Sunday 27th June, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الأحد 13 ربيع الاول


النظام الإعلامي العربي بين المفهوم النظري والواقع العملي
من الخليج إلى المحيط مضامين إعلامية متشابهة وتحديات مشتركة
د, محمد شومان *

في اطار مفهوم النظام العربي الاقليمي تنطلق هذه الدراسة من فرضية اساسية هي ان النظام الإعلامي العربي هو احد الانظمة الفرعية داخل هذا النظام اي انه نظام مستقل ومتفاعل مع بقية النظم الفرعية المكونة للنظام الاقليمي العربي، وان كانت درجة تفاعله وارتباطه بالنظامين السياسي العربي، والثقافي العربي تفوق ارتباطه ببقية النظم الفرعية داخل النظام الاقليمي العربي، اي ان دائرة فعله تتوسط ما هو سياسي وثقافي دون انفصال او استقلال عن بقية الانظمة الفرعية داخل النظام الاقليمي العربي، ومثل هذا التكييف للعلاقة بين النظام الاعلامي العربي والنظام الاقليمي العربي بمكوناته تبدو ضرورية هنا بالنظر الى شيوع نظرة سطحية للنظام الاعلامي كانعكاس ميكانيكي للنظام السياسي العربي، او تصويره على انه مجرد تابع ذيلي للنظام السياسي، فالواقع ان ثمة تداخلا وتفاعلا متبادلا بين النظام الاعلامي العربي والنظم الاخرى الفرعية التي تكون النظام الاقليمي العربي.
ويمكن تحديد مفهوم النظام الاعلامي العربي بأنه اطار تفاعلي يشمل الهياكل ووسائل الاتصال والعمليات الاتصالية التي تتم عبر وسائل الاتصال الجماهيري سواء بين الدول او الشعوب العربية.
ويتضمن المفهوم المقترح للاعلام الدولي ثلاثة ابعاد رئيسية هي:
1- البعد الاتصالي: يقتصر المفهوم المقترح على العمليات الاتصالية التي تتم عبر وسائل الاتصال الجماهيري، وما تقدمه من خطابات ومضامين مختلفة,
2- البعد الدولي: تجري العمليات الاتصالية والتفاعلات بين دول وشعوب عربية تنتمي الى دول وطنية (قطرية) تربطها علاقات دولية رغم ما بينها من خصوصيات تاريخية وثقافية وسياسية.
3- البعد الثقافي: يتفاعل النظام الاعلامي العربي مع الثقافة العربية الاسلامية، كما تجري عمليات الاتصال والتفاعل عبر اللغة العربية ورموز وعلامات الثقافة العربية.
عناصر النظام الإعلامي العربي
يمكن افتراض ان النظام الاعلامي العربي يمثل نظاما اقليميا فرعيا يتفاعل وبقية الانظمة الاعلامية الاقليمية مع النظام الاعلامي الدولي، وثمة نقاط اتفاق عديدة بين النظامين فيما يتعلق بالعناصر المكونة لكل منهما، وعلاقاتهما بالنظام الدولي او النظام الاقليمي العربي، فالنظام الاعلامي الدولي كما يرى فورتنر Fortner وجالتنج Galting - على ما بينهما من اختلافات منهجية عميقة - هو نظام فرعي ضمن النظام الدولي ويتكون النظام الاعلامي (الاتصالي) الدولي من عناصر: فنية، واقتصادية، وسياسية وتنظيمية، وثقافية، عناصر للسيطرة الاجتماعية ومن الضروري عند دراسة النظام الاعلامي (الاتصالي) الدولي تحليل عناصره ومكوناته على مستوى النظم الفرعية، وعلاقات التأثير المتبادل بينها، في هذا السياق فإن عناصر التحليل تتضمن: التكنولوجيا المستخدمة، وفلسفات النظام (السياسات والايديولوجيات)، والاهداف التي تسعى الى تحقيقها والمضمون، والعلاقات بين النظام الدولي للاتصالات والنظم الفرعية وعناصر كل نظام، واخيراً المتلقين او الجمهور.
وكان فاروق ابو زيد قد حدد خمسة ابعاد لمفهوم النظام الاعلامي هي الفلسفة الاعلامية التي يقوم عليها النظام الاعلامي، وهي مجموعة المبادئ والاسس الفكرية، ثم السياسات الاعلامية وهي البرامج التطبيقية للفلسفة الاعلامية، ثم الاطار القانوني الذي يترجم الفلسفة الاعلامية الى تشريعات تحكم عمل المؤسسات الاعلامية، ثم البنية الاتصالية الاساسية، وتشمل مستوى تكنولوجيا الاتصال والكوادر البشرية المتاحة والامكانات المادية وغيرها، واخيراً تأتي الممارسات الاعلامية في الواقع الفعلي.
في ضوء ما سبق فإن النظام الاعلامي العربي يعتبر نظاما فرعيا ضمن النظام الاقليمي العربي، ويشمل مجموعة من العناصر والمكونات التي يقوم عليها النظام الدولي، بل ويقوم عليها اي نظام اعلامي وطني (قطري) مثل العناصر الفنية والاقتصادية والسياسية - التنظيمية، والثقافية، فضلا عن عناصر السيطرة الاجتماعية، ويمكن - الى حد كبير - اخضاع النظام الاعلامي العربي لنفس عناصر التحليل التي يقترحها مدخل تحليل النظم.
ورغم عدم استخدام مفهوم النظام الاعلامي العربي او مدخل تحليل النظم فان هناك محاولات بحثية عربية عديدة قد سعت الى رصد عناصر ومكونات النظام الاعلامي العربي سواء على مستوى كل قطر عربي، اوعلى المستوى العربي بعامة، ومع ان هذه المحاولات المسحية لم تستخدم مداخل للتحليل المقارن الا انها وفرت قدرا معقولا من المعلومات والبيانات، علاوة على قدر من التحليل الذي تأثر بثلاثة نماذج ارشادية اساسية هي النموذج الوظيفي والنموذج المعرفي والنموذج النقدي، كما تأثر ببعض مقولات مدرسة التبعية، وببعض أفكار الاسلام السياسي والاتجاه القومي العربي.
ولا يتسع المجال للعرض التفصيلي لاهم نتائج البحوث المسحية العربية عن النظام الاعلامي العربي، لكننا نعرض باختصار اهم خصائص النظام الاعلامي العربي كما ظهرت في هذه البحوث المسحية.
1- تشابه السياسات الاتصالية: رغم عدم الاعلان عن سياسات اتصالية محددة في عدة اقطار عربية الا ان الممارسات الفعلية تعكس وجود سياسات اتصالية في هذه الاقطار وبصفة عامة تتشابه السياسات الاتصالية الفعلية في الاقطار العربية من حيث سعيها الى دمج الاعلام في مؤسسات ورموز السلطة السياسية وتوظيف الاعلام سياسيا ودعائيا وترفيهيا على حساب وظائف الاعلام الاخرى فضلا عن سيادة المركزية الشديدة على ممارسات الاتصال سواء جغرافيا او اداريا.
كما تتشابه السياسات الاتصالية في العديد من اوجه القصور والتضارب اهمها العشوائية وغياب التخطيط والافتقار الى المعلومات والوثائق والبحوث وقلة القطاعات المشاركة في صنع السياسة الاعلامية ووجود فجوة بين النصوص التشريعية والقانونية والتطبيق الفعلي للسياسة التشريعة.
2- ملكية الدولة: باستثناء لبنان تحتكر الدولة في النظام الاعلامي العربي ملكية وادارة الاذاعة والتلفزيون بينما تتعدد انماط ملكية الصحف بين الملكية الخاصة والملكية العامة والملكية المختلطة مع وجود ضوابط وقيود على اصدار وامتلاك الصحف وقد دفعت هذه القيود الى جانب اسباب اخرى بعض الافراد والجامعات لاصدار صحف عربية من دول اجنبية كبريطانيا وقبرص وفرنسا, من جانب آخر اتاحت ثورة تكنولوجيا لبعض الافراد والشركات انشاء قنوات عربية فضائية خاصة من دول اجنبية.
وقد تأسست اول محطة تليفزيونية عربية فضائية مملوكة للقطاع الخاص في لندن وبدأت ارسالها في 18/9/1991 ثم توالى انشاء القطاع الخاص لمحطات تلفزيونية فضائية.
3- عدم التوازن في انتشار تكنولوجيا الاتصال الجماهيري: يتسم انتشار واستخدام تكنولوجيا الاتصال داخل النظام الإعلامي العربي بالاختلاف والتنوع الشديد مع وجود فجوات ملحوظة بين الدول التي تشكل وحدات النظام وداخل كل دولة وتعكس هذه الاختلافات تباين مستوى التطور الاقتصادي والاجتماعي والتعليمي بين الدول العربية وداخل كل دولة على حدة ومازالت وسائل الاعلام في بعض الدول العربية عاجزة عن استيعاب التطورات التكنولوجية المعاصرة واستخدامها وملاحقتها وعن توفير الكوادر الاعلامية الوطنية التي تفي باحتياجات الانتاج كما ومضمونا وشكلا, واللافت للانتباه ان الفجوات بين الدول العربية او داخل كل قطر تتسع فيما يتعلق باستخدام تكنولوجيا الاتصال الحديثة او وسائل الاتصال غير التقليدية كالانترنت وهو ما قد يرتب آثارا وتداعيات اجتماعية وثقافية خطيرة.
4- التبعية: يعاني النظام الاعلامي من خلل هيكلي يتمثل في تبعية مدخلات ومخرجات النظام - وعلى عدة مستويات - للدول الصناعية المتقدمة والشركات العملاقة متعددة الجنسيات التي تعمل في مجال الاعلام وتكنولوجيا المعلومات فالتكنولوجيا المستخدمة في النظام الاعلامي العربي تشتري من الخارج وفي احسن الاحوال يجري تجميعها داخل بعض الاقطار العربية دون امكانية حقيقية لنقل وتوطين تكنولوجيا الاتصال والمعلومات او انشاء صناعات عربية مستقلة على مستوى ثانٍ فإن المضامين الاعلامية والترفيهية تستورد من الخارج دون مراعاة للثقافة المجتمعية للاقطار العربية.
والملاحظ ان تبعية النظام الاعلامي العربي ووحداته للقوى المهيمنة على النظام الاعلامي لا تعتبر سمة خاصة ينفرد بها النظام الاعلامي العربي، بل هي سمة عامة تعاني منها معظم النظم الإعلامية الفرعية داخل النظام الإعلامي الدولي، ومثل هذه الملاحظة تبدو ضرورية لنفي ادعاء ان الثقافة العربية او المواطن العربي على وجه الخصوص يتعرضان لغزو ثقافي او نوع من الاختراق فمثل هذه الادعاءات التي تحركها نظرية المؤامرة ينبغي مراجعتها وتمحيصها بدقة في اطار ان ما يتعرض له العرب تتعرض له امم وشعوب اخرى.
5- تشابه المضمون: رغم تنوع المضامين الاعلامية الصادرة عن النظام الاعلامي العربي الا انها تلتقي عند عدد محدود من الاهداف والاستراتيجيات اهمها التركيز على الشؤون المحلية وغلبة الطابع الدعائي والاستهلاكي مقارنة باهداف واستراتيجيات التعليم والتثقيف علاوة على تسييد لهجات وانماط الحياة في الحضر والعواصم العربية وبصفة عامة لا تتسع وسائل الاعلام العربية الا لوجهات النظر الرسمية كما تنطوي على اتجاه واحد لسريان المعلومات من السلطة الى الجماهير ومن النادر انتاج وتداول مضمون اعلامي او ترفيهي دون ان يخضع لدرجة ما من درجات الرقابة التي تتفاوت شدتها من قطر الى قطر.
ولا تكفي المضامين المنتجة محليا على مستوى كل قطر لسد احتياجات وسائل اعلامه الجماهيري، من هنا تبلورت استراتيجية ثابتة تقوم على استيراد مواد ومضامين جاهزة من الولايات المتحدة ثم مصر وبعض الدول العربية والملاحظ ان مضامين القنوات التلفزيونية الفضائية لم تخرج كثيرا عما يقدم في قنوات التليفزيون المحلية, والاشكالية ان تطور تكنولوجيا الاتصال - خاصة البث الفضائي - التي تجتهد الدول العربية في استيرادها من الخارج تضاعف من الطلب على استيراد مواد ومضامين اجنبية او انتاج وتداول مضامين ترفيهية منتجة عربيا لكنها تتسم بالسطحية وتقليد صناعة الترفيه الامريكية.
6- الجماهير (المتلقون): تتوافر احصاءات من جهات عربية او دولية حول نسبة امتلاك او استخدام وسائل الاعلام لكل الف مواطن وتظهر هذه الاحصاءات وجود تفاوت بين الدول العربية فيما يتعلق بمدى انتشار وسائل الاعلام بين المواطنين ويتماشى هذا التفاوت الى حد كبير مع التفاوت في المستوى الاقتصادي والاجتماعي بين الدول العربية لكن ثمة اختلالات داخل كل قطر ربما لا تظهر في الاحصاءات كما ان الاحصاءات ترصد الملكية او الاستخدام كمؤشر رئيسي لاعطاء صورة عامة عن استخدام وسائل الاعلام ومثل هذا المؤشر في حاجة الى مراجعة اذ لا يكفي لتحديد معالم صورة المتلقين لمخرجات النظام الاعلامي وانماط استخداماتهم لوسائل الاعلام واحكام المصداقية لديهم تجاه النظام الاعلامي العربي وما يقدمه من مضامين, ويمكن افتراض ان الامية وتدني المستوى الاجتماعي والثقافي بين اغلبية ابناء الوطن العربي من جهة ووجود فجوات ملحوظة في مستويات التعليم والدخل والمستوى الثقافي داخل كل بلد عربي من جهة ثانية ينتج اولا فجوات معرفية بين الجماهير او المتلقين لبرامج ومضامين النظام الإعلامي العربي، كما ينتج ثانيا فجوات في استخدام وسائل الاعلام التقليدية وغير التقليدية ثم ينتج ثالثا نظام التفضيلات لبرامج ومضامين ترفيهية تتسم بالسطحية والاثارة.
والازمة الحقيقة ان هذه الفجوات تعمل بوتيرة متسارعة لتقسيم المجتمعات العربية الى اغلبية واسعة تبدو غير قادرة على الاستفادة من الزخم الاعلامي وتنوع المعلومات والآراء ومن ثم اكتساب وعي اجتماعي حقيقي وبالتالي يزداد اقبالها وتعاطيها لبرامج ومضامين النظام الاعلامي العربي او المضامين المشابهة له ومن ثم يعاد انتاج الوعي الزائف للاغلبية في المقابل تتبلور اقلية متميزة اقتصاديا تعليميا تتفاعل بوعي مع بعض برامج ومضامين النظام الاعلامي العربي والنظام الاعلامي الدولي ومن ثم تميل الى التحفظ عليه او رفضه بدرجات مختلفة وتتجه اما الى التقوقع على الذات او الميل نحو التغريب او السعي لمقاومة النظام الاعلامي العربي والقطيعة معه.
* أستاذ الإعلام بجامعة عين شمس

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
منوعــات
عزيزتي
ساحة الرأي
الرياضية
تحقيق
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved