Tuesday 22nd June, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الثلاثاء 8 ربيع الاول


الطنطاوي,, الجامعة المفتوحة
د, محمد الكثيري

أظن انه لو كان هناك وسام يمنح لصاحب فكرة أول جامعة مفتوحة في عالمنا العربي - أو في خليجنا العربي، لأكن اكثر تحديدا - لكان محل ذلك الوسام صدر شيخنا المرحوم بإذن الله علي الطنطاوي.
ألم يكن الشيخ الراحل علي الطنطاوي جامعة مفتوحة يخرج علينا في التلفزيون - او الرائي على حد تعبير الشيخ - في برنامجه الشهير نور وهداية بعد ان يحيل ذلك البرنامج الى محاضرة في الدين والفلسفة والادب بل وفي الفن واساليب الحوار والاتصال؟!
ألم يكن الشيخ الطنطاوي يجبر المشاهدين ان يتسمروا امام الشاشة الصغيرة للاستمتاع باسلوبه التربوي الجذاب الذي يتفوق فيه أداء وعلما على افضل المحاضرين وأطولهم خبرة؟!
ثم أليس الشيخ الطنطاوي هو واحد من أولئك العظماء الذين مارسوا التأليف والكتابة لأذواق متعددة وأعمار مختلفة من الناس؟!
أليس هو بذلك يشكل جامعة مفتوحة نتعلم منها ونحن مستلقون أمام التلفاز في غرف نومنا أو باحثون عن المعرفة في مكتباتنا العامة والخاصة؟!
كانت الصدفة وحدها التي دفعتني الى أن استل كتابا للشيخ الطنطاوي بعنوان صور وخواطر, كان ذلك في مكتبتي الخاصة في احد مساءات محرم لعام 1407ه, وكانت الصدفة وحدها - ايضاً- هي التي قادتني الى الصفحة الحادية والأربعين وكان عنوان المقال المنشور فيها إلى أخي النازح إلى باريز أي باريس, كنت استعد للابتعاث لمواصلة دراستي خارج البلاد, أحسست حينها أنني المعني بتلك الرسالة, بل أكاد اجزم أنني واحد من أولئك المعنيين بتلك الرسالة, أليس كاتبها هو صاحب القلب الكبير الذي يرى ان جميع المسلمين اخوة ويوجه حديثه لهم كافة، بل يتجاوز ذلك الى التطبيق والممارسة؟
في الاسبوع الماضي، وعن طريق الصدفة ايضا، وجدت نفسي مدفوعا إلى أن اسحب كتابا علاه الغبار وسط جموع من الكتب المتراكمة لدي, كان الكتاب للشيخ نفسه,
وكان ذلك الكتاب هو الجزء الأول من ذكريات الشيخ التي طبعها في عام 1405ه, وفي مقدمته تقرأ فلسفة الشيخ في الحياة وتستشف استعداده للرحيل وإيمانه به، ليعيش الشيخ بعد ذلك الكتاب خمس عشرة سنة.
لقد أحببت الشيخ الموسوعي، كما احبه الكثيرون الذين يرون فيه ذلك, لقد أحببت الشيخ المتواضع، كما احبه الكثيرون الذين يرون فيه ذلك, لقد أحببت الشيخ الصادق، كما احبه الكثيرون الذين يرون فيه ذلك, لقد أحببت ذلك، لأن الشيخ هو كل ذلك بل واكثر من ذلك.
سأبقى اذكر قلبك الابيض الذي يشابه بياض غترتك التي تصر على مواساة طرفيها فوق رأسك قبل أن تبدأ الحديث في برنامجك الشهير.
سأبقى اذكر سعة افقك وأريحيتك التي ترتسم على وجهك وانت تستقبل الكثير من الاسئلة والتعليقات التي تتفق مع بعضها وتختلف مع البعض الآخر.
سأبقى اذكر غزارة علمك وتنوع معارفك التي تقدمها لنا على طبق شديد الإغراء وسريع الهضم كما هو حال ذلك الطبق من الفاكهة الذي يصر مخرج برنامجك ان يضعه امامك عند الحديث.
لست الوحيد الذي سيذكرك، ولكن هناك الكثير من الذين تتلمذوا في جامعتك المفتوحة سيذكرونك ويدعون لك بالمغفرة والرحمة, فالله نسأل ان يغفر لك ويسكنك فسح جناته, ونحن إذ نعزي أنفسنا، فاننا نهنيك ان تموت وقد كافحت ونافحت من اجل دينك وامتك وأورثت علما ستبقى من خلاله حيا الى يوم القيامة باذن الله.
ونتمنى ان تكون ذهبت وانت راض عنا حيث هجرك قومك أهل الإعلام ونسوك حينما اشتد بك المرض، إلا القلة القليلة منهم, ولكن لهم العذر في ذلك, فأصحاب الفن والرياضة مشغولون بفنهم ورياضتهم, ولا أحد يلومهم على ذلك فهذه مهنتهم, أما أهل الأدب والفكر فذنبك انك من أهل البيت والكثير منهم ما زال يعجب بمن هو من خارج البيت حتى ولو كان على الهامش ايه نعم، بل على حافة الهامش!!
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الثقافية
الاقتصـــادية
المتابعة
ملحق الخرج
مشكلة تحيرني
منوعــات
القوى العاملة
عزيزتي
الرياضية
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved