد في الطريق السوية والطبيعية ذلك انه في رأيها عاجز عن رد الاعتبار لمواد البدائيين واتجاهاتهم وعبقريتهم, يسترد زوجته لفترة ينجب منها ولدا ولا تلبث ان تهجره الى الابد لتلبي نداء الفن الذي لا يقاوم حسب كلماتها التي تركتها له قبل سفرها الى هوليود.
تتكثف نبرة اليأس وفقدان الهوية والغياب غياب حقيقة الاشياء وحيويتها بعد الحرب وتتفكك البلاد الى دويلات لكل دولة جواز سفر خاص بها.
حياد يتلبس السارد تجاه الاشياء اشياء الواقع ويعتبر نفسه عائشا سهوا ويتمرن على: مراقبة الاحداث التي تصفها الجرائد بالتاريخية، بنظرة محايدة نظرة من لم يعد ينتمي الى هذا العالم كان الموت ينعم على اجمالا بعطلة لا محدودة.
تموت امه التي كانت تعزف له الموسيقى على البيانو، قبل ذلك تصاب تدريجيا بالصمم فتقطع اوتار الالة الموسيقية حتى لا تضطر ان تعزف اشياء لا تسمعها كان ذلك ايذانا مبكرا بالتحولات التي ستشهدها الاسرة ذات التقاليد الصارمة في كل شيء التحولات التي ستحيل بيتهم الى فندق يستأجره نزلاء لا يجدون ما يدفعونه لقاء مبيتهم, بالصليب المعقوف ستكتسح المانيا البلاد فيخذله اصدقاؤه يظل وحيدا، في الليل يسير باتجاه (مدفن الكبوشيين) حيث يرقد الاباطرة، اباطرة الازمنة الغابرة، يبوح برغبته في ان يرى الامبراطور فرنسوا جوزف لكن ثمة من يثنيه فهذا ضد ارادة الحكام الجدد غير انه لا يأبه صارخا بمطلع النشيد الامبراطوري النمساوي ليحفظ الله الامبراطور,, ثم لا يدري بعدها اين يذهب: (اين اذهب الان؟ اين اذهب؟ انا سليل اسرة تروتا؟.
|