Friday 25th June, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الجمعة 11 ربيع الاول


من وحي المنبر
النظافة في الإسلام
الشيخ الدكتور/صالح بن عبد الرحمن الأطرم *

الحمد لله جعل الإسلام طهرة للقلوب، ومحواً للذنوب، ونظافة للأبدان، أحمده سبحانه طيب لا يقبل إلا طيباً، وأشكره على عموم نعمه وما يسره من أسباب النظافة الحسية والمعنوية.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له القائل في محكم كتابه: فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون) وأشهد أن محمداً عبده ورسوله جاء بالحنيفية السمحة وبخيري الدنيا والآخرة وشرع نظافة الظاهر لتوافق أمره بنظافة الباطن, اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه الطيبين الأطهار المنفذين لهدي نبيهم ظاهراً وباطناً.
أما بعد:
أيها الناس,, اتقوا الله تعالى وأطيعوه والتزموا بأوامر دينكم، واقتفوا دائماً سيرة نبيكم لتفوزوا بسعادة الدنيا والآخرة، عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عشر من الفطرة: قص الشارب، واعفاء اللحية، والسواك، واستنشاق الماء، وقص الأظافر، وغسل البراجم، ونتف الابط، وحلق العانة، وانتفاض الماء، - يعني الاستنجاء - قال الراوي ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة رواه مسلم.
أيها المسلمون,, يجب على كل إنسان أن يسير على نهج المصطفى وسيرة الذين اجتباهم الله بصحبته، ومن اهتدى بهديهم وسلك مسلكهم، لأن الخير كل الخير في الاتباع والشر كل الشر في الابتداع، يعني الإحداث بما يخالف القرآن والسُنّة, واعلموا أن للإسلام أصولاً وفروعاً، فهو دين عقيدة ودين أخلاق، ودين فضائل وأهداف ودين سياسة ودولة، فأصل الإسلام ومبناه كلمة التوحيد وهي لا إله إلى الله: (ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء) (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويُضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء), وتقتضي كلمة لا إله إلا الله الاعتقاد بأن الله هو الخالق الرازق المدبر لجميع الأمور الذي إذا أراد شيئا قال له كُن فيكون وأنه الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد.
والاعتقاد بأنه مستحق للعبادة وأنه يتوجه إليه جميع الخلق رغبة ورهبة بلا واسطة وأنه لا ملجأ ولا ملتجأ إلا إليه فلا توكل إلا عليه، ولا استعانة ولا استعاذة ولا استغاثة إلا به، ولا ذبح ولا نذر إلا له.
وليعلم الإنسان أنه يجب عليه أن يصف الله بما وصف به نفسه، وكما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم: ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ولنعد إلى الحديث الشريف الذي سمعنا لفظه واحتوى على كثير من فروع الشريعة, واعلموا أيها المسلمون أن الحفاظ على فروع الشريعة حفاظ على أصولها ومن تساهل في الفروع تساهل في الأصول, ففروع الإسلام كأغصان الشجرة إذا حافظت على أغصانها بقيت ثابتة فإذا قطعت أغصانها وأطرافها بقيت مشوهة المنظر معرضة للزوال وهكذا الإسلام لا يتكامل إلا بتكامل فروعه، وخذ مثلا آخر ببدنك وجسمك لو ذهبت عنه بعض أطرافه فهل يوصف بالنقص أم بالكمال؟
ومعنى الفطرة الدين والسُنة التي فطر من أجلها الإنسان، وخلق لها وعليها وجعل الله الناس مفطورين عليها، على محبة الخير وإيثاره، وكراهية الشر ودفعه، وأوجدهم حنفاء مستعدين لقبول الخير والإخلاص لله والتقرب إليه, وجعل تعالى شرائع الفطرة نوعين:
أحدهما: يطهر القلب والروح وهو الإيمان بالله وتوابعه من خوفه ورجائه ومحبته والإنابة إليه قال تعالى: فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون، منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين فهذه تزكي النفس وتطهر القلب وتذهب عنه الآفات الرذيلة، وتحليه بالأخلاق الجميلة وهي كلها ترجع إلى أصول الإيمان وأعمال القلب.
النوع الثاني: ما يعود إلى تطهير الظاهر ونظافته ودفع الأوساخ والأقذار عنه وهي هذه العشرة التي هي من محاسن ديننا الحنيف إذ كلها تنظيف للأعضاء وتكميل لها لتتم صحتها ويروق منظرها فالمضمضة والاستنشاق مشروعان في طهارة الحدث الأصغر والأكبر باتفاق وهما فرضان فيهما كذلك تطهير الفم والأنف وتنظيفهما لأن الفم والأنف يتوارد عليهما كثير من الأوساخ والأبخرة ونحوها وهو مضطر إلى تنظيف ذلك وازالته، وكذلك السواك يطهر الفم فهو مطهرة للفم مرضاة للرب, ولهذا يشرع في كل وقت ويتأكد عند الوضوء والصلاة والاستيقاظ من النوم، وتغير الفم وصفرة الأسنان, وأما قص الشارب أو حلقه حتى تبدو الشفة لما في ذلك من النظافة والتحرز مما يخرج من الأنف فإن شعر الشارب إذا تدلى على الشفة كره ما يتناوله الإنسان من مأكل ومشرب مع تشويه الخلقة بوفرته وإن استحسنه من لا يعبأ به، وهذا بخلاف اللحية فإن الله جعلها وقارا للرجل وجمالا له.
وأما قص الأظافر ونتف الابط وغسل البراجم، وهي مطاوي البدن التي تجتمع فيها الأوساخ فلها من التنظيف وإزالة المؤذيات ما لا يمكن جحوده، وكذا حلق العانة، وأما الاستنجاء وهو إزالة الخارج من السبيلين بالماء أو الحجر فهو لازم وشرط من شروط الطهارة.
فعلمت أن هذه الأشياء كلها تكمل ظاهر الإنسان وتطهره وتنظفه وتدفع عنه الأشياء المستقذرة والمستقبحة، والنظافة من الإيمان والمقصود أن الفطرة هي شاملة لجميع الأشياء المطلوبة في الشريعة باطنا وظاهراً لأنها تنقي الباطن من الأخلاق الرذيلة، وتحليه بالأخلاق الجميلة التي ترجع إلى عقائد الإيمان والتوحيد، والإخلاص لله والإنابة إليه، وتنقي الظاهر من الأنجاس والأوساخ وأسبابها فتطهره الطهارة الحسية والطهارة المعنوية.
فلهذا قال صلى الله عليه وسلم: (الطهور شطر الإيمان) وقال تعالى: (إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) فالشريعة كلها طهارة وزكاة وتنمية وتكميل وحث على معالي الأمور نهياً عن سفاسفها.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (فاقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون).
* عضو هيئة كبار العلماء

رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
الثقافية
المتابعة
أفاق اسلامية
لقاء
عزيزتي
الرياضية
تحقيقات
شرفات
العالم اليوم
مئوية التأسيس
تراث الجزيرة
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved