(ابتدأ المشوار) بذلك البدوي الابي قاطعا الفيافي الجرداء، وكله اصرار وعزيمة علىمواصلة مشواره وبلوغ هدفه غير آبه باخطار الطريق ووعثاء السفر، يترنح يمنة ويسرة على متن (ذلوله) الموجهة من خلال القمر الصناعي:(سهيل اليماني!), جن الليل علىصاحبنا وهو متعمق في اعماق الصحراء وكله شوق وامل في الوصول الى مضاربه وهجينه، ولكن أنّى له هذا؟ فالمشوار طويل وطويل! في تلك اللحظة هاجت مشاعره (ومن يلومه!) فبدأ بالترويح عن نفسه بقصائد تساجل الزمان وتسجل المكان واستطاع اختزال الطريق والوصول سالما غانما الى محطته الاخيرة, بدأ بإجراءات (ما بعد الهبوط) و تجمع حوله اولاده وبعد السلام طلبوا منه ان يقص عليهم اخبار رحلته فانبرى يسردها عليهم من خلال تلك القصائد التي نظمها خلال تلك الرحلة والتي تحمل توثيقا لكل المواقف التي مر بها منذ نقطة (الاقلاع!) وحتى محطة الهبوط !:(الطور الاول من الامسيات الشعرية!)
دار الزمان دورته فشح المطر وصامت الارض ونفقت (الهجين) الامر الذي من جرائه الح الاولاد على ابيهم بالانتقال الى بلدةما وترك الصحراء ورغم تردده في البداية استسلم واعلن اذعانه (خصوصا بعد تدخل ام عياله!), انتقلت تلك العائلة الى بلدتهم الجديدة وبدأوا بأول اجراءات الاستقرار المتمثلة في استئجار بيت طيني تداعب الرياح اروقته الفسيحة, انخرط الاولاد بمدارسهم وعثر الاب على عمل يدوي شريف يقتات منه ويطعم به زغب حواصل افراخه, وفي خضم معاناته الحضارية الناجمة من انتقاله من الصحراء الى تلك البلدة وجد ضالته في (البراحة) والتي يتجمع بها اصحاب الحي بعد كل صلاة عشاء ليلعب الاطفال لعبتهم المفضلة (اعظيم ساري) وليتسامر الكبار بإنشاد اشعارهم:(الطور الثاني من الامسيات الشعرية).
كبر اولاد (العود) وشبوا عن الطوق وتخرجوا من مدارسهم, فمنهم من ذهب الى الخارج لمواصلة دراسته ومنهم من انخرط في وظائف تليق بشهاداتهم, وعفى الزمن على (البراحة) وشرب: حيث انه وبفعل التطور العمراني والتكنولوجي اضطر ذلك البدوي سابقا (وتاجر العقار حاليا) الى شرائها وتشييد منزل عليها من الطراز (الفيكتوري الاوروبي!), هنا تلاشى الحيز المكاني للامسيات الشعرية، ولكن هناك متنفس جديد: حيث قام (بدوينا هذا) بشراء جهاز راديوومن ثم الاستمتاع بسماع برامج البادية والتي تبث حية وعلى الهواء مباشرة:(الطور الثالث من الامسيات الشعرية)، بل ذهب هذا البدوي الى ابعد من ذلك واقتنى جهاز تلفاز واخذ بالتمتع (صوتا وصورة) ببرامج البادية المبثوثة من خلال هذا التلفاز:(الطور الرابع من الامسيات الشعرية).
حلت الفضائيات بفضاء هذا البدوي المتحضر وقام بشراء (دش) الامر الذي من شأنه ان (ادمن الرجل!) مشاهدة تلك البرامج (العاجة) بما هي عاجة به! الامر الذي اثار قريحته الشعرية مرارا وتكرارا ولكنه في حيرة من امره: الى اين يذهب ليسمع الآخرين قصائده؟!, (فكر معي معه حق!) كيف يتسنى لهذا العاشق الهائم بالفضاء عقلا والمسجون في رحاب هذه الارض جسدا ان يجد قناة يوصل من خلالها مشاعره (المتأكسدة!) بالحب والحنين والخيال كذلك.
(تذكر) ان مجتمعه قد اصبح مجتمعا متحضرا متطورا تحكمه المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية,,واصبح فردا من جماعة تشتت سبلها وتلاشى تواصلها, جاءه الفرج بعودة ابنه بشهادة الدكتوراه من امريكا وكله أمل وعزيمة على ان يعيد بعضا من تراث والده (القديم- الجديد) ولذا قرر هذا الابن اقامة امسية شعرية:اين؟ في مؤسسة اجتماعية منحت والده الطاعن في السن عضوية التمتع بكافة خدماتها المتطورة الا وهي: مركز الامير سلمان للمسنين (الطور الخامس من الامسيات الشعرية), اصطحب والده معه الى ذلك المركز وقبل ان يشرع هذا الابن في استعراض عضلاته (الشعرية) استهل امسيته الشعرية بأمنية استشرافية مشيرا فيها الى ضرورة انشاء نوادي شعبية تعنى بتأصيل هذا الشعر وتلم شمل محبيه بل (وتغربل) كل ديوان شعر قبل ان يصدر وتضبط اوزانه.
هنا بدأ الشاعر بإلقاء اول روائعه وفي خضم تصفيق الحضور وهتافهم فوجىء بوالده يطلب منه التنحي جانبا ليأخذ مكانه ويلقي قصيدته (الفضائية) ليستمر العرض ويستمر التصفيق!,.
محمد بن مطر النماي