يقول كاتب ارجنتيني يدعى بورخيس: ان خمسمائة قارئ هو أفضل عدد يحصل عليه الكاتب فهذا العدد الصغير يساعد الكاتب على تحسس أدواته الكتابية والتعرف على قرائة وتقديم كل ما يحتاجونه من معرفة منه.
اما إذا زاد عدد القراء عن هذا الرقم لنقل ألف هنا ستنشأ مشاكل حقيقية ولكن الامر سيبقى تحت السيطرة العامة, أما إذا دخل في الآلاف فهو ينتقل إلى المجهول وإلى ما يمكن ان اسميه الغابة البشرية.
عندما قرأت كلام بورخيس لم أكن أعرف أي معنى لهذا الكلام لأني كنت حينها اكتب لقراء لا يزيد عددهم بأي حال من الاحوال عن خمسمائة قارئ وهؤلاء هم قراء الملاحق الأدبية, وهؤلاء القراء عادة يقرأون بالاسم, لأن كتاب الثقافة عادة ما يميلون إلى التصنيف (مع وضد) الامر الذي يخفض عدد القراء إلى اقل من عشرين قارئا كأنك تلقى محاضرة في احد النوادي الأدبية.
في إحدى المرات نشرت قصةتدور احداثها حول مقبرة وتتحدث عن اشخاص عادوا من موتهم, فجأة ولاول مرة تصلني رسائل قراء حقيقية تنطوي على وجهات نظر متنوعة وغريبة معظمها يصب في تجارب شخصية تتصل بطبيعة موضوع القصة لا تكنيكها.
لفت نظري رسالة واحدة اكثر من غيرها وبشكل عنيف فبعد رجاء وكلام في غاية الغموض راح كاتبها يرتجيني ان اتصل به تلفونيا, وبدافع الفضول اتصلت بالرجل فاستدرجني حتى عرف رقم تلفوني ومقر عملي وبعض المعلومات الخاصة, ثم بدا يتصل بي بوتيرة متصاعدة مرة في اليوم ثم مرتين في اليوم ثم ثلاث مرات حتى اصبح الامر استحواذاً ومطاردة, فعرفت انني دخلت مع رجل يمتلك عقلا يفكر بطريقة غريبة جداً حيث انكشف لي في النهاية أن الرجل يعاني من رهاب الموت وقد أثارت القصة عنده كل المخاوف التي يختزنها عقله.
اضطررت في النهاية ان اتخلص منه بتغيير كافة ارقام تلفوناتي واقطع اي اتصال مع اي انسان مجهول.
عندما بدأت (يارا) كان هدفي ان اقدم للقارئ مقالات مرحة لا يمكن ان تشكل قراء رهابيين او شاذين, فالمرح كما كنت اعرف لا أعداء له, وبعد سنة اكتشفت حقيقة أكثر خطورة فهناك قراء لا يفهمون المرح, والاكثر بؤسا ان هناك قراء يكرهون المرح ويعادونه, أغلقوا على انفسهم وحصنوا أرواحهم من اي اتصال مع الحياة, ففي بعض الاحيان اتلقى مكالمات تلفونية غريبة ينفجر فيها المتحدث بكلام غريب يتصل بالموت وظلمة القبر الخ ثم يسرد سيلا من الشتائم كأنما هي مصممة للتعبير عن روح نهشتها الكآبة تذكرني بنوبات السعال التي تجتاح المصاب بالسل في رئتيه, من هؤلاء اكتشفت ان الخروج عن الخمسمائة قارئ الذين تحدث عنهم بورخيس والدخول في غابة البشر التي لاشكل لها هو الخطوة الاولى للعمل الخلاق فأنت تتوجه إلى غابة مجهولة مليئة بالمفاجآت، ولانك لاتستطيع ان تحدد نوعية القارئ في غابة البشر هذه فأمامك حلان إما أن تكون خلاقا أو أن تلتزم الحس العام وتمشي على الشاطئ.
والسير على الشاطئ يمكن ان يمنحك لقب شجاع ولكنها شجاعة الرجل ذي القلب الخرع.
Yara 2222 * Htmi. Com.