*تأليف: د, مصطفى الضبع
*عرض: د, مصطفى رجب
صدر هذا الكتاب عن الهيئة المصرية العامة للكتاب في العام الحالي 1998م، ويقع في مائتين وخمسين صفحة.
وهذا الكتاب الذي بين يدينا الآن للناقد د, مصطفى الضبع هو جزء من رسالته للدكتوراه، ولعله اختار هذا العنوان بالذات - الذي يتناول شخصية الفلاح في الروايات المصرية - لانه نشأ وترعرع بين احضان الريف، في قرية من قرى الصعيد تحمل جل سمات القرية المصرية، وبين اناس بسطاء يمثلون الفلاح المصري خير تمثيل، لذلك فقلمه سكب احساسات صادقة ويعزف لحنا عذبا عن تلك البقاع المتناثرة في مصر.
وتحاول هذه الدراسة ان تقرأ النص الروائي قراءة مختلفة، قراءة تقف فيها عند الانسان الروائي او الرواية في نقطة التقائها بالانسان، واختارت ان تكشف عن شخصية متميزة واقعيا وفنيا، شخصية كان لها السبق دون غيرها من انواع الشخصيات في ان تدخل عالم الرواية وقد اتجهت الدراسة الى ان ترى الفلاح بوصفه شخصية فنية اقرب الى التكنيك الفني منها الى الموضوع، فلم تنظر للفلاح بوصفه موضوعا روائيا يطابق الواقع، ولكنها عمدت الى تحليل النص تحليلا فنيا، وتحاول الدراسة ان تتعرف عل كيفية استخدام الرواية للفلاح وماذا اضافت اليه، وكذلك على مقدار اضافة شخصية الفلاح للرواية، ومن هنا جاء العنوان رواية الفلاح، فلاح الرواية.
وقد جاءت الدراسة في تمهيد وثلاثة فصول وخاتمة، ففي التمهيد يتحدث الكاتب عن الفلاح، عبر الواقع والفكر والفن الروائي موضحا كيفية تحول الفلاح، بوصفه شخصية اجتماعية الى شخصية ادبية وفي البداية يحاول ان يوضح التطور الحادث في نظرة المجتمع للفلاح، ففي قديم الزمان كان ينظر للفلاح على انه احد ممتلكات النبلاء مثله مثل الحيوانات والاراضي، ثم بعد ذلك تغيرت الظروف ولكنها لم تقل الى الصورة المأمولة على الرغم من ان كلمة الفلاح لم يعد لها رنينها فكم منهم يخفق قلبه عندما نذكر كلمة الفلاح، فهو يذكر رائحة الحلبة، ويبعد ملابسه خوفا ان تتسخ واكثر هم طيبة ينتابه الاشفاق.
ثم بعد ذلك يتحدث المؤلف عن الفلاح بصفته شخصية ادبية، حيث يرى ان الرواية سلطت اضواءها على الفلاح ولكن هذه الاضواء لم تقدم بطلا ملحميا بالمعنى المعروف للكلمة حيث انها لم تقدم بطلا متضخم الذات، اناني النزعة.
في الفصل الاول يتناول المؤلف الملامح العامة لصورة الفلاح في الرواية المصرية منذ نشأتها وحتى عام 1952م ومن الواضح ان الرواية المصرية في هذه الحقبة التاريخية يغلب عليها الطابع الكنائي، حيث يستدل على الشخصية من خلال الايحاء، دون كشفها مباشرة واذا لم نكن مزودتين بالقدرة على اكتشاف الصورة من خلال هذا الايحاء فانها ستضيع بين دهاليز الرواية، فليس ثمة فلاح بمعنى الكلمة حيث لا توجد ابعاد مكتملة يمكن ان تصل اليها من خلال استخدام ملكة التركيب والربط، ولكن هناك اشاريات عن الفلاح وبيئته وبعض حاجياته وكلها توحي به دون اظهار، هو على حد تعبير بارت معان ليست في المعجم ولا في نحو اللغة المكتوب بها النص، ويمكننا ان نسميه قراءة بين السطور، وهنا يلتقي الايحاء والكناية معنويا فكلاهما ينتج في ذهن القارىء مكونا صورة لن تتكرر ثانية تبرز حال القراءة.
فالرواية في تلك الفترة تقدم صورة الفلاح عبر معطيات اخرى تقوم بدورها بآلية الكناية والايحاء، حيث تبدو صورة الفلاح متداخلة عبر هذه المعطيات وهي:
* القيم الاجتماعية والصراع الانساني.
* الحدث التاريخي.
* الطبيعة.
* السلطة.
وهي معطيات يقدم من خلالها الروائي صورته الروائية، فالهدف هنا هو تصوير الاحداث بذاتها وليست وسيلة فنية لتصوير الشخصية، حيث ان الحدث هو الصانع وليست الشخصية، فالشخصية لا تصنع الحدث وتحركه، وينبع ذلك من كونها شخصيات غير فاعلة لم تتبلور فنيا.
اما الفصل الثاني فهو يتحدث عن تصوير الرواية لجوانب شخصية الفلاح في الفترة من 1953 - 1973 ويحلل المؤلف الابعاد الثلاثة لاي شخصية روائية (الجسماني - الاجتماعي - النفسي) التي يكون لكل واحد منها خصائصه وسماته حتى يبدو بنية كبرى تحتوي على بنيات صغرى، تؤدي الى انتاج دلالة لازمة لادراك المعنى الكلي المكون للصورة وهي تمثل في نفس الوقت الصفات المميزة لشخصية الفلاح من خلال الرواية وتبسط تأثر هذه الشخصية في تكوينها بالاطر المختلفة للمكان والزمان والاشياء والآخرين.
وفي البعد الجسماني لشخصية الفلاح يتعامل المؤلف مع هذا البعد من خلال وسيلتين، الاولى هي التصريح او الوصف وذلك من خلال ظهور الشخصية ظهورا مباشرا، اما الوسيلة الثانية فتتمثل في الطابع الايحائي وذلك من خلال السرد الذي يعتبر اداة للحركة، تلك الحركة التي ترصد حركة الشخصية، فتظهر فعلها ابان حركتها الدالة على بعدها الفيزيقي، وقوة الفعل او الحركة تنبىء عن قوة الجسد او ضعفه ولان السرد هو العماد الاساس للقص والحكاية ولانه ايضا لا يتمايز بدرجة كبيرة عن الوصف فهما يتضافران لابراز ما يوحي بالبعد الفيزيقي.
ثم بعد ذلك يتناول المؤلف البعد الاجتماعي والنفس، فمن المعروف ان المؤلف لايخلق شخصية مجردة من عوامل الحياة زمانا ومكانا ولا من واقعها وجنسها البشري، فعمق الشخص في اطاره النموذجي الانساني يقاس بمدى ارتباطه وتكيفه وعلاقته بالآخرين، حيث ان هناك شبكة من العلاقات من شأنها ان تجعل هذه الشخصية تتخذ طريقها نحو الوضوح وظهور معالمها المميزة، فالشخص ما هو الا كائن اجتماعي لا يستطيع ان يظهر في عزلة عن زمانه او مكانه او الاخرين, ويحتوي هذا البعد على تسعة مباحث هي:
* الفلاح والارض.
* الفلاح والمرأة.
* الفلاح والعمل.
* الفلاح والآخر.
* الفلاح والزمن.
* الفلاح والثقافة.
* الفلاح والبيت.
* الفلاح وأشياء المكان.
* الفلاح والبعد النفسي.
ويتناول الفصل الثالث السمات الفنية لرواية الرواية واثره فيها ويرى المؤلف ان دخول الفلاح الى عالم الرواية قد منحها كثيرا من صفات التميز، لذا كانت روايات الفلاح مميزة عن غيرها من الروايات بلغتها وشخوصها وخصائصها واحداثها، فأبعاد الشخصية في هذه الرواية تختلف عن غيرها، ولغة الشخصية وثقافتها الفطرية والمكانية غير التابعة لاي ايديولوجية خارجة عن نظام المكان، فالمكان له خصوصيته الواضحة وعاداته وتقاليده التي تكون بمثابة القانون الذي تنتظم خلاله حياة الجماعة وازاء كل هذه يهتم هذا الفصل بمقدار اضافة شخصية الفلاح للرواية واضافتها للرواية المصرية على المستوى العام.
ويقوم المؤلف بتقسيم هذا الفصل الى ثلاثة ابعاد رئيسية وهي اللغة والرمز وجماليات المكان واشيائه، اما بالنسبة للغة فهي تمدنا بدلالات ومعان، واستنتاجات، كما تجعلنا نقف عند حد الشخصية الروائية بما اسبغته عليها من مكونات هذه اللغة، وتلعب اللغة الروائية هنا ادوارا مختلفة قد تتوازى داخل النص وبنسب متباينة، ويوضح المؤلف ان التميز سمة مهمة من سمات روايات الفلاح، اذ هي تقف عند بيئة ذات طبيعة متميزة واشخاص متميزين وينسحب هذا التميز على عناصر النص الروائي، حيث تجيء ذات طبيعة ونسق اسلوب خاصين وقد تم توضيج ذلك في ضوء ثلاثة ابعاد هي العنوان الروائي والسرد والوصف والحوار، وقد عمدت الدراسة الى احصاء بعض الالفاظ الواردة على لسان الفلاح في حواره او تخللت السرد وقامت بتحليلها تحليلا لغويا بغية الكشف عن طبيعتها ومدى ما اضافه لها الفلاح.
اما البعد الثاني وهو الرمز فهو تعبير عما لا يصرح به مباشرة لذا يحتفظ الرمز بمكانة المعنى العميق الذي لا يمنح نفسه الا لمن سعى اليه ويستشعر لذة ايجاده، والشخصية الروائية في الفلاح تلعب دورا واضحا في هذا الجانب حيث تشكل الشخصية رمزا لقضايا مختلفة ومتعددة، وينقسم الفلاح بوصفه رمزا الى رمز عام حيث يرمز الفلاح الى قيم عامة مثل الاصالة والحفاظ على القيم والكفاح، والعمل من اجل الخير والمشاركة والاعلاء من شأن المبادىء والتقاليد وهي معان تحملها الشخصية ولا يضعها الروائي اما النوع الثاني فهو الرمز الخاص وبعد مرحلة متطورة عن سابقتها، حيث يكون الفلاح رمزاً سياسيا او اجتماعيا وهو في رمزيته يشير الى ذات او الى معنى,, والذات قد تعبر عن المعنى ولكن المعنى لايشير الى الذات.
والجانب الثالث يتناول جماليات البنية الوصفية للمكان واشيائه، واستقراء وصف المكان في روايات الفلاح مع تخيل التشكيل الهندسي للبيت يكشف كل هذا عن جماليات المكان بجزءيه المتداخلين: الحقل الخارجي المفتوح والبيت الداخلي المحدد المنفتح على العالم الخارجي , فالفلاح يعيش بين عمقين، فهو يخرج من عمق البيت ليدخل عمق الطبيعة الام التي تمثل اصل الاشياء ومصدر حمايتها، وفي الوقت نفسه تحتضن البيت والفلاح داخله، وتبدو مظاهر جماليات المكان في التلاؤم والتناسب بين الخارج والداخل.
واخيراً فان هذا الجزء من رسالة الدكتور مصطفى الضبع يعتبر رحلة نقدية جميلة، تتبع فيها المؤلف شخصية الفلاح في الروايات المصرية، وهو كتاب جدير بالقراءة والاقتناء.
|