* القاهرة مكتب الجزيرة - عبدالله الحصري:
بعد نزيف الخسائر الفادحة لدول الخليج العربي منذ حرب الخليج الثانية وتزايد قيمة فواتير الحرب البالغة الضخامة التي تحملتها دول الخليج وانعكست سلبا على اقتصادياتها تتوالى معاول الهدم الدولية للاقتصاديات الخليجية والعربية والعالمية لكل منتجي النفط الكبار والصغار من خلال سيناريو محكم متواصل الحلقات لتخفيض سعر برميل النفط الى اقل من ثمانية دولارات وهو ما يساوي بحسابات القوة الشرائية للنقود نحو دولار واحد بأسعار اربعين عاما مضت وهو ما يعني ان سعر برميل النفط في الوقت الراهن يصل الى نصف سعره في اوائل الستينيات من القرن العشرين.
واوضحت دراسة اعدها خبير الاقتصاد العربي الدكتور علي سليمان ان خسائر بترولية ضخمة لحقت باقتصاديات الدول الخليجية وجميع الدول العربية وصلت الى ذروتها خلال الاشهر الاخيرة حيث انخفضت اسعار النفط الى معدلات غير مسبوقة منذ حرب اكتوبر بوصول سعر البرميل في بداية العام الحالي في بعض الاسواق الى حوالي 8 دولارات وهو ما يقل عن مستواه المطلق في اواخر عام 1973م اما عن القيمة الحقيقية لسعر البرميل فهي تقل فعلا عن سعره قبل بروز قوة منظمة الدول المصدرة للبترول ذلك ان برميل الخام الذي كان سعره لا يزيد على اثنين دولار امريكي عام 1960م كان يشترى سلعا وخدمات في السوق الدولية تساوي ما يقرب من عشرة دولارات بأسعار اليوم وهكذا فإن سعر اليوم يقل في القيمة عما كانت دول الاوبك تحصل عليه منذ اربعين عاما.
وطبقا للدراسة فإن انخفاض اسعار النفط في السوق الدولية تسبب في تراجع ايرادات الدول العربية النفطية بحوالي 70 مليار دولار لتصل الى حوالي 60 مليار دولار سنويا بدلا من 130 مليار دولار واشارت الدراسة الى ان هذه الخسارة السنوية في ايرادات النفط تبلغ في مجموعها خسائر الدول العربية المباشرة من حرب الخليج الثانية (حرب تحرير الكويت).
واوضحت ان الاقتصاد العربي تعرض في خلال ما يقرب من خمسة عشر عاما لثلاث صدمات قاسية في ايراداته الخارجية حيث كانت الاولى عام 1986م عندما انخفضت ايرادات البترول العربي الاسمية الى حوالي 52 مليار دولار اي الى اقل من ربع مستواها المحقق عام 1980م والثانية عام 1990م بالغزو العراقي وتكاليف حرب تحرر الكويت التي تحملتها الدول العربية والثالثة الانهيار الاخير في ظل تفكك شبه كامل لمنظمة الاوبك وعدم القدرة على السيطرة على ايرادات النفط مما جعل لهذا الانخفاض في اسعار البترول قوة تأثير الكارثة الاقتصادية على الدول المصدرة للبترول وبالذات في دول الخليج حيث يمثل النفط ومشتقاته اكثر من 90% من قيمة الصادرات ومن موارد الموازنة العامة,وتتعرض الدراسة الى اسباب انهيار البترول مشيرة الى ان اول اسبابها هو تفكك دول الاوبك وعدم قدرتها على الاتفاق على تخفيض سقف الانتاج الى جانب المشاكل السياسية التي يعاني منها كثير من دولها الرئيسة والتي تحول دون اتخاذ مواقف قوية على المستوى الدولي فبالاضافة الى حالة الحصار والمواجهة التي تعيشها العراق وليبيا تتأثر السعودية والكويت وغيرهما من دول الخليج العربي وتعاني كل من الجزائر ونيجيريا من مشاكل داخلية طاحنة والى جانب هشاشة منظمة الاوبك وعدم قدرتها على اتخاذ قرارات ملزمة وحاسمة تسببت الازمة المالية لدول جنوب شرق آسيا في انخفاض الطلب العالمي على البترول مما تسبب في هذا الانهيار الكبير في الاسعار.
وتشير الدراسة الى نجاح الدول الغربية في تكوين مخزون هائل من النفط يزيد على 2500 مليون برميل من البترول الخام وكميات اضافية اخرى من المنتجات البترولية, حيث تستخدم هذا المخزون كوسيلة لاحباط أي زيادة في اسعار البترول وبالاضافة الى هذا المخزون الفعلي تقوم المنظمات البديلة للاوبك في آسيا الوسطى والاسكا وبحر الشمال بدور الفرملة لارتفاع اسعار البترول فإذا زادت اسعار البترول الخام على نحو 15 دولاراً للبرميل اصبح الانتاج في هذه الدول متاحا مما يمنع المبالغة في زيادة الاسعار.
وتؤكد الدراسة ان ظاهرة انخفاض النفط تعد نهاية لسيطرة دول الاوبك على السوق العالمية للنفط وان البترول عاد ليصبح سلعة عادية تخضع قرارات انتاجها وتداولها لأحكام السوق وهو الامر الذي هدفت اليه الدول الغربية منذ صدمة ارتفاع اسعار النفط الاولى بعد حرب اكتوبر 1973م تلك الايام المجيدة التي استخدم فيها العرب البترول كسلاح ليس فقط في مواجهة اسرائيل ولكن في تأمين الحفاظ على مصالح العرب في المجتمع الدولي الذي لا يؤمن الا بالقوة في صورها المختلفة، واشارت الدراسة الى انه كان من المتوقع ان يثير هذا الوجود النشيط للدور العربي وهذا الصوت المرتفع للحق العربي الدول الغربية التي عملت على احباط وتفتيت قوة العرب مرة اخرى وان من المفارقات المعبرة عن حدة الازمة ان تصدير النفط العراقي استمر تحت ستار القصف الجوي الامريكي في الفترة من 16 الى 20 ديسمبر 1998م فكانت الناقلات تعبئ النفط في ميناء البكر العراقي في ظل برنامج الامم المتحدة بالنفط مقابل الغذاء.
ومن الواضح طبقا للدراسة ان هذه الصدمة الاقتصادية الكبيرة سيكون لها آثار مفجعة في العالم العربي حيث كان البترول لفترة طويلة القاطرة التي جرت الاقتصاد العربي الى مستويات غير مسبوقة من الرفاهية والتنمية وان ارتفاع اسعار النفط هو الذي مكن من بناء بنية اساسية هائلة في مستوى المعيشة في كل الدول العربية ترتب عليها ارتفاع مستوى التعليم والصحة بصورة اساسية اضافة الى توفير الخدمات العامة على نطاق واسع وكبير وتشير التوقعات الى ان انخفاض اسعار البترول سيؤدي الى تراجع معدلات النمو والى انخفاض في مستوى معيشة المواطن في الدول النفطية ولقد اعلن عدد من الدول الخليجية تخفيضات ملموسة في حجم الانفاق العام وادت التخفيضات بدورها الى حدوث كساد في الاسواق مما سيحبط الاستثمار الخاص في هذه الدول في الاجل المتوسط كذلك قد تتعرض بعض الصناعات التي تم انشاؤها على عجل في كثير من الدول النفطية والتي كانت قد استفادت من صور عديدة من دعم الدولة للمنافسة,, كذلك سيؤدي انخفاض اسعار البترول الى عدم قدرة حكومات الدول النفطية على تقديم الكثير من الخدمات الاجتماعية والاقتصادية التي تعودها مواطنوها، والجانب الايجابي في صدمة انخفاض اسعار البترول انها قد تدفع العرب الى التفكير بصورة اكثر جدية في مشروعات التعاون المشترك وتجاوز احدى عقبات التعاون العربي في السابق المتمثل في انقسام الدول العربية حتى ولو بخط غير مرئي الى دول نفطية ودول غير نفطية, وتؤكد الدراسة ان الخروج من الازمة يتطلب الاسراع نحو انشاء السوق العربية المشتركة.
|