Saturday 19th June, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,السبت 5 ربيع الاول


جلسة في شمال
حَجر اليمامة على أطول نقا,,!

كان سكان الرياض قبل ربع قرن يطوفون فيها وحولها باستمرار,, في طلعات برية - يرتادون شعابها وجبالها وسهولها ومفاوزها في أوقات فراغهم,, أما في الحاضر فقد انشغل الناس - إما بجمال المدينة والتمتع بالحدائق والطرقات وإما لانشغالهم بأعمالهم ومن ثم السفر الى خارج هذه المدينة الراكضة المزدهرة بكل ما تعنيه هذه الكلمة - ولا يجتمع الكثير من الأخوة الذين يعرفون بعضهم البعض الا لماماً - أو مصادفة في أكثر الاحايين,, ولعل سمو الأمير سلطان بن محمد بن سعود الكبير ادرك كل ما ذكرت وربما اكثر فبدأ في كل عام يقيم ما يشبه الاجتماع المحمود الذي يجمع العديد من الاخوة والاصدقاء من رجالات المجتمع ومن كتله المختلفة من رجالات الاقتصاد والادب واساتذة جامعات واصحاب علم وفضل: يجمعهم مع سموه محبة صادقة مجردة من أي غرض, وفي كل عام يكون الاجتماع في مكان معروف سواء داخل مدينة الرياض أو خارجها كما تم هذا العام وعلى خير هدف وعلى وضح النقا - ضربت خيمة فارهة - على طعس من الرمال النظيفة - شمال مدينة الرياض وشرق رياض ملهم وعلى اطراف اطول نقا في النفود الذي يشبه الجبل الاشم وهو متعلق بسلسلة طويق القادم من غرب شمال الجزيرة ناحية الزلفي والمتجة ليمامة الخرج والسهبا.
وقبل الدخول في موضوع تلك الجلسة المؤنسة بأهلها ومكانتها في التاريخ وليالي السمر العربية للكثير من الخلفاء والأمراء وعامة الناس,, فقد ذكرني ذلك الكوم الهائل من الرمل الاحمر الجميل الذي نصب الامير سلطان بن محمد خيمته بمحاذاته بذكريات لي مع الدكتور احمد زكي - رحمه الله - رئيس تحرير مجلة العربي الاسبق الذي زار مدينة الرياض في التسعينات الهجرية فكان ان حضر الى مكتبي يومها في مجلة اليمامة يرافقه مندوب من وزارة الاعلام - وكان يوم مطير - وطلب مني مرافقته الى عدة اماكن في مدينة الرياض وحولها - مثل الجبيلة ومنفوحة الاعشى وعرقة بوابة الامام تركي عندما استعاد الرياض واقام الدولة الثانية، ومنطقة (الخراب) سكن خالد بن الوليد رضي الله عنه جنوب مدينة الرياض وكان - يسأل اذا كان لحجر اليمامة اثار باقية - فتوجهت معه خارج المدينة من الناحية الشمالية بالقرب من مخيم سمو الامير سلطان بن محمد الذي نحن بصدد الحديث عنه وفي هذا المكان وجدنا احد ملاك الابل وهو يرعاها في تلك الرياض وقد ارتاح معها ومع هتان المطر,, وعندما سأل اخونا عن الدكتور احمد زكي وقلت انه من مصر فما كان من اخينا الاعرابي صاحب النوق الا ان مد يديه وقال ما اوسع الكون - فقال الدكتور زكي ما اصغره ايها العربي وسوف ترى!!
ثم عَزَمنا صاحب النوق على طاسة من حليب نوقاته - ورغوتها طافحة - واخذ يعدد فوائده الليلة والصحية فضحك الدكتور احمد رحمه الله ورفض ان يشرب من حليبه!, ثم تناول مضيفنا حبات من الفقع فما ان رآه احمد زكي وهو الذي يعيش في الكويت - واهله هم منهم - اهتماما بالفقع ومواسمه حتى قال لصاحبنا ليثبت له ولو بعض الشيء معرفته بهذه النبتة الصحراوية الكمأة: يابني اعرفها الفقع والكمأة تعتبر من النباتات الفطرية ويشبه البطاطس واجوده الزبيدي تنبت على عمق 15 سم في الارض وترتفع على سطح الارض معلنة عن نفسها بتشقق التربة وهي تنمو عند سقوط الامطار وانا اعرف يابني ان الفقع ينشأ من بكتيريا ميكروسكوبية لها قدرة عالية على مقاومة الظروف الجوية القاسية وهي تنمو على شكل عروق ذات لون غامق ربما عرفته يا ابن الجزيرة العربية اكثر مني ولا اريد ان اشرح من الناحية العلمية اكثر,, ثم سأل زكي اخانا الاعرابي هذا - النقا - فقال زكي وهو يقرأ وريقة كانت معه: اذا هذا مكان وفاة ذي الرمة الشاعر المشهور كما يقول حمد الجاسر الذي مرض هنا عندكم ثم خرج الى الدهناء فمات فيها - ألا يكون ذو الرمة قد دفن في هذا النقا الذي نجلس حوله؟! وحولنا بنبان موقع مشهور ثم قلت اسمه بنبان والعرب تقصد انه ماء بان فتحرفت ثم قرأ ما معه من نص من ان هذه المحلة بنبان لآل ييد بالقرب من محلة - (الخراب) واستدل بشعر لجعيثن اليزيدي في مدح مقرن ابن اجود احد ولاة الاحساء الذي قتله البرتقاليون سنة 929ه,, وسأل ما هي صلة ابن اجود بنجد - وانشد
ونجد رعا ربعي زاهي فلاتها
على الرغم من سادات لام وخالد
ثم التفت وقال اين الخراب الذي سكنه خالد الخراب بعيد عنا من الناحية الجنوبية سكنه خالد واعتقد انه لو كان لقصر المعتق مكان معروف فلربما انه في هذا المرتفع الذي سكنه خالد بن الوليد رضي الله عنه.
يابني يقول شيخكم حمد الجاسر ان مدينة حجر تسقى في القديم من مياه العيون - وان هناك عين يقال لها الخضراء هل هي موجودة وعين بجو ناحية الخرج واخرى يقال لها عين هيت وقد قيل في هذه الاخيرة بعض الشعر واخاله شعرا شعبيا,, فقلت له اولا - أو - لا يوجد في الوقت الحاضر اثر لتلك العيون ولا ماء اما الشعر عن هيت فيقول:
وردوهن (هيت) وأخطاه الدليلة
والموارد غير هيت مقضباتِ
واهني الترف منسوع الجديلة
ماضواه الليل دون مغرزات
ومن روحن قبل العشايم الثميلة
ضمر تضفي عليهن العباةِ
ومغرزات هي هذه القور والهضاب التي اجتزناها الان بسيارتنا وتركناها خلفنا: بالقرب من الرياض.
يابني اريد اذا كان هناك آثار لذلك القصر العظيم المسمى المعتق والذي اقامته طسم والذي تحصن فيه عبيد بن ثعلبة من بني حنيفة,, لما استولى على حجر وهو من اشهر قصور اليمامة وكان على اكمة مرتفعة ، وسور دهام بن دواس والمشقر لجديس وكذلك الشموس حصن مهم لهم (كما ورد في فتوح البلدان) اريد بيت الشيخ بن عبدالوهاب في حريملاء ومنازل هوذة بن علي في قرَّان اين مسكنه فقلت: لا ان شيخنا حمد الجاسر يقول انه في جو ناحية الخرج جنوب الرياض وسور دهام بن دواس على هذه المدينة اندثر، وثمامة بن اثال الحنفي هذا في حجر وهو ملك في هذه الناحية ولكن ليس له آثار، وحصن المشقر هذا من ناحية الاحساء حوالي خمسمائة كيلا عنا الآن,, وهو كما تعلم من آثار طسم وليس لجديس دخل فيه,, جديس تسكن جو اليمامة في الخرج يبعد عنا 80 كيلاً.
اذا يا ولدي اريد عقرباء بالقرب من الجبيلة ووادي اباض والسبع الملفات والحيسية نعم تريد منامة مجاعة بن مرارة الحنفي الذي تزوج ابنته خالد بن الوليد اثناء حرب اليمامة,, نعم هو ذاك واخذنا يسارنا نحو طريق صلبوخ ثم عقرباء.
وأخذ يقرأ عندما احس معرفتي بما يريد وقال: ان الشيخ الجاسر,,, يقول لقد قتل من جماعة مسيلمة الكذاب نحو عشرة آلاف اما الشهداء فألف ومائتين من بينهم زيد بن الخطاب اخو الخليفة عمر رضي الله عنهما، اما مقبرة مسيلمة وعصابته في حديقة الموت التي تسأل عنها ففي جنوب الوادي الذي تراه امامك,, تذكرت هذا ورجعت الى وريقات كانت معي بعد تلك الرحلة مع الدكتور احمد زكي فقد ذكرني بها المكان الذي اجتزناه يومها.
اما هذه الدعوة الكريمة فقد قرأنا جميعاً عن العديد من جلسات السمر في تاريخنا العربي الادبي والاجتماعي مع الخلفاء والامراء في كتاب الامتاع والمؤانسة لابي حيان التوحيدي تجد الكثير فيه عن مثل هذه المجالسات والكتاب عبارة عن مجموعة مسامرات في فنون مختلفة تخضع لخطرات العقل وتحليق الخيال وشجون الحديث,, ففيه ادب وفلسفة واخلاق وطبيعة ولغة وبلاغة وتفسير وحديث ومناجاة وسياسة وتحليل شخصيات وفنون اخرى كثيرة وقد سامر بها التوحيدي الوزير ابا عبدالله العارض في اربعين ليلة من خلال اسئلة يطرحها الوزير فيرد ابو حيان عل ذلك بموضوع يخصص له ليلة من ليالي السمر الاربعين.
وهناك مجالس العلماء لابي القاسم عبدالرحمن بن اسحاق الزجاجي: وفي كل مجلس كان الزجاجي يجمع بين عالمين من علماء العربية يتبادلان الاحاديث حول موضوع من الموضوعات مما يتصل باللغة او النحو,, وقد انعقدت بعض تلك المجالس بين يدي بعض الخلفاء وبعض العلماء.
وهناك العقد الفريد لابن عبد ربه الاندلسي احمد بن محمد بن سالم بن حدير: وفيه ابواب وفصول اشتملت على مسامرات واخبار بين الادباء والخلفاء والوزراء او الولاة.
وهناك الاغاني لابي الفرج الاصفهاني مليئة باشياء كثيرة من هذا النوع المحبب الى النفس,, وهناك عيون الاخبار لابي قتيبة الدينوري وهناك البيان والتبيين للجاحظ كلها تزخر بما يكون الجميع قد اطلع عليه واولهم الراعي سمو الامير سلطان بن محمد آل سعود.
ما يهمني ويهم الجميع ان الجلسة كانت ممتعة حقا بما طرح فيها من آداب تتمرجح بين الاخوانيات وشعر الغزل البريء والقفشات المتحررة من القيود الاجتماعية، كما في تعليقات ابو خالد (الشرهان) وابطال قصائده المختارة لمثل هذه المواقف بعناية ملحوظة,, وكان في مقدمة المتحدثين الاستاذ الجليل الشيخ عثمان الصالح: وقد اعد للمناسبة عدتها والاستاذ عبدالله حمد الحقيل فقد اعد هو الاخر ما تيسر له ثم الشاعر محمد المشعان وكان زاده وريقات اخرجها من جيبه بعد ان وضع عصاه جانبا ثم شاعرنا المعروف مسافر في عاطفته المتدفقة مع تلك المضيفة الحسناء كان قد احتسب، اما استاذنا العزيز الكبير عبدالله بن ادريس فقد طلب منه شعرا عاطفيا فالقى مطلعا جميلا على استحياء ثم اعتذر بان هذا الشعر من ايام الصبا والشباب وعلق احدهم بان ابا ادريس يعتذر من ادريس واخوانه الذين كانوا بالقرب من والدهم في هذه المرحلة عن هذا الشعر الذي يفضح قلب الشاعر الاخضر,, قبل ان يعتذر من الحضور ولقد جال المايكرفون بقيادة اخونا العزيز حمد القاضي عريف الحفل بحق بين الحضور من اعلاميين وادباء من امثال الاستاذ الدكتور ناصر الرشيد المتحدث المتمكن الذي اجاد وكشف موهبة جديدة لديه ورفيق الرحلات البرية الطويلة ابراهيم القعيد الذي قال عنه دكتور الرشيد انه يعشق الرحلات الطويلة وقد سافرا معا في يوم واحد ألف وسبعمائة كيلا وقالوا شعرا نبطيا مما سيغضب عليهما زميلهم الدكتور مرزوق بن تنباك ويثلج صدر راشد بن جعيثن الذي سيرضى عنهما ايما رضى، اما شاعرنا المغرد الدكتور ابراهيم العواجي فقد اعتذر بانه لا يحفظ من شعره شيئا وكذلك الدكتور محمد بن سعد بن حسين فلم تفلح المحاولة ان يقول مما لديه من شعر او طرائف,, اما المفاجأة الكبرى فهي طريقة سمو الامير المضيف سلطان بن محمد في القاء الشعر عندما القى قصيدة من محفوظاته فقد كانت اكثر من رائعة بشهادة شيخ الاذاعيين محمد المنصور او الصامت الكبير!!
مالفت النظر هو صمت معظم الاعلاميين الذين حضروا الا واحدا منهم عندما طلب منه الحديث تمنى على الله ان يوفقه في ما قبله بعض زملائه ممن حضروا اذاعيا فقلنا آمين!!
ثم تولى امر الاذاعة محمد ابو خالد الشرهان والقى كل ما يريد دون ان يستمع الى الطلبات التي طلبها الحضور,, والطريف ان المكان الجميل الذي يقع فيه المخيم لم يلفت نظر احد من الحضور خاصة من المشائين من أصحاب رياضات المشي الذين تزاحمهم السيارات على ارصفة الشوارع داخل المدينة,, ثم ان الملفت ان الحضور لم يتطرقوا في احاديثهم لا من قريب ولا من بعيد الى مسائل الاقتصاد والعولمة رغم ان سموه الراعي والكثير من الحضور من رجال الاعمال مما يثبت ان العصر عصر الاعلام وان الانسان ملول بطبعه ولا يريد الحديث عن عمله! وقد انصرف الجميع قبل الغروب وهم يكررون الشكر لصاحب الدعوة على مبادرته وجمعهم وانتزاعهم من دنياهم تلك اللاهثة!!.
محمد بن أحمد الشدي

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
القرية الالكترونية
المتابعة
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
تغطيات
مدارات شعبية
وطن ومواطن
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved