ليس من الضرورة ان يكون الشاعر خريجا من جامعة ما، وحاصلا على شهادة ليسانس أو ماجستير أو دكتوراه، وانما الشاعر يمتلك ادوات الابداع حين ينهل من بطون الكتب، ويتابع مطالعاته المتعددة، ويضاف الى ذلك الموهبة ولعلنا نذكر الشعراء من الماضي العريق، والحاضر، دون شهادات ولاحاجة لذكر الاسماء فما اكثرها والشاعر الشاب زكي السالم هو موظف بالقوات البحرية الملكية السعودية خرج علينا بباكورة دواوينه الشعرية مرفأ الاماني ووضع المقدمة لهذا الديوان الاستاذ الشاعر مبارك بوبشيت عضو مجلس ادارة النادي الادبي بالمنطقة الشرقية ومما ورد في المقدمة قوله:
ويتميز شعر زكي بتلك الدراما الحوارية المموسقة والتي تضفي على القصيدة جوا من الدهشة والتشويق والحيوية وتبرز الهدف بشيء من الوضوح ان اراد او العكس,, يدخل هدفه في متاهة الحوار فيتوارى ليدركه من تعمق فيه,,
ان القارىء حين يرسو في هذا المرفأ سوف يجد زرقة الكلمة الصافية وحرارة العاطفة النبيلة ورقة وسلامة الحروف والالفاظ وسمو المعاني، لقد ارتاحت بواخر الشعر في هذا المرفأ الجميل وتوشحت بحلل عديدة من الود والرثاء والذكريات، وشموخ القريض في رحاب التقى والنبل والايمان والطهر، ونحن نستهل قصيدته ياسيد الكون حيث تهفو الكلمات وهي تنشد اسمى المعاني للرسول صلى الله عليه وسلم، والشاعر يقارن ما بين الماضي العريق والحاضر الذي تشوبه الخلافات، وتثخن جسده انواء الفرقة، يقول:
ياسيد الكون والذكرى تعانقنا لم ندر كيف نلاقي يومها العبقا بالأمس كنا وكان الحب مرتعنا واليوم عدنا وفي أعماقنا غرقا ياسيد الكون: إنا أمة خلقت في نهجكم وبه وجداننا التصقا منعّمون وجنات الخلود لنا وحالمون ونحن في العلا رفقا |
لم ينس الشاعر عمالقة الشعر العربي، وان كان الردى قد طوى اجسادهم فمآثرهم باقية في نفوس الاجيال العربية، ولعل اعظم ما يقدم لهؤلاء بعد رحيلهم كلمة نابعة من القلب تكون عزاء لاهلهم وذويهم، كما انها تسطر لتبقى على جدران التاريخ، وها هو الشاعر الشاب زكي السالم يمنح الشاعر محمد مهدي الجواهري نبض الوفاء الذي اعتاد عليه العرب على مر العصور,, قد يفني الجسد ولكن المهمِّ هو الروح التي ما زالت تهيم في فضاء انسانيتنا، والشاعر في رثائه رغم ما انساب في ديوانه من عذوبة وليونة وسلاسة الالفاظ، فانها في رثاء الجواهري تكاد تصعد الى منبرية الجواهري جزالة وفخامة وغراقة والشاعر مؤمن بقضاء الله وقدره، وهو يقول:
أبا فراتٍ: وأمواج الفرات غفت حتى استحالت غثاء في ضحى الأحد ألقى على جلّقٍ رحلا وراحلة كيما يريح بها قلباً الى الأبد في ذمة الله ياغيثا سحائبه سالت شفاءً على حرّان متقد (إنا إلى الله) قولٌ نستعين به على الرزايا، ففيه راحة الجسد |
هكذا هي الحياة تتقاسمها الافراح والاتراح، السعادة والشقاء النفاق والصدق، الحقد والوداد، والاخ الشاعر زكي شاب وللشاب قلب رحب واسع، تهفو على ضفاف أنسام الوصال، وعبق الذكريات، وعنفوان الحب، والشاعر كالصياد ينتقل في معارض الحسن والجمال والبهاء ليعرض علينا لوحاته الشعرية التي تلخص تجاربه بأفراحها واحزانها، بصدّها ولقائها، ومهما استرسل في حبه وهيامه وعشقه فالشعراء يقولون ما لا يفعلون ولكنها النفس البشرية المرهفة التي تحاول ان تتنفس اريج ضفيرة، وعبق شفة، ونضار وجه، وبريق عيون.
انه الشباب المفعم بالحيوية والنشاط والحركة، والشاعر له اكثر من قصيدة في حلّه وترحاله، وهو يصوغ لنا ملحمة الوجود ، الباقية، وهذه الملحمة الكونية هي الحب وللشعراء نظرتهم الخاصة، ودقة ملاحظتهم، وجيشان مشاعرهم، وتوقد احاسيسهم، وقد لا يرون عيبا على الاطلاق حين تصطادهم عيون غادة حسناء، ودائما الرجل يكون فارسا قويا ولكن حين تصرعه سهام الحبيبة ينقلب السحر على الساحر، ويغدو الفارس امام الحبيبة اسيراً لحسنها وجمالها كما في قصيدته عوذي وهو يقول:
وبشعرك الذهبي يحكي روعة الحب الوليد
وانا من الشوق المبرّح رحت أهزأ من قيودي
فأظل احطمها واعدو نحو قلبك من جديد
من حق الشاعر زكي السالم ان ينظم قصيدة بمناسبة زفافه، وهو بذلك يؤرخ للرباط المقدس الذي يجمعه بزوجته الفاضلة ، والشاعر يعبر عن هيامه بها، وصدق مشاعره نحوها، وانني أثمن هذا الموقف النبيل تجاه ما يقوم به من تكريم لعروسته، وستبقى قصيدته يانغمة الحب لوحة معلقة بكبد المنزل تفيض بالهناء والسعادة والفرح، يقول:
يانغمة الحب يا إشراقة البلد ياحلوة الثغر ملتفا على البرَد اني اتيتك والاشواق تصحبني الى الثريا بقلب خافق كمد لم يرتكب في وصال القيد من خطأ حتى يؤوب بوجد فيه متقد ولا أناخ بباب غير بابكم ولم يكن في هواكم ناكث العهد |
وتتداعى الذكريات، وتتعاقب الاحاديث، فالانسان لايقدر ان يكون منطويا على نفسه فلابد له من اصدقاء حيث يستريح الصدر حين تخرج منه الآهات لتصارح الصديق، وبذلك تتقلل احجام المصاعب وتتذلل اعتاب الشقاء، وقد تتماوج خيوط الحزن ايضا في القصيدة تعبيرا عن المشاركة الوجدانية مع الرفاق الصادقين المخلصين الاوفياء,,
يخاطب الشاعر صديقه في قصيدة تحمل عنوان ياحرز إليك تحيتنا .
يا حرز: قصيدك أشجاني ومقالك جدّد أحزني ان كان حبيبي أضناه وجد، فكذلك أضناني او كانت ادمعه تهمي فدموعي أضنت اجفاني |
ويدعم هذا الابداع الاستاذ الاديب الشاعر محمد الجلوح ليمهر هذه الوثيقة الابداعية بالتفرد والخصوصية لصاحبها الشاعر زكي,, عصفور يلتحق بعصافير الشعر التي تزين هذا الفضاء ليقدم سيمفونيته الخاصة به,, والتي لا تشبه اخرى,, .
لقد تفيأنا في ظلال الابداع، وكان يرافقنا في تجوالنا طيف الشاعر زكي السالم في ديوانه مرفأ الاماني الذي صدر بطبعته الاولى عام 1420 وضم ما بين دفتيه 24 أربعا وعشرين قصيدة عمودية.