Friday 25th June, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الجمعة 11 ربيع الاول


حلاق بغداد,, وهموم المسرح العربي
الكاتب المسرحي الكبير الفريد فرج
الأزمة في المسرح العربي أزمة نصوص

الكاتب المسرحي الكبير الفريد فرج واحد من أبرز الرواد المعاصرين على ساحة الابداع العربي، أوقف تجربته وجهده الابداعي على مجال التأليف المسرحي، فساهم في تأسيس مسرح يستلهم أصوله وقواعده من التراث العربي ويحمل ملامح هويتنا العربية الأصيلة.
يمتلك الفريد فرج أكثر من أربعين مؤلفا مسرحيا وقلب شاب رغم بلوغه السبعين من العمر.
كانت أول عروضه المسرحية عام 1957م بعنوان سقوط فرعون بعدها توالت مسرحياته منها حلاق بغداد، عسكر وحرامية، الزير سالم، النار والزيتون، على جناح التبريزي، سليمان الحلبي، رسائل قاضي أشبيليه، ألحان على أوتار عربية وغيرها,,
استضافته مكتبة مبارك العامة في ندوة مؤخرا حيث تطرق في حديثه إلى واقع المسرح العربي الراهن، وهل هو امتداد للمسرح الغربي، والأزمة التي يعاني منها المسرح حالياً، وكيفية استلهام التراث والعديد من القضايا الأخرى.
بدأ الكاتب الكبير حديثه بتقييم عام لتجربته وتجربة جيل الستينات الذي ينتمي إليه فقال:
- لعل أبرز إنجازات جيل الستينات هو استحداث جوانب عديدة للتجريب احتلت الساحة وفتحت المجال للإضافة والتطوير كاستحداث أسلوب جديد لتطوير المسرح الفلكلوري، ثم أبدع جيلنا شكلا جديدا للمسرح الوثائقي وكل هذه الأشكال كانت حينذاك جديدة كل الجدة وجريئة كل الجرأة، وخلال تاريخي المسرحي الطويل سعيت بوعي كامل لتجريب كافة الأشكال المسرحية المختلفة, ففي مسرحيتي عسكر وحرامية على سبيل المثال جربت فيها الميلو دراما الشعبية وفي مسرحيتي جواز على ورقة طلاق، جربت صياغة الكوميديا بالفصحى، ثم أكدت على وجود التراث الشعبي في مسرحية رسائل قاضي أشبيلية، وحاولت كتابة التراجيديا بأسلوب يجد فيه المشاهد متعة ولذة فنية ووجدانية في حلاق بغداد وفي النار والزيتون، جربت المسرح السياسي، وعلى هذا اعتقد أن تجربتي جاءت في إطار التجريب.
وعن التراث ومدى استلهامه الفريد فرج أن التوجه إلى التراث هو جزء من تأصيل فن المسرح، المستشرقون يقولون: إن المسرح العربي ثمرة مباشرة للتحديث الأوروبي لمجتمعاتنا في القرن التاسع عشر، لكن هذا خطأ فمسرحنا له أصول في التراث وأول مسرحية عربية كانت مستوحاة من ألف ليلة وليلة هي مسرحية هارون الرشيد لمارون النقاش، فهذا التوجه كان صحيحا، لأن مارون النقاش أراد أن يقدم عبره فناً مألوفا للجهمهور وليس فناً غريبا في الشكل والمضمون، لقد درج المسرح على استخدام واستلهام التراث، وطبعا هذا الاستخدام له مستويات عديدة منها الشكل المباشر وغير المباشر والاسقاطات وغيرها وأريد أن أؤكد أن المسرح في كل العالم اتجه نحو التراث، فالمسرح الاغريقي استخدم الإلياذة والقصص التي تنتمي للتراث السابق لنهضة المسرح هناك، وعصر النهضة الأوروبية استخدم أيضا نفس هذه القصص التراثية وقصص التاريخ والأساطير، شكسبير وكورناي وراسين استوحوا التراث، حتى موليير الذي يعد أب المسرح الفكاهي استخدم تراث الكوميديار دي لارتي أي القصص التي كانت تمثلها الفرق الشعبية المتجولة في أوروبا في عصر سابق لموليير, إذن استخدام التراث عامل إيجابي، وانطلاقا من هذا جاء استخدامي للتراث ولكن ليس بطريقة الاسقاط التي تنتهجها بعض المسرحيات وتتمثل في إحلال ميكانيكي لقضايا معاصرة فأنا أرى هذه الطريقة فجة، ولكن أؤمن باستخدام التراث لتصوير المقومات الأساسية الثابتة للشخصية العربية وللتذكير بالأبعاد التاريخية للأمة العربية فنحن شعب قديم وله تاريخ طويل، ولكننا لا نعرف هذا التاريخ جيدا على عكس أوروبا التي نلمس التاريخ فيها في كل مكان، ولهذا فأنا عندما ألجأ للتراث أريد أن أوقظ في وجدان المواطن العربي الإحساس بالبعد التاريخي ليفكر من خلال خبرة التاريخ وينفعل من خلال إحساسه بالثوابت التاريخية، فأنا أرى ضرورة أن يساعد المسرح العربي في شحذ الاحساس بالبعد التاريخي للشخصية العربية.
وانتقل الكاتب الكبير الفريد فرج بالحديث عن أزمة المسرح فقال: نعم يعيش المسرح في أزمة حادة حالياً، وما زلت أكرر أن الأزمة هي أزمة نصوص في المقام الأول لأن بقية عناصر العمل المسرحي تطورت من الستينات إلى اليوم، وأقصد بهذا الديكورات والاضاءة وفنون الإخراج وغيرها نجدها جميعا في تطور فيما عدا النص الجيد فهو لم يتطور بعد مرحلة الستينات، وبالرغم من أن فن التأليف لايدرس وهو يعتمد على الموهبة في المقام الأول، ولكن أرى أن ضمور فن التأليف خلال العقود الماضية هو أن التأليف من أكثر أدوات المسرح التي تعرضت لضغوط السلطة السياسية بالإضافة لمعاناة الكاتب مع الرقابة، وخلال نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات كان المسرح المصري في أسوأ مرحلة ولست في حاجة لذكر ما فعله مسرح القطاع الخاص في هذه المرحلة وتوالت الأزمة حتى يومنا هذا، وهنا أؤكد أن المسرح كان ولا يزال يحتاج إلى دعم الدولة وبدون ذلك لا نتوقع له نجاحا أو تأثيرا راقيا حقيقيا في واقعنا.
أما عن ظاهرة الخروج على النص على خشبة المسرح واللافتة للنظر في الآونة الأخيرة قال الفريد فرج أنه يوجد بالفعل كثير من الفنانين يقومون بعملية الارتجال واقحام النكتة أو الافيهات بغرض الإضحاك والاتصال مع الصالة والتواصل مع الجمهور فهذه من الظواهر السيئة والسالبة لدور المسرح الحقيقي وهذه لن نجدها إلا في مسرح القطاع الخاص.
وأشار الفريد فرج أيضا إلى ذاكرة المسرح العربي التي يجب الحفاظ عليها حتى لا نفقد ذاكرتنا المسرحية، فقال إنه من الخطأ التوقف عن إعادة عرض او الاستفادة من كلاسيكيات مسرحنا أمثال مؤلفات كبار الشعراء وكتاب المسرح، فلابد من إعادة تقديم مجنون ليلى، والعباسة وغيرها فتوقف عرض مثل هذه الأعمال يجعل مسرحنا يفقد الذاكرة في حين تقدم كل مسارح العالم الانتاج القديم بجوار الأعمال الجديدة.
وعن مستقبل المسرح في ظل انتشار القنوات التلفزيوينة والفضائيات قال: إن هذا لن يؤثر اطلاقا على مستقبل الكتابة وعلى العكس فيمكن لتلك الأدوات أن تطور مستويات الكتابة ولكن الكتاب سيبقى له جمهوره في كل وقت وكذلك المسرح والناس لا تبتعد الآن عن المسرح إلا أنه أصبح متشابها مع التلفزيون من حيث خفة الموضوعات التي يقدمها، فالناس تستسهل المشاهدة في المنزل أوفر للوقت والمال ولكن عندما يكون المسرح جادا ومتميزا سيقبل عليه الجمهور.
عثمان أنور

رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
الثقافية
المتابعة
أفاق اسلامية
لقاء
عزيزتي
الرياضية
تحقيقات
شرفات
العالم اليوم
مئوية التأسيس
تراث الجزيرة
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved